وسام «الحياة الحقيقية»
بِيَدِ سيّد البشرية
هنادي الشيخ نجيب
يولدُ كلّ يومٍ كثير من الناس... ويموت في كلّ يومٍ كثيرٌ من الناس... لكن، هل كل الذين يولدون ويعيشون أحياء؟!
وهل كل الذين يموتونَ هم في عِداد الأموات؟!
إنّه تساؤلٌ مشروع، يطرحه واقعٌ ملغوم، فيه أحياءٌ أموات، وفيه أمواتٌ أحياء!!
إننا – في هذه الأيام – ونحن نسترجع ذكرى مولد سيّد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان بمولده مولدُ «خيرُ أمة»، ليأخذنا الحديث عن معنى الحياةِ والموت، وعن قيمةِ الإنسان في حياته وبعد موته...
لقد وُلِد محمد صلى الله عليه وسلم فوُلدت معه البشرية من جديد، أحيا الله به الناس بعد أن جفَّف قلوبهم الجهل، وطمس فطرتهم العناد والكفر... فحياته صلى الله عليه وسلم كانت مشعل نورٍ وهدايةٍ للعالمين...
سارَ في ظلّها علماء عظماء أجلاّء، أحياءُ الأرواح، أصفياء القلوب... استجابوا لدعوةِ الحق واتبعوا سبيل أشرفِ الخلقِ، فتقلّدوا وسام «الحياة الحقيقية»، التي تليقُ بالإنسانِ الذي كرَّمه ربُّه جلّ وعلا.
ألم يقل ربّنا عزّ وجل في ذلك: )يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم(...
حتى بعد موته صلى الله عليه وسلم، ظلّت رسالته المحفوظة من لدن عزيزٍ حكيم تعبِّد الطريق للسالكين إلى ربّهم...
أقواله، أفعاله، دعوته، تصوّره، هدية؛ لا زالت تنبض بالحياةِ، وتبعث الحياة في أيّ قلبٍ حلَّت، وإلى أي عقلٍ واعٍ وصلت...
على ضوء هذا التعريفِ الجليل للحياة؛ تُرى كم حيّ ميّت يعيش بيننا... لا توقظه كلمات... ولا تهزّه آيات... ولا تستفزُّه منكرات... ولم يذُق بعدُ طعم الحياة؟!
وكم ميّتٍ حيّ تحلّق روحه مع أرواح الملايين، وتعيشُ أفكاره في قلوبِ المخلصين، بينما يرقُد جثمانه تحت ترابُ الأرض، التي لم تضرّه بسجنها، ولم تحبس عنه أجور المتّبعين وحسنات المجدّين؟!
أيّها الشباب المفعم بالحياة... إننا نعيش زماناً صعباً تموتُ فيه القلوب وتحيا فيه الأبدان... زمانٌ يُنعى فيه كثير من الأحياء، فقد سُئِل أحدُ الصّحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين: مَنْ ميّت الأحياء؟ فأجاب: هوالذي لا يعرفُ معروفاً ولا يُنكر منكراً...
فهل يفسَّر ذلك تفشي صنف الأحياء الأموات بيننا؟!
إنّ الحيّ العاقل الذكي يعمل لدنياه بقدرِ بقائه فيها، ويعملُ لآخرته بقدر بقائه فيها...
وإنّها لفرصةٌ عظيمة أن نذكِّر أنفسنا وشبابنا بوجوب سلوك منهج المصطفى صلى الله عليه وسلم والسّير خلفه خطوةً خطوةً، لتشرق به أرواحنا، وتستنير بهديه عقولنا وقلوبنا، وتثمر خيراً في حياتنا وبعد مماتنا...
حينئذٍ، سنتخلّصُ من حالةِ الغثائية وانعدامِ الوزن واللاقيمةِ لأحيائنا التي وصفها الشاعرُ قائلاً:
ما أكثر الناس، لا بل ما أقلّهم والله يعلمُ أني لم أقل فَنَداً
إني لأُغمض عيني ثمّ أفتحها على كثيرٍ لكن لا أرى أحداً