مفاهيم تربوية في فقه الدعوة الإسلامية 33
مفاهيم تربوية في فقه الدعوة الإسلامية
(33 من 60)
د. موسى الإبراهيم
[email protected]
ثامناً: هل يكفي البكاء على الماضي واجترار المآسي والأحزان؟
إن من سنن الله في كونه استمرار الصراع بين الحق والباطل حتى
يرث الله الأرض ومن عليها، ومن سننه سبحانه وتعالى تداول الأيام بين الناس.
قال الله تعالى:{وتلك الأيام نداولها بين الناس}([1]).
والحرب في صفحات التاريخ سجال، وقد قيل للحق أين كنت يوم صولة
الباطل؟ قال: كنت أجتث جذوره.
فالمسلم الفطن والداعية الواعي والمؤمن الواثق بالله تعالى لا
ترهبه نكبات الأيام ولا تعصف به رياح الباطل ولا يستسلم لهوانٍ لحق به لسبب أو
لآخر. بل إنه يقف بعد هزيمته ـ إن هزم ـ ليحاسب نفسه ويستلهم الدروس والعبر بعين
البصيرة والرشد، ينصح نفسه وإخوانه، ولا يغش ضميره بتبرير الأخطاء والدفاع عن
الزلات لأن الرائد لا يكذب أهله فكيف يكذب على نفسه ويعللها بالأوهام ويتستر على
الحقائق المرة انتصاراً لهواه؟؟؟
نعم شأن المسلم الصادق تأمل واعتبار واستعداد للنهوض بعد
الكبوات واستجماع للقوى بعد الشتات.
أما الفاشل الجبان فهو الذي يمضي دهره بكاء ونواحاً على الماضي
يجتر مآسييه وأحزانه وتغلق دونه أبواب الأمل ومنافذ الرجاء، ويتقوقع على نفسه دائم
الكآبة مستسلماً لليأس والقنوط ولا ييأس من روح الله إلا القوم الخاسرون.
ورحمه الله شاعر الإسلام محمد إقبال عندما يقول:
المؤمـن الوثـاب تعصمه من الـهـول السكينة
والخائف الهياب. يغرق وهو في قلب السفينة
فإلى الميادين العمل والعطاء أيها الإخوان فما زال في القوس
منزع. ولنا الله آمال كبيرة فلا تميتوها بالجزع واجتراء المآسي والأحزان. والله
غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
([1]) سورة آل عمران الآية 140.