هي كالحضارة

سعيدة ح بوطاهر

العلاقات الإنسانية كما الحضارة بل هي أشبه بالحياة ..تخلق ثم تكبر وتكبر.. تنجح فتبقى صامدة أمام الأعاصير والرياح وقد تموت وتتلاشى فجأة، نعم إنها كالثر يا إن تألقت وكالصوت الحزين إن ذبلت..

تتنوع وتختلف باختلاف الأشخاص والأفكار فربما قد يحكمها الإيخاء والتواد وربما قد يحكمها الطمع و الجشع فتنتهي حتما فالناس معادن كما يقول المثل وقد يقل المعدن الذي نبحث أو نمثله.

 من منا لم يبحث عن صديق يؤنسه ويخفف عنه الأحزان والآلام ؟من منا لم يرغب في إيداع سره لأعز الناس ؟من منا من ضاقت به الدنيا ولم يلجأ لشخص يبث إليه شكواه ؟

 قد نختلف فيمن نلجأ ولكن لا نختلف فيما نريد ، فكم من إنسان اختار الله الأوحد مؤنسا وحمى يلوذ إليه دون غيره فعاش كتوما طوال الأبد ، وكم من إنسان اختار أخاه الإنسان رفيقا وصديقا لصدقه..فدامت صداقتهما إلى الأبد وكم من صديق إنسان انهارت صداقته فجأة لمجرد كلمة جارحة أو سر خرج للوجود أو وسوسة دبت في جسم الأحبة فعصفت بها كما تعصف الريح بالرمال فتفتتها هباء منثورا..

 ولكني أعتقد أن الإنسان قادر على الصمود حتى النهاية فقد وهب قدرة على ذلك، لولاها ما كان له أن يجابه الحياة بتلويناتها ..بل أكثر من ذلك قادر على تخطي العقبات وتصييرها مادة طيعة تقويه ما دامت لم تقض عليه.. وقليل من يفعل ذلك.

 إن العلاقات الإنسانية جزء من الإنسان وبه تنضج شخصيته وتكتمل، وبه أيضا تنقضي وتذبل هي كالحضارة تولد فجأة وتنمو فتكبر ثم تصل للأوج وتعود للانحدار وربما تموت وتبقى في ذاكرة النسيان ، وكما قلت سابقا تتألق إذا صفت النفوس وبعدت عن السفا سف واصطبغت بلغة الحب والوفاء واستمدت روح الاستمرارية من كل شيء جميل في الطبيعة يتنفس الحياة..

 لقد عشت تجارب إنسانية راقية ما تزال إلى الآن ما يضفي عليها هذا الطابع الوجودي لأنها بنيت على الحب في الله، وهذا هو الرائع والأجمل ،وحتى تضمن هذا الاستمرار فإن المعاني التي تكتنفها هي الدفقة التي تضخ الحياة كلما على الفتور في العلاقة وقلما يقع ذلك، وبالموازاة فقد عشت علاقات ظننتها أنها ستدوم إلى الأبد ، فإذا بها تسقط كورق الخريف لتأخذها الريح إلى غير رجعة.. والأقسى أنها تنتهي في مرحلة النضج الفكري عندما تنفتح الأبواب على مصراعيها وتغدق علينا الأيام بالمال الحلال بعد سنوات من الكدح بحثا عن الوظيفة .

صدق من قال إن للكرسي لسكرات ولكني أقول إن للصداقات لمنعطفات قد تكون وجهتها إلى الأفق الجميل وغالبا ما تنحدر بسبب المال و ا لأجرة...

إن الزواج والبعد الجغرافي والغربة والمال عقبات موضوعية في طريق النجاح مع الأصدقاء قد تضفي نكهة خاصة في العلاقة فيصارع أطرافها الزمن لتقتنصا وقتا ذهبيا يعيدان فيه ترتيب الأوراق وأحيانا أخرى يغرقان في رسم الأحلام فلا يتحقق شيء منها إلا لماما ..

 كم هي جميلة هذه الحياة إذا عرفنا أن وترها يستحق التعبير عنه بلغة الحب والوفاء وإذا عجزنا عن ذلك، فليكن إخفاقنا كبوة ليس إلا، نتجاوزها من أجل علاقات سرمدية مميزة!.