من أين يأتي الفرج

من أين يأتي الفرج

أحمد الجدع

أعني بالفرج الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة .

لقد أتى على المسلمين زمان جهلوا فيه دينهم ، ولم يعد لهذا الدين أثر في توجيه حياتهم ولا في قيادة دولتهم، فدخلوا في جحر الضب ، وأخذوا ينظرون إلى أعدائهم نظرة إعجاب ، فاندفعوا خلفهم وأخذوا في تقليدهم ، وأدى ذلك كله إلى سقوط الحلقة الأخيرة من حلقات قوتهم ، فانهارت الدولة العثمانية ، وانقض الأعداء على أمة الإسلام كما يتداعى الذباب على قصعته، فقطعوها إرباً إرباً، فبعد أن كانت دولة واحدة أصبحت خمسين دولة ، ودب بين هذه الخمسين الشقاق وألقي بينهم العداوة والبغضاء ، واتخذ كل منهم دستوراً غير دستور الإسلام ، فشاهت وجوههم وضعفت هممهم ، وحببت إليهم الدنيا ،فانصرفوا عن الجهاد وكرهوا الموت !

ثم آل أمر هذه الأمة إلى الروابض والتحوت ، تقلدوا الأمور ، وساروا بالأمة إلى البوار .

وطال الأمد على هذه الأمة وهي في سبات عميق ، تراها أغنى الأمم وأفقر الشعوب ، تراها تملك النور وتهوى الظلام ، تراها نسل الأحرار والميامين من الرجال وتحب العبودية وتستمرئ الذل والهوان ، تراها وقد وهبها الله الكتاب فأحجمت عن قراءته واتخذته وراءها ظهريا .... بؤس وشقاء وذلة وعبودية وجهل وفقر .

ثم إن رجالاً منها نادوا بالتحرر من الأعداء ، فاتخذوا وسائل لذلك لا تغني عنهم نفعاً ، بل تجلب لهم ضراً، رفعوا ألوية الإلحاد والاشتراكية والقومية وهم يسمعون القرآن يقول لهم : إن تنصروا الله ينصركم ، وهم يصمون آذانهم وينصرون شياطينهم ، فباءوا بغضب على غضب ، وما جنوا غير الهزائم وما زادوا قومهم إلا خبالا .

ثم إن الأمة اتسع تيهها ، وفُقد قائدها ، فأخذت تتلفت يميناً وشمالاً ، فلم تر لها من قائد غير هذا الإسلام العظيم، وقد عرفت أنها لا تعزّ إلا به ، فاتخذت من وعول الرجال قادة وبدأت مسيرتها نحو النصر ، نحو الخلافة الراشدة الثانية التي وعد رسول الله بها بعد أن ينجلي هذا الحكم الجبري اللعين .

أخذت بوادر النصر تلوح هنا وهناك ، وأخذت رايات الجهاد ترتفع ، وأخذنا لا نسمع في مكافحة الأعداء إلا صوت الإسلام .

وأخذنا نتساءل : أمن أفغانستان يأتينا النصر أم من غزة أم من الشيشان أم من تونس الخضراء ...

كل منها هبت معلنة ألا عزة إلا لله ولا دين إلا دين الله .

قد يقول قائل : وماذا أردت بحشر غزة في نوافذ الفرج وهي بقعة صغيرة فقيرة يحاصرها العالم وعلى رأسهم بعض ذوي القربى ، وأحب أن أذكر المسلمين بأن النصر ليس معقوداً بالعدد الكبير وقد قال الله تعالى

(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) ( سورة البقرة – آية 249 ) . أليست غزة هي الفئة القليلة وأعداؤها هم الفئة الكبيرة الكثيرة ، وأليسوا هم الصابرين منذ أربع من السنين ؟

ألم يكن المسلمون في عهد رسول الله هم الفئة القليلة المحاصرين من كل صوب ؟ أليسوا هم الذين صنعوا النصر وانتصروا من بعدُ على أقوى دول العالم ؟

ثم إننا لن نجني النصر حتى نثق بالله وبوعده، وهو الذي وعد على أن يُظهر دينه على كل الأديان ، وقد أزف هذا الزمان .

إن حال العالم الغربي اليوم يشبه حال الفرس والروم في عهد الرسول ، وحال المسلمين اليوم يشبه ما كانوا عليه في عهد الرسول ، والله هو الذي يدبر الأمر وقد قال :" إن تنصروا الله ينصركم" ، وليس بيننا وبين النصر الإلهي إلا أن ننصر الله .

أيها المسلمون ، كلما ازداد الطغاة ظلماً وفتكاً كلما اقتربوا من نهايتهم ، لقد طغى طاغية تونس وسام شعبه العذاب الأليم ، ثم ازداد طغياناً عندما وصف الأذان بأنه تلوث صوتي ... وهنا قصمه الله وأخذه أخذ عزيز مقتدر .

أيها المسلمون ، لا تقنطوا من رحمة الله ، بوادر النصر قد لاحت ، ورايات الإسلام قد رُفعت ، ألا إن نصر الله قريب.