فن الثورة والعصا السحرية للتغيير

د. عصام مرتجى- غزة

[email protected]

"لن يكون لدينا ما نحيا من أجله , إلا إذا كنا على استعداد للموت من أجله .. يجب أنْ نبدأ العيْش بطريقة لها معنى الآن" .

 كلماتٌ لخص فيها الثائر الأممي إرنستو تشي جيفارا خلاصة تفكير ونهج وطريقة الثائرين في التغيير ورغبتهم في الحياة،فالثوار لهم وجهٌ واحد في كل مكان وفي كل العصور.

الثوار حالمون كالشعراء، مبدعون كالسحرة، يخلقون لك الممكن من المستحيل، بشكل يجعلك تعشق مجالستهم، وتصبح مريدا يعشق حضرتهم، يعبرون في حُلمك كشيخ صوفي يأخذ بيدك وتمشي معه فوق الماء، تعبر جنات ٍ وجنات، وتجالس معهم الحور والأنبياء....وتذوق العسل الإلهي يتقاطر عليك من السماء... ...

فإذا صحوت من حضرتهم ، تحن للرجوع للطواف حولهم، كأنك أحد الحواريين الباحثين عن طريق الخلاص والنجاة بخطى نعالهم. كلماتهم تسكن وجدانك، أحلامهم تنبت في جنبيك جوانح ، تأخذك لوطنك الذي تحلم به ولا تجده إلا في عيونهم. 

لكن ليتهم يبقون معنا وبيننا يسردون أمانيهم ويقصّون علينا أحلامهم، ونبقى نحلم معهم حتى نعيش كما نحب أو نموت كما نهوى.

مشكلة الثوار أنهم يموتون على طريقتهم، فهم الذين يحددون ساعة صفرهم، وهم الذين يحددون شكل النهاية لحياتهم على طريقتهم، ويتركونا في الميدان........

رحمك الله أبا عمار أسقطوا غصن الزيتون من يدك ....... وأورثتنا همّ البندقية ورحلت كما تمنيت باختيارك لا باختيارهم !!

 ولا يزال أتباع الثوارعلى الطريق، وأحلام النهاية لا توجد عصا سحرية  لترسمها وتجسدها !!!؟؟

" ليس لنا عصا سحرية  أو رصيد كاف من المدخرات " .... كلمات خرج بها الوزير الأول للحكومة التونسية على جمهور  الثائرين التونسيين الطامحين للتغيير، بعد أن تمكنت ثورتهم من طرد الرئيس زين العابدين ولا زال قطرات المطر الأسود من أنفاس البوعزيزي تهطل على كل الوطن العربي.

كل الشعوب المسحوقة التي يمضغها الفقر والحرمان والاستبداد تطمح للتغيير، تتمنى أن يشرق صباح الحرية فلا يروا من سجنهم وعذبهم واقتلع فلذات أكبادهم أمام عيونهم .

الكل يغار على بلده كما يغار على عرضه، والكل يحب أن يكون خير البلاد لأبنائها وتطرد أعدائها من بين صفوفها.

لكننا مصدومون مع الجماهير الثائرة بالحقيقة المرة ....  ثورة يفجرها ثائر حالم ، ويمتطي صهوتها الجبناء.

تُرى لو قام من يمتطي صهوة الثورة المصرية بأخذ الجماهير لتدمير السفارة الإسرائيلية وطرد السفير الإسرائيليين من مصر، هل ستظل الإدارة الأمريكية تدعم التغير ... والتغيير الآن كما يطلب ويغني على مسامعنا مباشرة رئيسهم الأسمراني  "الآن يعني الآن "  !!؟؟ 

اظن ان على جماهير الثورة في الميدان أن تغني حينها "آه يا أسمراني اللون حبيبي يا أسمراني" !!!!

ترى لو رفع الثائرون شعار لتسقط اتفاقية كامب ديفيد، أو رددوا الهتاف الهزلي الذي أضحك العرب على أنفسهم سنوات وسنوات  في أفلام الممثل المصري عادل إمام "مش هنسلم مش هنبيع مش هنوافق ع التطبيع" ،  "يا أنا يا السفارة في قلب العمارة " .......  (طبعا السفارة الإسرائيلية) ....

تُرى لو كان كذلك، هل ستكون الإدارة الأمريكية بهذه الوقاحة في الرغبة بنقل السلطة لغير الرئيس مبارك ، عاجل غير آجل ؟؟!!

ولو كان الحال بهذه الطريقة، هل كانت قناة الجزيرة ستغطي هذه الفعاليات كما غطت بطريقتها الخاصة كلمة الرئيس مبارك بالأمس؟؟!!!  وهل كانت لتسلط  الضوء على هذه الشعارات كما  سلطت الكاميرا على نعل أحد المتظاهرين فور انتهاء كلمة الرئيس مبارك، وأصدرت حكمها بمجرد أن ختم كلمته بِ (المتظاهرون يرفضون كلمة مبارك) ؟؟؟!!!

ألف سؤال وسؤال يحوم حول من امتطى ثورة الشباب الطامح للحياة وللتغيير، ليتحكم في  وجهة البوصلة للثورات الإنترنتية في العصر الجديد، وصار يوجه الأهداف العليا للثوار الفيسبوكيون !!! ومليون سؤال يدور عمن يملك الإعلام ؟؟ ومن يسيره ؟؟؟ ومن الذي يوجهه؟؟!!

فالثورة في صدور الثائرين، كالحور البكر على فرس أبيها تبحر في طريق ٍ موحش. فإذا نضجت ونفضت نهداها واحمرت خداها ...........طمع فيها لصوص الثورات وقطاع الطرق على المفترقات !!

ويبقى السؤال المُر: هل بعد رحيل كل زعيم، سيخرج على الناس الحكام الجدد ليخبروهم ........ أن لا عصا سحرية للتغيير!!! ؟؟

أعود وأقول ، الثورة كالسحر ، تمنحك الوعي وتخلق فيك  الممكن من اللاممكن، وتمنحك الأمل من قاع المستحيل، ولكن لا بد للسحر من ساحر ماهر ، فليس كل من امتلك العصا السحرية للثورة  صار ساحر مبدع ومنجز.

وما دمنا في فن الثورة والسحر والتغيير، لا ضير من أن أذكّر بأقدم رواية إنسانية تاريخية للكاتب اللاتيني الأمازيغي - لوكيوس أبوليوس :

يحكى في الحكايات القديمة أن شاب ، يدعى لوكيوس ، سمع من أحد ما عن حكاية مثيرة عن الأعمال السحرية ، حركت فضوله.   وفي يوم من الأيام ألح على خادمة الساحرة، فقادته إلى مكان خفي ، استطاعا منه أن يلاحظا معا كيف أخذت الساحرة مرهما من إحدى العلب و دهنت به جسمها ، فتحولت إلى بومة و طارت مبتعدة عن بيتها. عندها ملك الفضول عليه نفسه، فرغب أن يعيش هو نفسه تجربة التحول . فألح على الخادمة أن تستجيب لرغبته ، فلم تمانع في ذلك ، و حين أحضرت له المرهم المطلوب ، أخطأت في تناول العلبة المناسبة ، فكانت نتيجة ذلك أن تحول لوكيوس بعد دهن جسده به إلى حمار . و راح يشاهد نفسه كيف أخذت تبرز في جسمه كل أعضاء الحمار و كيف أخذ يتصف بجميع صفاته الظاهرة باستثناء عقله ، الذي ظل عقل إنسان و ظل طوال القصة يمر من مأساة لأخرى و من مهانة  إلى أخرى .

وبقي في ذل و جوع و مهانة حتى انهار، و تضرع للإله ليرحمه و يعيد له بشريته فرحمه فعاد إنسانا وظل كاهناً طوال حياته في المعبد ... لا يطلب التغيير.

 مسكين لوكيوس ماذا يضيره لو قصد الساحرة بدلاً من خادمتها..... فبدل أن يُحَلق صار يُنَهق.