إضاءات في عالم المرأة المسلمة 1
إضاءات في عالم المرأة المسلمة
(القسم الأول)
د. صلاح الدين بن عباس شكر *
ألقيت في منتدى شاعر المدينة المنورة الشيخ : خالد النعمان .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى من اتبعه واهتدى بهديه واقتفى أثره إلى يوم الدين .
وبعد : فإن أعداء الإسلام أعداء الإنسانية قديما وحديثا صوبوا سهامهم لحرب الإسلام وخصوا المرأة المسلمة بأكبر السهام بقصد إخراجها عن دينها وعفتها وشرفها ، وبين الفترة والأخرى يعلو نباحهم ويرتفع نهيقهم ويشتد فحيحهم ، يتبعهم ويقلدهم حثالة من ببغاوات العلمانيين والمرتدين عن دينهم ، ولكن حربهم ومكرهم ارتد عليهم فخابوا وخسروا، ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) الأنفال (30) . كناطح صخرة يوما ليوهنها : فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل أيها الإخوة الأفاضل : ليس هناك نظام على وجه المعمورة قديما وحديثا شرقا وغربا شمالا وجنوبا أكرم المرأة ورفع من شأنها ومكانتها كالإسلام فإن للمرأة في الإسلام مكانة رفيعة وشأن عظيم .
فهي الأم : التي أوصى بها الله تعالى ، وحرم عقوقها وقضى بالإحسان إليها قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) الإسراء (23) . وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة تحت أقدامها ،
وهي الزوجة : التي أمر الله بحسن عشرتها ونهى عن الإساءة إليها والتضييق عليها ، قال تعالى : (وعاشروهن بالمعروف ) النساء (19). وقال صلى الله عليه وسلم : ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )) .
وهي البنت : التي جعلها الله تعالى هبة لمن يشاء من عباده وقدمها على الذكور في قوله تعالى : ( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) .الشورى (49) .
وهي الأخت : فلم يغفل الإسلام عن حقوق الأخت بل أكد عليها ودعا إلى صيانتها . وأكد على حسن إعالتها والإنفاق عليها . فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من كان له ثلاث بنات ، أو ثلاث أخوات ، أو ابنتان ، أو أختان ، فأحسن صحبتهن ، واتقى الله فيهن فله الجنة)). رواه الترمذي . لقد كان صوت المرأة في الإسلام مسموعا ، وقد كان يصل إلى رأس القيادة العليا للنبي صلى الله عليه وسلم . حيث كانت تدخل عليه تحاوره وتناقشه وتستفتيه في أمور دينها ودنياها ، وتتحدث معه في أدق تفاصيل حياتها الزوجية ، بل وتشتكي زوجها وتطلب الحق منه . وكان النبي صلى الله عليه وسلم : يأذن لها ويجيب على تساؤلاتها ، وينصح لها ، ويرفع عنها الظلم والجور والحرج ، فلم يقمع صوتها ، ولم يصادر رأيها ، ولم يتنكر لقضاياها . ولم يأمر أناسا آخرين بالإنابة عنه في بحث شكاويها وتساؤلاتها ، بل كان يجلس صلى الله عليه وسلم لهن بنفسه ، ويفرغ لهن جزءا من وقته. وما ذلك إلا إشعارا بتكريمهن وإشعارهن بمكانتهن . وهذه بعض نماذج من نساء رباهن الإسلام .
فلقد أوصت أم الخنساء ابنتها قبيل زواجها فقالت : أي بنية ! إنك فارقت الحواء الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه إياك رقيباً ومليكاً، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً .
* أي بنية ! احفظي له عشر خصال يكن لك ذخراً وذكراً.
* فأما الأولى والثانية : الصحبة له بالقناعة ، والمعاشرة له بحسن السمع والطاعة .
*وأما الثالثة والرابعة : التعهد لموقع عينيه، والتفقد لموضع أنفه ، فلا تقع عيناه منك على قبيح ، ولا يشم منك إلا أطيب الريح .
* وأما الخامسة والسادسة : فالتفقد لوقت طعامه ، والهدوء عند منامه . فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة .
* أما السابعة والثامنة : فالاحتفاظ بماله ، والإرعاء على حشمه وعياله ، لأن الاحتفاظ بالمال من حسن الخلال، ومراعاة الحشم والعيال من الإعظام والإجلال . وملاك الأمر في المال حسن التقدير وفي العيال حسن التدبير .
* أما التاسعة والعاشرة: فلا تفشي له سراً ، ولا تعصي له أمراً ، فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره ، وإن عصيت أمره أوغرت صدره .
* ثم اتقي مع ذلك الفرح بين يديه إذا كان ترحاً ، والاكتئاب عنده إن كان فرحاً ، فإن الخصلة الأولى من التقصير ، والثانية من التذكير * وكوني أشد ما تكونين له إعظاماً يكن أشد ما يكون لك إكراما * وكوني أكثر ما تكونين له موافقة ، يكن أطول ما يكون لك مرافقا . * واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك ، وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت .
وأوصت أمامة بنت الحارث الشيباني ابنتها ليلة زفافهافقالت :
أي بنية : إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لكِ ، و لكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل.. ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنتِ أغنى الناس عنه ، ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال .
واحفظي له خصالاً عشراً يكن لك ذخرا.. وهي الخصال العشر التي تقدمت في وصية أم الخنساء السابقة .
ونصحت أم أخرى ابنتها ليلة زفافها نصيحة غالية وقد مزجتها بابتسامتها ودموعها فقالت : ولا تنسى يا بنيتي ! أنت مقبلة على حياة جديدة..حياة لا مكان فيها لأمك أو أبيك . أو لأحد من إخوانك..ستصبحين صاحبة لرجل لا يريد أن يشاركه فيك أحد حتى لو كان من لحمك ودمك .
كوني له زوجة يا ابنتي وكوني له أما, اجعليه يشعر أنك كل شيء في حياته , وكل شيء في دنياه.. اذكري دائما أن الرجل أي رجل طفل كبير أقل كلمة حلوة تسعده ، لا تجعليه يشعر أنه بزواجه منك قد حرمك من اهلك وأسرتك , إن هذا الشعور نفسه قد ينتابه هو, فهو أيضا قد ترك بيت والديه وترك أسرته من أجلك , ولكن الفرق بينك وبينه هو الفرق بين المرأة والرجل .. المرأة تحن دائما إلى أسرتها , إلى بيتها الذي ولد ت فيه ونشأت وكبرت وتعلمت فيه ..ولكن لابد لها أن تعوِّد نفسها على هذه الحياة الجديدة ، لا بد لها أن تكيف حياتها مع الرجل الذي أصبح لها زوجا وراعيا وأبا لأطفالها وهذه هي دنياك الجديدة . يا ابنتي : هذا هو حاضرك , ومستقبلك,هذه هي أسرتك التي شاركتما أنت وزوجك في صنعها , أما أبواك فهما ماض مضى .. إنني لا أطلب منك أن تنسي أباك وأمك وإخوتك لأنهم لن ينسوك أبدا يا حبيبتي ,وكيف تنسى الأم فلذة كبدها , ولكنني أطلب منك أن تحبي زوجك وتعيشي له وتسعدي بحياتك معه . وأنتقل بكم إلى نساء من الصحابيات المجاهدات مربيات ورائدات : 1- )نسيبة بنت كعب (أم عمارة من هي أم عمارة ؟
يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام عن نسيبة بنت كعب((إنني في غزوة أحد ما تلفت يمينا ولا شمالا إلا ورأيت أم عمارة)) . ما أعظمك يا أم عماره وأنت تدافعين عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من سيوف الأعداء حتى جاءها من يريد أن يقتل الرسول كلما أراد أن يطعن رسول الله يجد أم عمارة أمامه وأخذ يضربها بالسيف وهو لا يريد قتلها لأن قتل المرأة عند العرب عار ويحاول بقدر ما يستطيع أن يبعدها عن رسول الله ولم يستطع ، وغارت عظام كتفها من شدة ضرب السيف عليه حتى أن ابنها حاول أن يساعدها ورفضت وقالت أنا فداء رسول الله وقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : (( ما اشد ما تطيقين يا أم عمارة )) قالت : بل أطيق وأطيق و أطيق يا رسول الله بشرط مرافقتك في الجنة فقال لها : (( لست وحدك يا أم عمارة بل أنت وكل أهلك ))حتى إن ابنها كان يقول إن جرح أمي لو وضعت به قبضة يدي لغارت في الجرح من كبر حجم الجرح . بعد هذه المعركة بفترة طويلة ، وفي وقت ظهور مسيلمة الكذاب أرسل أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلي مسيلمة برسالة يحثه فيها للرجوع إلي الحق والرجوع إلى الله وقد أرسل الرسالة مع ابن نسيبه بنت كعب وقد أتى هذا الشاب إلى مسيلمة الكذاب وسلمه الرسالة وقال له مسيلمة الكذاب : هل تؤمن أن محمدا رسول الله رد عليه الشاب قال نعم : قال : أتشهد أني رسول الله قال له : إني أصم لا أ سمع وكرر مسيلمة الكذاب هذه العبارة كثيرا وهذا الشاب على ما هو عليه حتى اضطر مسيلمة أن يقطع من جسده بالسيف قطعة قطعة حتى يغير ما يقول ويشهد أنه رسول الله والشاب مصر علي موقفه حتى اضطر مسيلمة الكذاب إلي قتل هذا الشاب ووصل الخبر إلي أمه وقد فرحت بهذا الخبر كثيرا لأنه سبقها إلي الجنة ما أعظم هذه السيدة القوية الصابرة المثابرة . وبعد فترة وقد دخل المسلمون في معركة اليمامة وهي المعركة التي جمعت المسلمين لحرب مسيلمة الكذاب وقد قتل مسيلمة في هذه المعركة والغريب أن مسيلمة قتل من شخصين فقد اخترق جسده رمح وسيف وكان الرمح من وحشي الذي قتل في يوم أحد اشرف الناس وهو حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله ، وقد عاهد وحشي نفسه أنه مثلما قتل أشرف الناس فلابد بعد إسلامه أن يقتل ألد أعداء الإسلام وقد فعلها وقتل مسيلمة الكذاب ، وأما صاحبة السيف الذي اخترق جسد مسيلمة الكذاب هي أم عمارة والدة الفتي الذي قتله مسيلمة وقد أخذت بثأر ابنها ما أعظمك يا أم عمارة وما أعظم ابنك . هذه كانت قصة هذه السيدة العظيمة . نتمنى من كل النساء أ ن يقرأنها لتعلم من هي نسيبة بنت كعب ويكن لهن فيها أسوة وقدوة .
2 – الخنساء : تماضر بنت عمرو بن الشريد بن الحارث السلمية : لقبت بالخنساء لارتفاع وسط قصبة الأنف وضيق المنخر في أنفها . وكانت رضي الله عنها مثالا للمرأة المسلمة الشاعرة المؤمنة المحتسبة الصابرة والمربية الفاضلة . أجمع أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أعلم بالشعر منها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستنشدها ويعجبه شِعرها . وكان أكثر شعرها وأجوده رثاؤها لأخويها : صخر، ومعاوية ، وكانا قد قتلا في الجاهلية عاشت أكثر عمرها في العهد الجاهلي، وأدركت الإسلام فأسلمت ووفدت على رسول اللَّه مع قومها بني سليم . اشتهرت بإيمانها العظيم باللَّه ورسوله ، وجهادها في سبيل نصرة الحق ؛ فقد شهدت معركة القادسية سنة ست عشرة للهجرة ومعها أولادها الأربعة ، قالت لهم : في أوَّل الليل يا بني : إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ، واللَّه الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد ، كما إنكم بنو امرأة واحدة ، ما خنت أباكم ، ولا فضحت خالكم ، ولا هَجَّنت حَسبكم ، ولا غَيَّرت نسبكم .
و تعلمون ما أعد اللَّه للمجاهدين من الثواب الجزيل ، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية ؛ يقول اللَّه - عـز وجـل - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران : 200 ) ، فإذا أصبحتم غدًا إن شاء اللَّه سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين ، وباللَّه على أعدائه مستنصرين ، وإذا رأيتم الحرب قد شَمَّرت عن ساقها ، واضطرمت لظى على سياقها ، وجُلِّلَتْ نارًا على أرواقها، فتَيمَّموا وطيسها، وجَالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة فخرج بنوها قابلين لنصحها ، وتقدموا فقاتلوا وهم يرتجزون ، وأبلوا بلاءً حسنًا، واستشهدوا جميعًا . فلما بلغها خبرهم قالت : الحمد للَّه الذي أكرمني وشرفني بقتلهم في سبيله ، وأرجو من ربى أن يجمعنى بهم في مستقر رحمته . فكان عمر ابن الخطاب رضي اللَّه عنه : يعطيها أرزاق أولادها الأربعة ، لكل واحد مائتا درهم ، حتى قبض . إنها الخنساء المؤمنة القوية التي حوَّل الإسلام حياتها ، وصنع الإيمان منها نموذجًا جديرًا بأن يحتذ ى ، فها هي في الجاهلية تقول : حين قُتل أخوها صخر:
ألا يا صخرُ لا أنســاك حتى : أفارقَ مهجتي ويشقّ رَمْسي
يذكرني طلوعُ الشمسِ صَخرًا : وأبكيه لكلِ غروبِ شمــسِ
ولولا كثــرةُ الباكينِ حولي : على إخوانهم لقتلتُ نفسـي
وفى الإسلام تضحى بفلذات كبدها في سبيل اللَّه . ولا عجب في الأمر، فهذا هو حال الإسلام دائمًا مع معتنقيه ومحبيه ، يحيل حياتهم إلى فضائل ، ويغرس فيهم الصبر والإيمان، ويعينهم على التسامي وعلى الشدائد والمحن .
3- ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما : وهي امرأة ذات مكانة عظيمة في الإسلام وذات شجاعة نادرة وبطولة ، وليس عجبا أن تكون كذلك ، فهي ابنة الصديق وأخت الصديقة وزوجها صحابي جليل وابنها صحابي جليل ، كان أول مولود في الإسلام بعد الهجرة .
وعن إسلامها وموقفها في الهجرة وسيرتها فقد : أسلمت أسماء قديما بمكة وكانت أكبر من أختها عائشة ببضع عشرة سنة ، وكانت السابعة عشرة ممن أسلموا في مكة ، فقد كان أبوها أول من أسلم من الرجال .. وفي يوم الهجرة يوم أن أراد المشركون قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاء الأمر الإلهي إليه بالهجرة جاء النبي صلى الله عليه وسلم لصديقه أبي بكر الصديق كي يصحبه في رحلة الهجرة ، وسار الاثنان إلى غار ثور حتى تهدأ قريش من حملتها في البحث عنهما ، وكان يلزم لهما الزاد في أيام الاختفاء في الغار حيث كان دور أسماء البارز في الهجرة ، فكانت تأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق أبيها بالزاد والماء كل ليلة ، تمشي ثلاثة أميال تقريبا حتى تصل إلى الغار ومعها الزاد والماء وأيضا الأخبار . وحين أرادت أن تعلق الزاد والماء لم تجد ما تعلقه فقطعت نطاقها نصفين وأخذت نصفه كي تعلق به الزاد وبالآخر الماء ، وحين رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شقت نطاقها نصفين قال لها : قد أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة . وسميت من يومها بذات النطاقين .
وقد تحملت أسماء رضي الله عنها أذى المشركين حين جاءوا إلى منزل أبيها يبحثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبيها ، فقال لها أبو جهل : لعنه الله أين أبوك يا بنت أبي بكر ؟ فردت بشجاعة وثبات لا أدري ، فلطمها أبو جهل لطمة حتى وقع قرطها من شدة اللطمة ، ولكنها لم تهتز ولم تفض بسر أبيها وصاحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم . و إن أسماء تعتبر مثالا للزوجة المؤمنة الصابرة حيث تزوجت رضي الله عنها بالصحابي الجليل الزبير بن العوام ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بمكة المكرمة قبل الهجرة النبوية ، وهاجرت وهي حامل في ابنها عبد الله فولدته بالمدينة المنورة فكان أول مولود في الإسلام للمهاجرين بعد الهجرة وبعد أن أشاع اليهود أن نسل المسلمين قد انقطع . وعاشت أسماء رضي الله عنها في بيت زوجها صابرة تحملت شظف العيش وعبء الحياة الزوجية ، وعن حياتها في بيت زوجها قالت : كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله ، وكان له فرس ، وكنت أسوسه، وكنت أحتشي له وأقوم عليه . وكانت تنقل النوى على رأسها لأرض زوجها وتسقي الماء وسائر الأعباء الأخرى خارج المنزل وداخله ، وحين شكت ذلك لأبيها الصديق رضي الله عنه قال لها : يابنية اصبري ، فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثم مات عنها فلم تتزوج بعده جمع بينهما في الجنة . وعن علمها وفقهها رضي الله عنها فقد:كانت مثل أختها السيدة عائشة رضي الله عنها ذات علم في الدنيا وفقه ، روت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت من فقيهات الصحابيات ، وحدث عنها عدد من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم . وكانت إذا صلت أطالت القيام والقراءة والتدبر حتى تظل تكرر الآية مرارا وتكرارا من الخوف والوجل من الله عز وجل .
ومما يروى عن ورعها فقد كانت أسماء ذات فقه في الدين وورع شديد فإنها حين جاءت أمها، وكانت مشركة بهدايا أبت أن تقبلها حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء رد الرسول صلى الله عليه وسلم أن تقبل الهدايا وأن تبر أمها لقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) الممتحنة ( 8) . وقد روت الكثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أكثر بنات الصحابة في ذلك بعد أختها عائشة رضي الله عنها فقد روت قرابة ثمانية وخمسين حديثا ، بينما روى زوجها الزبير بن العوام رضي الله عنه ثمانية وثلاثين حديثا... توفيت رضي الله عنها بعد مقتل ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أجمعين بأيام قليلة ، فما أتت عليها جمعة حتى ماتت بعدها عام 73 هـ .. ودفنت بجوار ابنها عبد الله بن الزبير بمكة على الأرجح . و تعد أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها من النماذج البارعة في تاريخ الإسلام ، فقد عاشت في ظل الدعوة الإسلامية منذ نعومة أظفارها ، وعرف الإيمان طريقه إلى قلبها منذ كانت طفلة صغيرة ، وشاهدت تطور الدعوة وانتقالها من طور إلى طور، بل وشاركت في صناعة الكثير من الأحداث ، وحياتها رضي الله عنها مليئة بالمواقف وحافلة بالدروس والعظات التي يحتاج إليها النساء في عصرنا، بل ويحتاج إليها كثير من الرجال .
وبعد الهجرة كانت شخصية فاعلة في دعوة النساء في المدينة وتعليمهن ، وكان نساء قريشٍ يعرفن الكتابة ، وكان نساء الأنصار لا يعرفن الكتابة . فكان نساء المهاجرين يعلمن نساء الأنصار ما يتعلمن به كتابة القرآن ، وكانت أسماء قد حفظت بعض القرآن قبل هجرتها فشرعت في تعليم نساء الأنصار أمور دينهن . وكانت رضي الله عنها تسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم فتحفظه وتعلمه غيرها .
وكانت رضي الله عنها من المجاهدات في سبيل الله ، العاملات على إعلاء راية الإسلام ، فقد شاركت رضي الله عنها في معركة اليرموك في عهد الخليفة عمر بن الخطاب جنبا إلى جنب مع زوجها الزبير بن العوام رضي الله عنهما وبلغ من شجاعتها وإقدامها أنها قرنت عنانها بعنان زوجها فما كان يضرب إلا ضربت مثله . إن الجهاد في سبيل الله غير قاصر على الرجال ، فقد كان للنساء النصيب الكثير من البطولات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من غزوة من الغزوات إلا ولهن فيها ذكر . صبرها وثباتها: كان ابنها عبد الله بن الزبير قد خرج على بني أمية وبايعه الناس في الحجاز والعراق على الخلافة ودارت بينه وبين بني أمية حروب ، وقد لجأ رضي الله عنه إلى البيت الحرام ، ولما رأى انه لا طاقة له بحرب بني أمية ذهب إلى أمه أسماء يستشيرها في الأمر فقال : كيف أصبحت يا أمه؟ قالت : إن في الموت لراحة ، وما أحب أن أموت إلا بعد خلتين : إما إن قتلت فأحتسبك ، أو ظفرت فقرت عيني . قال : يا أمه ! إنهم أعطوني الأمان ، فما ذا تقولين ؟ قالت : يا بني أنت أعلم بنفسك ، إن كنت على حق وإليه تدعو، فلا تمكن عبيد بني أمية منك يتلاعبون بك ، وإن كنت على غير الحق ، فشأنك وما تريد. قال : يا أمه ! إن الله ليعلم أني ما أردت إلا الحق ، ولا طلبت غيره ، ولا سعيت في ريبة قط . ثم قال : يا أمه ! إني أخاف إن قتلني هؤلاء القوم أن يمثلوا بي. قالت : يابني إن الشاة لا تتألم للسلخ إذا ذبحت . قال: الحمد لله الذي وفقك ، وربط على قلبك ! ثم نزل فقاتل حتى قتل . وحُمل إلى الحجاج وهو مقتول ، فقال : اصلبوه في الحِجَون ، فصلبوه في الشمس ثم مرت أمه وهي عمياء يقودونها ، فقالت : إذا وازيتُه فأقيموني، ووقفت وهي تبكي وتقول : أما آن لهذا الفارس أن يترجل ، سلام عليك يا ا بن حواري رسول الله ! والله لقد كنت باراً في شبابك ، مطيعاً في كدرك ، عابداً في شيخوختك ، فسلام الله عليك حتى ألقاك . وقيل : إن الحجاج دخل بعد قتل ابن الزبير على أمه أسماء وقال لها : يا أمه إن أمير المؤمنين وصاني بك ، فهل لك من حاجة ؟ قالت : لست بأم لك ، ولكني بأم المصلوب على رأس الثنية . يا حجاج : أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك ، ومالي إليك من حاجة ، ولكني أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( يخرج في ثقيف كذاب ، ومبير )) . فأما الكذاب ، فقد رأيناه - تعني المختار الثقفي- وأما المبير ، فهو أنت ... نِعْمَ الصابرة أسماء ونعم المحتسبة ونعم الأم ونعم المربية ، فلقد ربت رجالا شجعانا لا يهابون الموت ولا يخشون الردى ما داموا على الحق.ألا فليتعلم نساؤنا كيف تكون التربية الحقيقية ، فإن الأمة الإسلامية لن تنهض ولن تعود لسابق مجدها إلا بالتربية . وصدق الشاعر في قوله :
الأم مدرسة إذا أعددتها : أعددت شعباً طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحياة : بالري أورق أيما إيراق اكتفي بهذا القدر في هذا اليوم فالموضوع كبير والنماذج من نساء المسلمات المربيات العالمات المجاهدات في سلف نساء الإسلام وخلفهن وحاضرهن كبير وواسع ويصعب حصره وتقديمه في محاضرة أو محاضرتين أو أكثر . وإذا رغبتم ورغب راعي المنتدى أن تمنحوني فرصة أخرى لأعرج على بعض الحقوق و الفضائل التي منحها وأثبتها الإسلام للمرأة .وبعد المداولة بين الحضور وراعي المنتدى تكرموا علي بفرصة أخرى لإلقاء محاضرة ثانية إتماما للموضوع تكون في الأسبوع القادم مباشرة بإذن الله تعالى . وعليه أشكر الجميع لحسن استماعهم وإصغائهم ، وأعتذر عن الإطالة . (سبحانك ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العلمين ) . والله ولي التوفيق . ألقيت هذه المحاضرة في منتدى شاعر المدينة الشيخ : خالد النعمان . وذلك مساء يوم الجمعة في 8 ربيع الأنور 1432هـ
* د. صلاح الدين بن عباس شكر : مواليد محافظة ريف دمشق عام 1938م .
المؤهل : دكتوراة في العقيدة والحديث النبوي الشريف .
مدرس سابق في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وقسم الثقافة والتعليم في المنطقة الشمالية الغربية (وزارة الدفاع والطيران) لمدة اثنتين وثلاثين سنة
– موجه لحلقات جمعية تحفيظ القرآن الكريم في مدينة تبوك منذ تأسيسها . – مؤلف (كتاب قضية الإيمان والكفر في ضوء الكتاب والسنة) رسالة ماجستير
– محقق (كتاب القضاء والقدر) للإمام الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى (رسالةدكتوراة) مطبوع في ثلاثة مجلدات في مكتبة الرشد في الرياض .
- محقق متعاون مع مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة . وحقق للمركز :
1- كتاب الدرة الثمينة في أخبار المدينة لابن النجار البغدادي . طباعة المركز.
2– وكتاب عرف الطيب في أخبار مكة ومدينة الحبيب لابن العاقولي = = .
3- مشارك في تحقيق ودراسة كتاب التحفة اللطيفة للإمام السخاوي . = = .
4- مشارك = = = = نصيحة المشاور وتعزية المجاور لابن فرحون
– ناشط ومحاضر في منتديات : (النادي الأدبي في المدينة المنورة ).
_ = = = = (رياض الصالحين ) منتدى الدكتور العامودي .
_ = = = = ( ومنتدى الشاعر خالد النعمان ) .
_ = = = = ( ومنتدى حي بئر عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه .