مفاهيم تربوية في فقه الدعوة الإسلامية 32
مفاهيم تربوية في فقه الدعوة الإسلامية
32 من 60
د. موسى الإبراهيم
سابعاً: دعوتنا بين الأمس واليوم.
بالأمس القريب كنا نعيش مع دعوتنا الإسلامية حياة ملؤها الأمل والتفاؤل، وعنوانها الحركة الدائبة والنشاط الذي لا يعرف الملل ولا اليأس ولا الفتور.
كنا يومها ـ ونحن في بلدنا الحبيب ـ نشعر بحياة قلوبنا ويقظة مشاعرنا ووجداننا ونحس ونتفاعل مع حدث الساعة بل نصنعه ونوجهه في كثير من الأحيان.
كنا نرى أعداء الدعوة الإسلامية فنزداد اعتزازاً بدعوتنا وحباً لها وهياماً بعقبات الطريق التي تمحص الرجال وتكشف الزيف والدخل.
كنا نشتاق إلى إخواننا في الدعوة إذا فرقت بيننا بضع ساعات من ليل أو نهار، ونحس بالراحة والسعادة عند اللقاء بعد الفراق القصير.
كنا نقدم لدعوتنا أثمن الأوقات ونضحي في سبيلها بأعز ما نملك وكم من إخوة عاشوا حياة القلق والضيق والحرمان جراء تمسكهم بحق الدعوة وواجباتها، وهم مع هذا في غاية السعادة النفسية لشعورهم بأن ما هم فيه من حال يرضى عنها الله تعالى، وان حالتهم تلك هي ضريبة العزة الإسلامية وثمن القدوة للجيل الذي نعلمه الإسلام والدعوة الصادقة إليه.
كنا نشعر أن رابطة الأخوة التي اجتمعنا عليها هي أقوى وأمتن من روابط الدم والقرابة والنسب المجردة. وكانت الأدلة العملية على صدق هذه المشاعر تملأ حياة الإخوان اليومية، وكم كان أعداؤنا تتميز قلوبهم غيظاً وحقداً على تآلفنا وتحاببنا وتعاوننا في مختلف ميادين الحياة.
كنا نقدر الكبير فينا أبلغ التقدير وأوفاه. ونشعر بأننا امتداد لجهود إخواننا الذين سبقونا بالإيمان وفي الدعوة الإسلامية، وأن لهم علينا حقوقاً أشبه بالدين الذي نعجز عن سداده فندعو الله لهم أن يجزيهم عنا خيراً.
كنا نحب إخواننا من قلوبنا ونبحث عن خدمتم وقضاء حوائجهم ونهتم بشؤونهم ومشاكلهم ونسعد بتقديم أي عون لأي أخ حبيب وكلنا شعور بأن هذا أدنى درجات الأخوة وأقل الواجبات على الأخ لإخوانه . وما كان يخطر ببال أحد أنه قدم خدمة لأخيه ليجعله مديناً له وينتظر منه الوفاء ورد الدين بشكل أو بآخر.
كنا نلتقي مع إخواننا لنبني الحياة الإسلامية في المجتمع ونتعاون على ذلك ونتوازع المهمات والأدوار ويبصّر بعضنا بعضاً بعقبات الطريق وسبل تذليلها، كل هذا بروح الجد وإرادة التغيير الصادق إلى الأحسن.
كانت أوقاتنا مليئة بالمهمات والواجبات وما كان الفراغ يعرف طريقاً إلى نفوسنا أو حياتنا اليومية.
كانت حياتنا العلمية والفكرية في تجدد دائم وكنا نرصد أي جديد على الساحة من روافد الثقافة الإسلامية المختلفة فنستفيد منها ونشيعها بين إخواننا ونحذر من السقطات التي قد يقع فيها بعض الكتّاب والعاملين في هذا الميدان الخصب.
كنا نغتنم أي مناسبة لتوجيهها حسبما يخدم دعوتنا وفكرتنا الإسلامية بل كنا نصنع المناسبات في كثير من الأحيان لنبلغ أهدافنا ومبادئنا من خلالها. وكان التوفيق والسداد من الله تعالى مصاحباً لإخواننا دائماً والحمد لله.
تلك بعض المعالم البارزة التي كانت تصبغ حياتنا الإسلامية والدعوية بالأمس القريب مع إخوة الدرب الأوفياء الصادقين.
فما هي حالنا اليوم؟
وهل نتابع المسيرة بتقدم الخطا واتساع الآفاق وارتفاع المقاصد؟
أم أننا تقهقرنا وتغيرت أحوالنا وتراجعت خطانا إلى الوراء؟
إنها ذكريات وتأملات لعلها تحفزنا إلى الأمل والعمل والمؤمن فضلاً عن الداعية لا يركن لليأس. ولا يعرف القنوط ولا الفتور لنفسه سبيلاً.
اللهم وفقنا لصالح الأعمال وارزقنا الإخلاص والرشد والسداد يا رب العالمين.