العلمانيون وثورات الشعوب العربية
محمود المنير
مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت
لعقود طويلة مضت والأنظمة العربية ظلت تتبنى الاتجاه العلماني وتدعم الفكر الليبرالي ورموزه على حساب التيار الإسلامي المعتدل والمتجذر بطبيعته فى فطرة الشعوب العربية بدعوى اللحاق بركب الحضارة الغربية ، والتشدق المستمر بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والانفتاح على الاقتصاد الغربي والترويج لخليط غير متناغم من الثقافات مع جذورنا العربية والحضارية المستنيرة ، والدعوة المستمرة لتقليد النموذج الغربي بكل ما فيه من غث وثمين واتهام كل من يدعو للتمسك بالإسلام والهوية الإسلامية والعربية الأصلية بالتخلف والرجعية والعودة إلى العهود الظلامية وغيرها من الألفاظ والمصطلحات البراقة والمستوردة هي الأخرى من مخلفات الفكر العلماني فى الغرب!!
حصاد العلمانية فى المنطقة !!
وعلى مدار أكثر من أربعين عاما من تصدر العلمانيين للمشهد العام فى الأنظمة العربية فى كافة القطاعات والمؤسسات من اقتصاد وسياسة وثقافة وتعليم لم تنعم فيها الشعوب العربية بالحريات المزعومة التي داسها الغرب العلماني وينتهكها كل يوم ويغض الطرف عنها فى دولنا الإسلامية و العربية على مدار العشر سنوات الماضية بكل وضوح !!
ولم تتقدم الأمة بالنظريات العلمانية والليبرالية التي صدعونا بها على مدار أربعين عاما وأكثر ، بل عاشت الشعوب العربية عهودا ظلامية من الخبل الفكري والتخبط والحكم الدكتاتوري البغيض الذي نشر ثقافة ذوبان الهوية والانحلال واتسمت عهوده بنهب المال العام وثروات البلاد والعباد وكبت الحريات وتدمير الاقتصاد ولم يحقق عباقرة العلمانية فى بلادنا خطوة واحدة فى مسار التنمية فى دولنا العربية بل رجعوا بالأمة إلى التخلف فى كل المجالات والتشرذم على مستوى العلاقات ، والمؤشرات تحدثنا عن الأرقام المفزعة التي قدمها لنا العلمانيون فى كل المجالات من البطالة والانحدار المدوي فى مدركات الشفافية وارتفاع معدلات ومؤشرات الفساد وكل هذه الخيبات المتوالية تمت بفضل القيادات العلمانية التي حكمت الدول العربية طيلة عقود الماضية ومازالت حتى تربعت دولنا على سلم الدول الفاشلة وفق المعايير الدولية .
فهل ما وصلنا إليه من أوضاع متردية على كل المستويات حدث تحت قيادة الإسلاميين الذين تم إقصائهم من المشهد برمته أم تحت قيادة العلمانيين الذين تسيدوا الأنظمة فى دولنا العربية ؟!!
من كان يحكمنا العلمانية أم الإسلام ؟!
فعلى مدار أكثر من أربعين عاما وهم يرجون لأنفسهم زورا وبهتانا بوضع الشعوب أمام خيارين اثنين إما العلمانية والغرب أو الإسلاميين والرجعية والعهود الظلامية ، وكانوا هم النموذج الصارخ للتخلف والرجعية وإهدار كرامة الإنسان ونهب ثروات البلاد، ليس هذا فحسب بل حرصوا على اقتلاع الأمة من جذورها الإسلامية الوسطية ووصفوا الإسلام بالإرهاب والتطرف والرجعية !!
والسؤال ألم تكن هذه الأنظمة التي تحكم ومازالت كلها علمانية وليبرالية فماذا حققت للأمة سوى التخلف والرجعية والفقر والبطالة والتبعية والقمع وإهدار حقوق وكرامة المواطنين.
فلول العلمانية وخلط الأوراق !!
واليوم وعندما لفظت بعض الشعوب العربية هذه القيادات العفنة من فلول النظام العلماني الفاشل الذي فاحت من رؤوس رموزه رائحة الفساد فى جميع الدول العربية ويحاكم بعضهم اليوم بنهب أموال شعوبهم وتدمير مقدراته وإثارة الفوضى من أجل البقاء فى السلطة ، صرخ العلمانيون وهبوا ..أدركوا الشعوب والثورة من الإسلاميين فى محاولة جديدة للكذب والتدليس على الأمة وتصوير التيارات الإسلامية المعتدلة بالفزاعة والطوفان القادم وراحوا يخلطون الأوراق بالربط بينهم وبين ثورة الخميني وولاية الفقيه فى إيران !!
ألم يكن من الإنصاف أن يتخلوا عن الكذب والخلط والتدليس ويتركوا الشعوب تختار فلقد فرضت علينا العلمانية برموزها المتخلفة التي استوردت لنا حثالة الأفكار من الغرب وقادوا الأمة لأكثر من أربعين عاما وأكثر لم نحصد فيها سوى الانهيار والخراب .
اتركوا الشعوب تختار ..
ألم من الأجدر والمستحق على العلمانيين والمرتزقة من حملة مباخر الأنظمة المنهارة والأخرى المتداعية للانهيار الكف عن هذا الصراخ والانسحاب من حياة الشعوب التي هتفت فى ميدان التحرير بمصر فى جمعة النصر " الشعب يريد تطهير البلاد " !!
اتركوا الشعوب تنعم بما تختار فلقد اختارت التوسط والاعتدال ، وهذه الفزاعة المزعومة بوصف الإسلام الوسطى المعتدل بالتطرف لا توجد سوى فى خيالكم المريض من أجل البقاء فى السلطة .. فلا نحن نريد العلمانية الفاسدة ولا نريد إسلام الملالى فى إيران .. والشعوب بدأت تلفظ زبد وغثاء العلمانية الذي سيذهب جفاء فى كل مكان .
فالشعب يريد حياة مدنية كريمة عنوانها الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وهذا ما ينادى به الإسلام الوسطى المعتدل فى كل مكان .
في السياق : مفارقة عجيبة !!
من المفارقات الغريبة ما قاله الكاتب البريطانى روبرت فيسك في مقاله أمس الأحد بصحيفة الإندبندنت، عن الثورات التي تشهدها المنطقة العربية في الآونة الأخيرة، ولا تزال، ويؤكد على أنها ثورات علمانية ولا دخل للدين فيها.
فمن نصدق العلمانيين الذين يريدون تشويه الثورة وإخافة الشعوب من الإسلاميين الذين شاركوا فيها كجزء أصيل من نسيج الأمة أم نصدق العلمانيين الذين يريدون أن يسرقونها ويركبون الموجة ويتلونون من جديد ليظلوا في المشهد العام بدلا من مزبلة التاريخ ؟!!