التنبيه(65)

من أساليب التربية في القرآن الكريم

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

يكون التنبيه إلى أمر ما لأسباب عدّة منها :

أ ـ جذب الاهتمام به لشرفه ورفعة شأنه وتعظيمه .

ب ـ الاستعداد لفهمه ومعرفته ، والتأهب له ومقارنته بضده .

جـ ـ أن لا يضيع شيء مما يكون منه ، فلا يُضطر قائله إلى الإعادة .

د ـ تفطين الغافلين للشيء ، ووقفهم عليه ، والتفكير فيه .

 والقرآن الكريم أنزله الله تعالى على نبيّه الكريم ليقرأه على الناس ، مبشراً ونذيراً فهو
ـ القرآن الكريم ـ رسالة إلى الخلق من ربهم ليتفكروا فيه ، ويعملوا به ، فلا بدَّ أن يكون التنبيه متواتراً متلاحقاً بأساليب وطرق متعددة ، منها :

 1 ـ الاستفهام بـ ((هل أتاك)) : كقوله تعالى : (( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)؟ ))(1) وليس الرسول الكريم عارفاً بهذا الحديث ، ولا السامعون ، فلِمَ كان هذا الاستفهام ؟! إنه لتعظيم خطره والتنويه إلى أهميته ، فيُصاخ السمعُ ، وتتأهبُ النفسُ مستعدّة لتلقّيه .

 ومثاله كذلك : (( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) ))(2) والرسول الكريم لا يعرف قصّة الملائكة الثلاثة الكرام : جبريل وميكال وإسرافيل مع سيدنا ابراهيم عليه السلام ، فهذا الاستفهام ليس للتذكير إنما لجلب الانتباه والتركيز فيما يأتي من خبر .

 وعلى هذا المنوال نفهم قوله تعالى :

أ ـ (( هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) ؟ ))(3) .

ب ـ وقوله سبحانه (( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) ؟ ))(4) ،

جـ ـ وقوله :(( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) ؟ ))(5) .

 2 ـ الاستفهام بـ " أرأيتَ ،أرأيتم " : وذلك للتفكير والتدبر والمقارنة دون الحاجة إلى الإجابة اللفظيّة ،

كقوله تعالى : (( أرأيت من اتخذ إلهه هواه ، أفأنت تكون عليه وكيلاً؟ ))الآية 3 من سورة الفرقان .

وكقوله تعالى : (( أفرأيت الذي تولّى وأعطى قليلاً وأكدى )) الآية 33 من سورة النجم .

وكقوله تعالى (( أرأيت الذي يكذّب بالدين؟ فذلك الذي يدع اليتيم )) الآية الأولى من سورة الماعون .

وكقوله تعالى : (( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ . . . ))(6) .

 وكقوله جل وشأنه : (( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) ؟ ))(7) .

 وكقوله تعالى : (( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) ))(8) .

 وقوله سبحانه : ((أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) ))(9).

 وقوله جل شأنه : (( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) ))(10) .

 وقوله جل شأنه : (( أفرأيتم النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ
الْمُنْشِئُونَ (72)
))
(11) .

 وكقوله تعالى : (( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) ))(12) .

 وقوله سبحانه : (( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا . . . ))(13) .

والأمثلة كثيرة في هذا الباب .

 3 ـ اذكر : فعل الأمر الذي خرج عما وضع له إلى التنبيه ، لأمر نبيهٍ شريف يستحق أن يُقلَّدَ أو يُتخذَ مثالاً يحتذى .

 كقوله تعالى : (( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي
وَالْأَبْصَارِ (45)
))
(14) .

 وقوله سبحانه : (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ
وَعَذَابٍ (41)
))
(15) .

 وكقوله جل شأنه : (( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) ))(16) .

 وقوله سبحانه : (( وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ ))(17) وقوله تعالى : (( وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ))(18) .

 والأمثلة في هذا الباب كثيرة .

 4 ـ التكرار : وهو سمة ظاهرة في القرآن الكريم ، أفردنا له عنواناً خاصاً . ولأنَّ مِنْ أغراضه التنبيه ننوّه إليه ـ هنا ـ باختصار :

أ ـ تكرار جملة بعينها من أول السورة إلى آخرها ، كقوله تعالى في سورة الرحمن : (( فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) ؟ ))(19) .

 وكقوله تعالى : (( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) ))(20) .

 وكقوله تعالى : (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68) ))(21) وذكرت سبع مرّات في سورة الشعراء بعد كلِّ قصة للأنبياء الكرام ، عليهم صلوات الله وسلامه ، مع أقوامهم .

ب ـ تكرار تعبير بعينه للتنبيه إلى خطره ، كقوله تعالى :

 (( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) ))(22) .

 وقوله سبحانه : (( الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) ))(23) .

 وقوله سبحانه : (( الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) ))(24) .

جـ ـ تكرار ألفاظ بعينها ، مثال ذلك : " كلّا " في سورتي المدثر والمطففين ، و " يوم الفصل " في سورة المرسلات ، و " ليلة القدر " في سورة القدر .

 5 ـ النداء : وهو من أهم الأساليب في التنبيه الوارد كثيراً في القرآن الكريم ،من أمثلة ذلك:

 قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ))(25) .

 وقوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا . . . ))(26) .

 وقوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ))(27) .

 ولا بدّ من جواب للنداء نلحظه من الأمثلة السابقة : ( اعبدوا ربكم ) ، ( إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ) ، ( إنما المشركون نجس ) .

 6 ـ حروف القرآن الكريم : والمقصود بها الحروف التي تصدَّرت كثيراً من سور القرآن الكريم ليتُنَبِّه إلى أمور منها :

أ ـ أن القرآن كلام الله المعجز ، وهو مهو مؤلف من هذه الحروف التي تقرأونها في أول السور ، فمَنْ شك أنه من عند الله فليأت بمثله ! . .

ب ـ أن هذه الحروف فواتح السور ، لها أسرارها العظيمة الجليلة .

 ـ وقد تبدأ بعض هذه السور بحرف تسمى به ، كسورة " ق " وسورة " ص " .

 ـ وقد تبدأ بحرفين وتمسى بهما كسورتي " يس " و " طه " وقد لا تسمّى بهما ، كسورة النمل فقد بدأت بالحرفين " طس " وسورتي غافر وفصّلت ، وأخواتهما الشورى ، والزخرف ، والدخان ، والجاثية ، والأحقاف فقد بدأت بالحرفين " حم " .

 ـ قد تبدأ بثلاثة أحرف ، كسورة البقرة وأخواتها آل عمران والعنكبوت ، والروم ، ولقمان والسجدة ، فقد بدأت بي " ألم " .

 وسورتي الشعراء والقصص اللتين بدأتا بـ " طسم " .

 وسورة هود وأخواتها يوسف ، ويونس ، وإبراهيم ، والحجر ، التي بدأتا بالحروف "آلر".

 ـ وقد تبدأ السورة بأربعة أحرف ، كسورة الرعد التي بدأت بـ " آلمر " .

 ـ وقد تبدأ السورة بخمسة أحرف كسورة مريم التي بدأت بـ " كهيعص " .

 ولعلَّ المتفحص لآيات القرآن الكريم يجد كثيراً من أدوات التنبيه التي تحرك الوجدان والمشاعر ، وتشحذ القلب والعقل ، وتدفع إلى التفكر والتدبّر ، وترقق الأحاسيس ، وتذكر بالله
ـ سبحانه ـ وعظمته .

                

(1) سورة الغاشية ، الآية : 1 .

(2) سورة الذاريات ، الآية : 24 .

(3) سورة النازعات ، الآية : 15 .

(4) سورة ص ، الآية : 21 .

(5) سورة البروج ، الآيتان : 17 ، 18 .

(6) سورة الأنعام ، الآية : 46 .

(7) سورة الأنعام ، الآية : 47 .

(8) سورة الواقعة ، الآيتان : 58 ، 59 .

(9) سورة الواقعة ، الآيتان : 63 ، 64 .

(10) سورة الواقعة ، الآيتان : 68 ، 69 .

(11) سورة الواقعة ، الآيتان : 71 ، 72 .

(12) سورة النجم ، الآيتان : 19 ، 20 .

(13) سورة الملك ، الآية : 28 .

(14) سورة ص ، الآية : 45 .

(15) سورة ص ، الآية : 41 .

(16) سورة مريم ، الآيتان : 56 ، 57 .

(17) سورة الأحقاف ، الآية : 21 .

(18) سورة الأعراف ، الآية : 86 .

(19) سورة الرحمن ، الآية : 19 .

(20) سورة الشرح ، الآيتان : 5 ، 6 .

(21) سورة الشعراء ، الآيات : (67 ـ 68) ، (103ـ 104) ، (121 ـ 122) ، (139 ـ 140) ، (158 ـ 159) ، (174 ـ 175) ،

 (190 ـ 191) .

(22) سورة المدثر ، الآيتان : 26 ، 27 .

(23) سور الحاقة ، الآيات : 1 ـ 3 .

(24) سورة القارعة ، الآيات : 1 ـ 3 .

(25) سورة البقرة ، الآية : 21 .

(26) سورة الأنفال ، الآية : 15 .

(27) سورة التوبة ، الآية : 28 .