الأوضاع السياسية والدينية بشبه الجزيرة العربية قبيل الإسلام
الأوضاع السياسية والدينية
بشبه الجزيرة العربية قبيل الإسلام
محمد أفقير (صهيب)
باحث في تاريخ الإسلام
كلية الآداب والعلوم الإنسانية. وجدة-المغرب
يطلق اسم شبه الجزيرة على الأرض التي تحيط بها المياه من جهات ثلاث. وشبه الجزيرة العربية بلاد صحراوية تحيط بها المياه من جهات ثلاث وتمتد على مساحة شاسعة، وتشمل إلى جانب الصحاري أشكال جغرافية أخرى كالسهول، والجبال والوديان.
لم تكن بشبه الجزيرة العربية دولة ولا حكومة ولا سلطة سياسية، بل كانت فيها سلطة قبلية، وهي سلطة شيخ القبيلة على أفرادها، ولم تكن هناك أحكام ملزمة من جانب سلطة معينة، بل كان الحكم للأعراف والتقاليد والمصالح والأهواء.
ويرى عالم الاجتماع ابن خلدون, أن السبب في عدم قدرة العرب في شبه الجزيرة العربية على تشكيل دولة" أنهم لخلق التوحش الذي فيهم أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة، فقلما تجتمع أهواؤهم"[1] لكونهم " أكثر بداوة من سائر الأمم، وأبعد مجالاً في القفر، وأغنى عن حاجات التلول وحبوبها لاعتيادهم الشظف وخشونة العيش، فاستغنوا عن غيرهم فصعب انقياد بعضهم لبعض لإيلافهم ذلك وللتوحش"[2]. ولا يسوسهم إلا من كان عالما بطبعهم وكان من عصبيتهم. وإلى هذا يشير ابن خلدون بقوله : " ورئيسهم محتاج إليهم غالباً للعصبية التي بها المدافعة، فكان مضطراً إلى إحسان ملكتهم وترك مراغمتهم، لئلا يختل عليه شأن عصبييه، فيكون فيها هلاكه وهلاكهم"[3].
لهذا فانه لما بُعث النبي r، لم يُبعث في أرض تسيطر عليها دولة، ولم يخضع لسلطان دولة, ولم تواجه دعوته دولة. إنما كانت المعارضة والمقاومة من جانب قبائل وبطون تجمعها العصبية الجاهلية وتجمعها عبادة الأوثان. ومع مرور الزمن صار جانب من تعديها ومواجهتها ينهار أمام هيبة النبوة، وقوة الرعيل الأول, وأمام تأييد بعض شيوخ مكة لجنابه الشريف.
والتاريخ الديني لشبه الجزيرة العربية قبل الإِسلام، ينبئ عن أن معظم القبائل فيها كانت على الوثنية، وكانت عبادتهم لأصنام سموها بأنفسهم، واتخذوها زلفى.
ذكر اليعقوبي في تاريخه أن سبب اتخاذ أهل مكة للأصنام, معبودا من غير الله, وقد كانوا على دين إبراهيم الخليل, هو اتصالهم بأهل الشام وقد كانوا وثنيين[4]. قال:"خرج عمرو بن لحي، إلى أرض الشام، وبها قوم من العمالقة يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما هذه الأوثان التي أراكم تعبدون؟ قالوا: هذه أصنام نعبدها، نستنصرها، فننصر، ونستسقي بها، فنسقى، فقال: ألا تعطونني منها صنما، فأسير به إلى أرض العرب، عند بيت الله الذي تفد إليه العرب؟ فأعطوه صنماً يقال له هبل، فقدم به مكة، فوضعه عند الكعبة، فكان أول صنم وضع بمكة"[5]. فصارت كل قبيلة لها صنماً يصلون له تقرباً إلى الله، فيما يزعمون.
قال ابن إسحاق "واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه، فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسح به حين يركب، فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره، وإذا قدم من سفره تمسح به، فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله". قال: " فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالتوحيد قالت قريش: "(أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب)[6] " [7]. و"اتخذوا إسافا ونائلة على موضع زمزم ينحرون عندهما"[8]. واتخذوا "مع الكعبة طواغيت, لها سدنة وحجاب وتهدي لها كما تهدي للكعبة وتطوف به كطوافها بها، وتنحر عندها. وهى تعرف فضل الكعبة عليها، لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم الخليل ومسجده"[9]. إلى غير ذلك من الأصنام التي كانت معبودة في مواضع كثيرة من شبه الجزيرة قبل ظهور الإِسلام.
ولهذا يطلق على العرب نعت: "(الذين أشركوا) سمة لهم واسما لزمهم وإن كان غيرهم ممن تقدم شاركهم في عبادة غير الله تعالى, فإن هذا الاسم لا يطلق إلا على العرب"[10].
أما بيثرب فقد أسفر العداء الطويل بين الأوس والخزرج عن حرب طاحنة يوم بُعاث, فقد" مكثوا أربعين يوماً يتجهزون للحرب، والتقوا ببُعاث، وهي من أعمال قريظة، فلما التقوا اقتتلوا قتالاً شديداً وصبروا جميعا"ً[11]. وإلى جوار الأوس والخزرج بيثرب كانت" قبائل من اليهود من بني إسرائيل وغيرهم، منهم قريظة والنضير وبنو قينقاع وبنو ماسلة وزعورا وغيرهم، وقد بنوا لهم حصوناً يجتمعون بها إذا خافوا"[12].
وذكر الشهرستاني سبب توافد اليهود على يثرب.قال:" وإنما بنى أسلافهم الحصون والقلاع بقرب المدينة؛ لنصرة رسول اللهr نبي آخر الزمان؛ فأمروهم بمهاجرة أوطانهم بالشام إلى تلك القلاع والبقاع؛ حتى إذا ظهر، وأعلن الحق بفاران -مكة-، وهاجر إلى دار هجرته يثرب: هجروه، وتركوا نصره؛ وذلك قوله تعالى: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا, فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، فلعنة الله على الكافرين)[13]"[14].
وفي أطراف مكة والمدينة مد الفرس والروم نفوذهما إِلى أطراف شبه الجزيرة, قبل الإِسلام, و"عند ظهور الإسلام كانت دولتان كبيرتان تتقاسمان العالم الشرقي وهما الإمبراطورية الرومانية الشرقية التي كانت تسيطر من القسطنطينية على أوروبا الوسطى وعلى قسم كبير من آسيا, وعلى شمال إفريقيا من مصر إلى المحيط الأطلنطيقي, وإمبراطورية الفرس التي تمتد سيطرتها إلى أقاصي آسيا"[15].
وقد "بعث الله نبيه محمداً- r- لعشرين سنة مضت من ملك كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان"[16]. وقد كانت بينه وبين الروم حروب عظيمة"[17]. و"كانت دولة الفرس الساسانيين ذات سلطان وقوة ونظام، لعراقتهم في نظام الدولة، مما أعطاهم خبرة كبيرة في شؤون الإِدارة والحرب، وعلى رأس الدولة ملك يسميه العرب كسرى، وهو تعريب للفظ " خُسرف " بالفارسية، ومعناه الملك أو السلطان، وكانت ديانتهم وثنية "الزرادشتية أو المزدكية" وهي تقوم على عبادة النار، وسماها العرب مجوسية"[18]. وفي المقابل كانت دولة الروم على دين المسيحية, التي كانت منتشرة بين قبائل العرب التي تقطن بلاد الشام. وكانوا يسمون نصارى العرب، أوعرب الروم ومنهم:" تيم اللات وضبيعه وعرب الضاحية من الحيرة"[19]. و" قضاعة, "[20] و"بني عجل,"[21] " وتغلب, والنمر"[22]."وتنوخ، وبني كلب، وسليح، ولخم وجذام، وغسان"[23]. و"بكر بن وائل"[24].
وأكبر القبائل النصرانية كانت قبيلة غسان. "وهم" أولاد عم الأنصار أوسها وخزرجها"[25] وكان الغساسنة" عمالاً للقياصرة على عرب الشام"[26]. وقد كان أن " غلبت غسان على من بالشام من العرب، فملكها الرومُ على العرب، فكان أول من ملك من ملوك غسان بالشام: الحارث بن عمرو بن عامر بن حارثة بن أمرىء القيس"[27]. "وكان جبلة آخر ملوك غسان"[28].
وقد " كتب رسول اللهr إلى جبلة بن الأيهم, ملك غسان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم، وكتب بإسلامه إلى رسول اللهr ، وأهدى له هدية، ثم لم يزل مسلماً حتى كان في زمن عمر بن الخطاب"[29]. وكذلك "بنو ثعلب بن وائل- وهم- من أعظم بطون ربيعة بن نزار ولهم محل في الكثرة والعدد وكانت مواطنهم بالجزيرة في ديار ربيعة وكانوا على دين النصرانية في الجاهلية"[30]. قد "حاربوا المسلمين مع غسان وهرقل أيام الفتوحات وسائر نصارى العرب"[31].
ذلك ما كان عليه العرب وقبائلهم قبل الإِسلام, في شبه الجزيرة العربية قبيل البعثة, في أواخر القرن السادس الميلادي. وقد تّأثر الوضع الديني فيها بالتجاذب المسيحي المجوسي.
ومن الناحية السياسية لم تكن توجد سلطة سياسية واحدة، ولا نظام للحكم، كما كان في الإِمبراطوريات التي سيطرت على تخوم شبه الجزيرة، وأقامت ممالك تابعة لها. إنما كان الحكم قبلياً، ولم يكن هناك ما يوحد هذه القبائل، فكانت الحروب والغارات متواصلة.
ولا يستطيع أحد أن يزعم أنه كانت هناك أمة عربية موحدة في أهدافها في شبه الجزيرة العربية في هذه الفترة، ولم تكن تبدو ملامح وحدة منتظرة في الأفق. للمانع الموجود في طبيعة العرب كما ذكر ابن خلدون: فهم" أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة"[32]. وكذلك" لم تساعد شدة الحياة وقسوتها على نشوء حضارة عمرانية إِلا في مناطق قليلة من شبه الجزيرِة، لا سيما في أطرافها، وكانت الكلمة هي معلم الحضارة البارز، شعراَ في الغالب، وقليلاً من الحكمة في الأقوال، نتيجة التجربة في الحياة"[33].
كان لشبه الجزيرة العربية بسبب وجود البيت الحرام فيها مكانة دينية مرموقة، لكن في الناحية السياسية, لم تنل ما نالته مناطق أخرى مجاورة مثل الفرس والروم من التنظيم والإدارة والعلم. ولم يحظ سكانها بما حظيت به شعوب عديدة في التاريخ القديم في مصر واليونان.
وقد كان لجغرافية شبه الجزيرة الدور الرئيس في كل ذلك، فهي تتشكل من صحاري شاسعة، قليلة المياه والزراعة. ولم تتوفر لها وسائل الحضارة من علم وكتابة. ولم يحدث أن استفادت من دول الجوار تنظيميا وسياسيا. خصوصا دولتا الفرس والروم, الإِمبراطوريتين الكبيرتين اللتين كانتا تحدان شبه الجزيرة شمالاَ وشرقاً.
(رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). البقرة:201.
- ابن خلدون, مقدمة ابن خلدون. ص75.[1]
- نفسه. ص75.[2]
- نفسه. ص75.[3]
[4]- "كان الناس قبل المبعث من زمن نوح صلى الله عليه وسلم إلى زمن المبعث عباد أصنام إلا من استجاب للرسل منهم وهذه الضلالة اشترك فيها العرب والعجم، وعبد كثير من العجم النار وهم المجوس".انظر: الصالحي الشامي. سبل الهدى والرشاد. ج2ص175.
[5]-أحمد بن أبي يعقوب. تاريخ اليعقوبي. ص100 بتصرف.
- سورة ص: الاية5.[6]
[7]-ابن كثير. السيرة النبوية. ص70.
-ابن هشام. سيرة ابن هشام. ص82. [8]
-نفسه. ص83. بتصرف. [9]
-سبل الهدى والرشاد. مصدر سابق. ج2ص175. [10]
-ابن الأثير. الكامل في التاريخ. ج1ص237. بتصرف.[11]
- نفسه. ج1ص229. بتصرف.[12]
- سورة البقرة: الآية 89 .[13]
- الشهرستاني. الملل والنحل. ص64.[14]
-محمد عبد المولى. أنظمة المجتمع والدولة في الإسلام. ص89. بتصرف.[15]
-الكامل في التاريخ. مصدر سابق. ج1ص252. [16]
-نفسه. ج 1ص149- 165- 252.[17]
- مروج الذهب. مصدر سابق. ج1ص122.[18]
- تاريخ ابن خلدون. مصدر سابق. ج2ص80.[19]
- المغازي. مصدر سابق. ص312. [20]
- الطبري. تاريخ الرسل والملوك. ج2ص188. [21]
- ابن كثير. البداية والنهاية. ج7ص83. [22]
نفسه. ج7ص7. -[23]
- نفسه. ج6 ص380. [24]
- نفسه. ج8ص69.[25]
-أبو الفداء. المختصر في أخبار البشر. ج1ص45. [26]
-مروج الذهب. مصدر سابق. ج1ص211. [27]
- ابن منظور.مختصر تاريخ دمشق. ج2ص212.[28]
-نفسه. الصفحة نفسها.[29]
-تاريخ ابن خلدون. مصدر سابق. ج4ص227.[30]
-نفسه. الصفحة نفسها. بتصرف.[31]
-مقدمة ابن خلدون. مصدر سابق. ص75[32]
-حسين مؤنس. أطلس تاريخ الإسلام. ص110. [33]