مفاجأة في الكهف
ناديا مظفر سلطان
قراءة سورة الكهف يوم الجمعة من كل أسبوع لا تغن من التعرض لمفاجآتها العجيبة .
وفتية الكهف طال بهم السبات ثلاثة قرون ونيف ، حتى إذا أدركتهم الصحوة ، وأفاقوا من جديد، ليشرق الأمل، ويتجدد الرجاء بحياة طيبة كريمة، بعيدة عن ماض مظلم من الكفر والظلم والاستبداد، إذ بالمنية توافيهم وإذ هم أموات لا يرجعون.
والتوغل في هذه السورة العظيمة يعد بالمزيد من المفاجآت المذهلة .
وصاحب الجنتين أخذته نشوة البطر والثراء ، وأثمله رغد العيش والرخاء ، فأعلن لصاحبه مباهيا" ما أظن أن تبيد هذه أبدا" 35
فإذ بالمفاجأة القاصمة تتربص به ، وإذ بالثمر اليانع هشيما ، وإذ بالعشب الأخضر غثاء.
ومفاجآت السورة تبلغ أوجها مع رحلة النبي موسى والخضر عليه السلام "العبد الصالح" الذي أوتي من العلم مالم يؤت به سواه.
والعلم في المنظور الإسلامي هو رؤية واسعة الأفق -للحاضر في ضوء المستقبل وظلال الماضي - لاستكمال صورة شعارها
" الرحمة"
و"الرحمة " مزيج من عنف( موظّّف )غايته الوقاية من عنف أعم وشر أعظم ، وليست في جوهرها ( لا عنف )وادعاء خيالي لمثالية زائفة .
"فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما"65
وهكذا فقد كانت "الرحمة" شعارا لمفاجآت الرحلة رغم ما يلوح في ظاهرها من عنف.
وشيء من الأذى والخراب ك(مفاجأة أولى ) ألحقه الخضر بالسفينة باقتلاع أحد ألواحها، أمن وأمان ، لأصحابها المساكين من أطماع قراصنة البحار.
أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا"79"
وبناء الجدار دون ابتغاء أجر أو عطاء رغم مساس الحاجة ك(مفاجأة ثانية ) هو حفظ لثروة الأيتام من الضياع.
"وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك"82
وهكذا فإن مفتاح حفظ ثروة الأبناء هو صلاح الآباء.
و قتل ا لغلام البريء ك(مفاجأة ثالثة) و ازهاق نفس دون نفس ، يبدو فعلا للوهلة الأولى مفاجأة تكتم الأنفاس ، وتذهل العقول.
ولكن الرحمة -وفسحة الأمل- تلوح في المستقبل مع من هو أطهر نفسا وأقرب رحما.
"فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما" 81
و صحوة الكهف العربي اليوم مفاجأة حقيقية بعد سبات طويل في ظل أنظمة الاستبداد والظلم والقمع ، تعد بالبعث الجديد ،وتبشر بالعهد الوليد ،وتنعش الذكريات - من شعارات العروبة والوطنية والولاء والفداء - بهتت في كراريس الطفولة حتى اندثرت ...
شرط النجاة من الفتن ، والحروب الأهلية ... واستبدال النار بالرمضاء.
وبن علي وحسني مبارك ومن معهما على درب البطر والخيلاء ، والأمل الوثيق بأن" الساعة ليست بقائمة" تابعوا بنهم لا يعرف التخمة إنماء أرصدتهم في البنوك الأوربية ... ثم هتفوا بحبور " ما أظن أن تبيد هذه أبدا"
فإذ بالأول يفر مطرودا مذموما وإذ بالآخر يحشرج في إحدى المشافي ملوما مدحورا تاركين قصورهم وجنانهم وزروعهم ومقامهم الكريم ونعمة كانوا فيها فاكهين
فلم يبك فراقهم أحد بل لعل الشعب المسكين ضحك للمرة الأولى بعد طول تجهم وسنوات عبوس ،وإن لم يأخذ حقه المعلوم من الإرث المجمد في البنوك .
وغلام اليوم القتيل ما هو إلا ديكتاتور الغد ، الذي سيدعو شعبه للاختيار بين الأمرين الأمرّين
إما الموت نصرة له لكونه ملك الملوك !.. وإما الموت عقابا منه لكونه قائدا للأبد ولا منجى منه إلا إليه!.. في حرب أهلية ضروس ، تزهق الأرواح ،وتفتك بالنفوس.
والموت حقيقة مرة .. ولكن الأمرّ فعلا هو العيش في كنف حاكم معتوه لابد أنه احتسى قهوة بن لادن ومزاجها المسموم –كما زعم في خطاب صوتي بثته أجهزة الإعلام الكندي بالأمس فأضحك القوم - وعانى من الهلوسة أربعين عاما ونيف سلخها ،معتنيا بلون قفطانه، محتميا بالنسوة من حراسه ، مكدسا من السحت أمواله.
واليوم يحوم النسر الأمريكي في الجوار لينقض على جيفة المهزوم ليلتهمها لقمة رخيصة دون عناء
ونفط العرب ثروة جرت البلاء على الأنام وضاعت جوازيه بين جشع القرصان وأعوانه ، وبين براثن الغول وخلانه.
وفي نهاية السورة تأتي المفاجأة الحاسمة ل" الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا "104
سعي كان ضالا وعمل كان محبطا وسنوات طويلة من نهب الثروات وتصفية الشرفاء الأحرار ومؤازرة الأعداء وخراب البلاد
"قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا"؟؟؟؟103
تساؤل يعد بمباغتة لا صحوة بعدها ،وخسران من غير رجوع.
أولئك الذين كفروا بآيات ربهم و لقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا * ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا"106الكهف.