امتحان "تحديد المصير"

امتحان "تحديد المصير"!!

هنادي الشيخ نجيب

[email protected]

كلُّ الطلاب والطالباتِ يسعونَ جاهدين مع بدايات العام الدراسي إلى الإعداد المتقن للامتحانات الدورية وتلك التي تهيِّؤهم لدخول الجامعات أو للتوظيف في الشركات أو المؤسسات. وكثير منهم يُطْلِقون على تلك الاختبارات مصطلح: "امتحان تحديد المصير"...

وفي خضمّ استعداد الشباب للبدءِ بعامٍ زاخرٍ بالقراءات والمحفوظات والأبحاثِ والاختبارات؛ تلوحُ في الأفقِ دعوةٌ مستنبطة من صميم واقعهم المتأثّر بسياسة: "الحشو الفكري" و"التخمة المعرفية"؛ تلك الدعوة تلفتُ أذهان طلابنا وطالباتنا إلى ضرورة التهيؤ لامتحانٍ من نوع آخر، غاب عن ساحة الطرحِ والتفاعل – خاصّة على مستوى الشباب...

وبقفزةٍ منطقية لطيفة تُجرى مقارنة بين امتحان "تحديد المصير" وامتحان "تخطيط المسير"...

ففي الوقتِ الذي يتفانى فيه شبابنا – المعتمد على جهده، والمتَّكل على واسطته، على حدًّ سواء – للوصول إلى "المصير" العلمي والمهني والمادي المرغوب، يتناسون أنّ هناك "مسيراً" إلى حياةِ أخرى – هم مغموسون فيه من حيث يعلمون أو لا يعلمون – وعليهم أن يخطّطوا له حتى يصلوا إلى برّ الأمان الأبدي، الذي لا يعوِّض عنه حيازة شهادة الليسانس أو الماجستير ولا حتى الدكتوراه أو الأستاذية!!

فتحديد "المصير" الدنيوي يتطلَّب دراسة عدد هائل من الكتب (باعتبار المراحل الدراسية كلها)، بينما "التخطيط للمسير الأبدي" لا يحتاج إلاّ إلى الاستناد  مرجِعَيْن ربانيَّين محفوظَيْن: "القرآن والسُّنة"...

وفضلاً عن أن أسئلة المجال الأول غير معروفة، وفي "أرقى" الحالات "تُسرَّب" لتعطي فرصة لغير الكفؤ أن يتأهَّل؛ خلافاً لأسئلة المجال الثاني التي نعرفها منذ نعومة أظفارنا  (وهي: من ربك؟ ما دينك؟ ماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟...)، لكننا – للأسف نعيش متجاهلين "الإجابة العملية" عليها، حتى إذا ما واجهنا مصيرنا"... تُحبس الألسن عند إرادة التلفُّظ بها فيكون "الرسوب"!!..

ثم إنّ هناك فرقاً بين حال الطالب في الامتحان الأول الذي لا يتجاوز مدة امتحانه ساعتين من الزمن، ولا يُمنح إلا دورة ثانية نسبة النجاح فيها ضئيلة؛ وبين حال "طالب الآخرة" الذي يستغرق اختباره العمر كُلّه؛ بفرص متجدد، وآمال عريضة، بالنجاح بعد كل كبوةٍ، والفوز بعد كلّ غفلة!!!

وأخيراً، شتّان بين من يحوزُ على نتيجة نصَّتها إدارة بشرية على ورقة فانية – قيمتها النقش الذي فيها إلا من رحم الله – وبين الفلاح المبين والنعيم المقيم في جنَّة عرضها السموات والأرض، ورضوان من الله أكبر..

فالعجب – شبابنا – لمن يرصد حياته لاجتياز امتحان "معقّد" و"مصير" مؤقت... وينسى أنَّ أمامه "مسيراً" ممّهداً، واختباراً مسدّدا،ً لحيازةِ عطاء الله الكريم الأمجد في جنة الخلد...

والله الموفق..