صراع الإرادات بين الشعوب والأنظمة
إبراهيم مهدي الفاخر
نهضت الشعوب في إيران و خرجت إلى الشوراع و اعتصمت في الميادين الكبار عقب الانتخابات الرئاسية عام 2009 م و لكنها لم تحقق ما ترنو إليه و أصبح ذلك التاريخ ذكرى تنفس من خلالها بعض أجنحة النظام عن غضبها و سخطها تجاه سياسية الجناح الحاكم. و في طرف آخر من المنطقة، تونس و مصر انتفض الشعب العربي و خرج إلى الشوارع و اعتصم فحقق ما يريد كمطالب جوهرية و أولية. لماذا نجحت الإرادة الشعبية في تونس و مصر و لم تنجح في إيران حتى الآن، هذا ما يسأله الكثير من المهتمين بشؤون المنطقة و استقرارها باعتبار الأحداث في كل من البلدان سالفة الذكر هي متشابهة.
يرى البعض من المحللين السياسيين، قد تشترك شكلا و مظهرا أحداث تونس و مصر مع الأحداث التي وقعت في إيران بُعيد الانتخابات الرئاسية عام 2009 م، و لكنها تختلف عن البعض جوهرا و مضمونا. فهم يرون المطالب التي رفعها المتظاهر العربي هي مطالب واسعة شملت تغيير الوضع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الإعلامي و غيرها من المطالب المشروعة الأخرى. لكن المتظاهر الإيراني رفع بعض المطالب أهمها إعادة الانتخابات الرئاسية المزورة من جديد و إطلاق بعض الحريات. المواطن العربي ثار ضد مجمل مظاهر الظلم و الفساد و لكن المواطن الإيراني اعترض فقط على بعض هذه المظاهر في البلاد.
أهداف و شعارات المظاهرات العربية واضحة و محددة و لكن الأهداف و الشعارات التي رُفعت في المظاهرات الإيرانية غير واضحة فهي إما دائما تكون ضبابية و إما مطاطية قابلة للتأويل و التفسير، اللهم إلا مطلب إعادة انتخابات الرئاسية. لذلك الغالبية العظمى من المواطنين في إيران لم يلتفوا حول المتظاهرين و قادتهم بسبب الالتباس و الغموض الموجود في أهداف و شعارات المظاهرات.
المتظاهر العربي دعا إلى تغيير كل الحياة السياسية و رموزها في البلاد و لكن المتظاهر الايراني تحت قيادة موسوى و كروبي دعا إلى تغيير بعض مناحي الحياة السياسية مع الحفاظ على الخطوط العريضة للنظام و ايدلوجيته . لذلك الاحتجاجات في إيران لم ترتق إلى مستوى الثورة باعتبارها تدعو للإصلاح و التغييرفقط و في بعض الأحيان تدعو إلى إعادة النظام إلى بداية عهده أي عهد الخوميني.
إن النظامين المصري و التونسي لم يستخدما أو لم ينجحا في استخدام الجيش ضد المتظاهرين و المحتجين لقمعهم. ولكن النظام الفارسي في إيران استخدم قوات الحرس الثوري ضد المتظاهرين و المحتجين لأن القوة العسكرية التي يملكها الحرس الثوري تفوق قوة الجيش الإيراني بالمرات. إذن المظاهرات في إيران قُمعت بقسوة مقارنة بمثيلاتها التي وقعت في تونس و مصر، و واجه المتظاهر الإيراني عنف مضاعف مقارنة بالمتظاهر العربي.
تفتقد المظاهرات في مصر و تونس للقادة من الدرجة الأولى لذلك بات من الصعب على الأنظمة التفاوض مع المتظاهرين و التعامل معهم و أيضا بات من الصعب عليهم توظيف أسلوب القمع ضدهم باعتبارأنهم لا يستطيعون قتل أو اعتقال جميع المتظاهرين في ظل الظروف الحالية. و لكن المظاهرات والاحتجاجات الإيرانية كانت و مازالت تمتلك قادة رئسيين و هذا سهل المهمة على النظام الفارسي حتى يقضي عليها و يحجم من تحركاتها، بخسائر أقل من أمثاله في مصر و تونس.
المظاهرات في مصر و تونس انتشرت في كافة المدن و المحافظات مما عقّد الوضع على القوات الأمنية والمسؤولين السياسيين أثناء التعامل معها، لتطويقها و الالتفاف على مطالبها، و لكن في إيران الوضع يختلف تماما لأن غالبية المدن و الأقاليم لم تنهض أو أنها لم تشارك بالطريقة المطلوبة باعتبار هذه المناطق مأهولة بسكان من قوميات غير فارسية و معظمهم يعتبرون مطالب المعارضة الإيرانية (الحركة الخضراء) هي مطالب فارسية لا تُعبر عن طموحاتهم و تطلعاتهم و أيضا يعتبرون هذه الأحداث نتيجة الصراع القائم على السلطة بين أبناء النظام الواحد.
في تعاطى النظامين المصري و التونسي مع الوضع المتأزم و المظاهرات،كان هناك نوع من الاهتمام برأي الدول الغربية، آخذين بعين الاعتبار مطالباتهم في حق الشعوب في التعبير و الاحتجاج و التظاهر من أجل الحفاظ على قدر من السمعة الحسنة لدى الغرب مما أدى إلى إفلات الأمور من إيديهم و سبب في بقاء المبادرة بيد المتظاهر العربي و أصبحت الأنظمة في محل مفعول به، و لكن في إيران إن الوضع على العكس تماما حيث النظام الفارسي مارق على القوانين و الأعراف الدولية و سمعته ملوثة بما فيه الكفاية فلم يتوان باتخاذ القرارت القمعية ضد المتظاهر فضرب بيد من حديد منذ البداية و قضى نسبيا على الحركة و شل تحركاتها قبل أن تأخذ زخمها الحقيقي.
الاقتصاد المصري و التونسي لم يسعف الأنظمة الحاكمة في مواجهة التحديات أثناء المظاهرات، فهبطت البورصة إلى أنزل مستوياتها و أنخفض الدخل المحلي و أصيب الاقتصاد بالشلل لذلك لم تستطع الأنظمة من الاستمرار في وضعها دون تقديم تنازلات. و لكن الاقتصاد الإيراني بسبب اعتماده بالدرجة الأولى على البترول أسعف النظام الإيراني في مواجهة تلك التحديات و مازال يسعفه رغم الصعوبات الجمة التي يواجهها.
لعب الاعلام الإقليمي و الدولي دورا أساسيا في تذكية الصراع بين الشعب العربي و أنظمته(المصري و التونسي) و في بعض الأحيان فقد مهنيته و حياديته و لكن في الحالة الإيرانية لم يؤد واجبه الإعلامي بالصورة الصحيحة تجاه الأحداث الدموية في إيران بل في الكثير من الأحيان التزمت الصمت بعض وسائل الإعلام تجاه هذه الأحداث إرضاء للنظام الثيوقراطي و كسبا لوده أو خوفا من قمعه.
قد تكون فعلا هذه نهاية النظامين المصري و التونسي بادرة خير لدخول المنطقة في مرحلة جديدة أفضل بكثير من المراحل السابقة التي مرت بها المنطقة العربية. و قد تنتهي احتجاجات الحركة الخضراء في إيران دون إنجاز يذكر، و لكن يجب علينا أن ننتظر فمازلت الثورة في تونس و مصر لم تنجزا ما ترنوان إليه و مازال الطريق طويلا و شاقا أمامهما. و أيضا مازال النظام الإيراني مستمرا في طريقه الوعر و المظلم في صراعه مع الشعوب المحتلة و شعبه المضطهد ولايزال لم يأخذ بعين الإعتبار الحقوق و المطالب الجوهرية لهذه الشعوب. فهكذا يبقى الصراع مستمرا بين الخير و الشر، بين القوى الديمقراطية و التحررية و القوى الاستبدادية و العنصرية، إذن هذه الحالة الجدلية و الصراع بين الأضداد قد لا ينتهي بفترة قصيرة ولا بد للمتابع أن يتحلى بكثير من الصبر لكي يتسنى له رؤية نهاية هذا الصراع المرير كما يجب عليه أن يدرس كل حالة بمعزل عن الحالات الأخرى كي لايخطئ في تحليله و استنتاجاته.