قصة حب في هذا الزمن الصعب

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

تذكرني هذه القصة ولها متشابهات كثيرة في عمق الحياة الاجتماعية والبشرية  الممتدة عبر الأزمان في تاريخ البشرية , ومع أن ظاهرة الحب بين شاب وفتاة تبقى علاقة طبيعية تذوب كل تلك القصص بآلامها وآهاتها عند الحبيبين , لتذوب في حركة تطور الحياة , ولكن الذي يخلد في ذاكرة البشرية وتنتقل عبر الأجيال المتتالية تلك القصص الغريبة والشاذة عن المعتاد , والتي منها ما شاع في الأدب العربي من قصص الحب العذري , ومسرحية روميو وجولييت , وهذه القصة المشهورة لمؤلفها الشاعر الانكليزي شكسبير , ترتسم ملامح القصة هذه مع تلك القصة والتي كانت نهايتها مأساة بموت الحبيبين , لكن قصتي هذه أرجو أن تنتهي بسعادة لكلا الحبيبين 

مجرمان في نظر بعضهما , النظام ومعارض النظام , وكل طرف يتربص بالآخر فهذا يقول نظامك غير دستوري خارج عن الشرعية , وذك يقول أنت مجرم حسب القانون , وكل فريق عنده الأدلة التي يدين فيها الآخر , ويحتاج الفريقان لحاكم والحاكم العادل قد دفن منذ عقود طويلة  , والحبيبان ينتظران القاضي لعله يخرج من قبره الذي دفن فيه , وتمضي الأيام بخطواتها مسرعة للأمام وتزداد ألام الحبيبين , ويشتد الموقف تصلباً من كلا الفريقين

مرحبا يا زوجتي الحبيبة

أهلا يا زوجي العزيز

الزوج : كيف حال الأولاد طمئنيني عنهم جميعا ؟

إن قلبي مشغول بمصطفى وأشعر بداخلي أنه محتاج لوجودي جنبه , فهو في عمر يحتاج فيه لاستشارة والده في كثير من الأمور

الزوجة : نعم إنه محتاج إليك كثيراً , إن قلبي يكاد ينفطر عليه من شدة الحزن والبؤس الذي يرتسم على وجهه , وتنهداته المتواصلة والتي تعبر عن هم عميق يحمله في داخله , ولكن لا أعرف كيف أستطيع التخفيف عنه

على كل حال عندما يأتي قولي له إن أباك يريد منك أن تتحدث إليه عبر الكمبيوتر

فهي الوسيلة الوحيدة للحديث بيننا منذ أكثر من ثمان سنين

لقد أصبح عمره الآن أربع وعشون سنة لعله يحلم بالزواج إنه يريد أن يكون له زوجة ويكون عائلة تتشابه مع أخلاقه الحميدة , شاب تحمل مسؤولية أمه وأخوته منذ أن كان عمره ستة عشرة سنة , خمسة بنات وصبيين والأم , وهم فراق الأب , في هذه الظروف التي تحيط فيه أثبت لنفسه ولمن حوله من أنه رجل بكل معنى الكلمة وهو في سن المراهقة ومازال على عطائه وجماله وصبره وحنانه

هذه الشخصية صنعت من قلبه وردة تملك كل ألوان الجمال تعشقها الفراشات من جميع الألوان تريد قطفها , تريد رحيقها العذب خالصة لها من بين كل الفراشات التي تدور حولها

السلام عليكم يا أبي وعليكم السلام يا بني

أهلا وسهلا لقد اشتقت إليك كثيرا , وتعرف مقدار حبي إليك يا بني , فلقد قالت لي أمك انك حزين جداً والهم يحيط فيك من كل جانب

فقال نعم يا أبي , فقلت له يا بني قل لي ما الذي ألم بك

لقد ربيت أبنائي على الرأي الحر للجميع , من هذا الرأي الحر تكونت عندهم شخصية طيبة بنين وبنات , في قلوبهم وعقولهم تكونت عندهم حب الوالدين والاحترام , لم أعمل أبدا على فرض رأي إلا بعد سماعي وجهة نظر الطرف الآخر وتبريره لموقفه , أتناقش معهم كصديق ويناقشونني كصديق , مع احترام المكانة للأب والرأي الأخير لقائد السفينة , وهنا كانت النتيجة الرائعة في أنه لا يوجد أسرار بين الوالدين والأبناء

قل لي يا بني صراحة لعلك قد وقعت في حب , هذا الحب الذي يشغل قلبك وعقلك ويجعلك في حالة من الحزن العميق والذي يلف قلبك وعقلك ليرتسم على وجهك الجميل والذي يعكر صفاءه المعهود

تنهد وتبعها عدد منها خرجت من أعماقه لتعيد لي الذكرى في يوم كان عمري فيه متقارب من قصص حب جعلت تلك التنهدات التي سمعتها تعود لهذه الشيبة مرة أخرى كما لو أنها تحل محل ولدي وتخرج تلك الآهات من داخلي أنا وليس من داخله هو

أخذ يسترسل وكأنه يتحدث لنفسه , وما يكتنف داخله من عواطف رقراقة كأنها شلالات نيفادا , والبخار المتصاعد من شلالات الماء , مع خيوط من قوس قزح ترتسم من أشعة الشمس التي تسير برقة بين قطرات الماء لترسم الألوان الجميلة

كانت مميزة عن كل الفتيات الموجودة معنا في الجامعة  , برقتها ودلالها وحسن خلقها , ليس فيها إلا من كل زهرة تخرج منها شذاها , ليس عندها من خشونة إلا كرقة الماء تجري في جدولها الصغير , لا تملك إلا قلب طفل بريء في عمره الصغير

فقاطعته وقلت له كفاك يا بني وصفا لحبيبتك

وهل تريد مني أن أحن لشبابي مرة أخرى للبحث عن الحب من جديد ؟

قل لي يا مصطفى , بما أنك تحبها كل هذا الحب وهي تبادلك بنفس الشعور وربما أعظم من ذلك

لما لا تذهب أنت وأمك وتطلبها من أهلها ؟

فقال يا أبي أنت المشكلة وليست هي ولا أهلها

عجبت من رده هذا في البداية ولكن عندما شرح لي الموقف بتفاصيله وجدت فيه جانباً من الحق في كلامه , أو كل الحق في كلامه من وجهة نظره هو , ولكن من خلالي لم أجد نفسي مخطئاً في ذلك

قد لا يعلم هو ما الذي في داخلي لكنه يحمل شعوراً ما : هذا الشعور يجعله في موقف يدفن مشاعره في داخله , ويكبس على حبه وجروح هذا الحب أطنانا من الملح حتى لا يشعر فيه ويبعد عواطفه عن التفكير في هذا الحب المستحيل , قد يشعر أن أباه هو ضد الطائفة التي تنتمي إليها حبيبته , وهذا الإحساس ينقله للطرف الآخر والخاص بأهل الفتاة , في أنهم ينظرون إلى أبيه على أنه عدو الطائفة لأنه من المعارضة والمحروم من وطنه وأهله وأولاده كل تلك السنين بسبب الكره للطائفة الحاكمة في سورية , ولو كانت عائلتها من الطبقات العادية في المجتمع السوري ربما كان شعوره عكس ذلك , ولكن تحمل العائلة مراكز قيادية عليا في منظومة الحكم الحالي

أكثر الناس الذين يشعرون بآلام المظلومين هم الذين ذاقوا طعم الظلم والعذاب والسوء والقسوة في معاملة الظالمين لهم , فلو كان الحاكم الظالم والمستبد من طائفة الحبيب وأبيه , وكان الأب معارضا للنظام كما هو الحال الآن , فالإنسان العاقل يجب أن يحاسب نفسه أولا قبل محاسبة الآخرين

فهل تحمل طائفته كلها شر هذا الظلم ؟

لأن أي حاكم ظالم مستبد سوف يستعين بالأقربين , وهذا يعني أن أي ظالم هو المسئول عن ظلمه وليست طائفته أو عشيرته , هذا الكلام من السهل أن أقنع ابني فيه وبطريقة عملية جداً , في أنني مستعد أن أخطبها لبني فورا , ولكن ليس من السهل إقناع الطرف الآخر بذلك

وبالفعل قلت له هل تعطيني رقم تلفونها أو عنوان بريدها الالكتروني حتى أطلب يدها لأجلك  ؟

فقال أرجوك يا أبي لا يمكنني ذلك

قلبي يؤلمني عليها ويؤلمني عليه , عرفا الحب في الزمن الصعب واختارا قلباهما النابضين بالحياة والأمل والمستقبل , ولكنهما لم يختارا شيء إلا أن يعيشا حياة الفراق والألم والعذاب , فالشعب لا يعرف الطائفية ولكن الأنظمة القمعية هي التي تصنعها وتقتل الحياة وتقتل الأمل وتقتل الحب.