سبعون عاما في حضن اللغة العربية 43
سبعون عاما في حضن اللغة العربية
الحلقة الثالثة والأربعون
وقفة مع الرسائل ...
أ.د/
جابر قميحةفي بطون كتب التاريخ واللغة والأدب ترد كلمة " الرسالة " ، وأسماء أخرى تكاد تنحصر في ثلاثة هي : " الكتاب " و " العهد " و " الوصية " . وإن كنت أرى في إجمال ، واعتمادا على الاستقراء التاريخي والعرف الاستعمالي أن " الرسالة " و " الكتاب " أوسع الإطلاقات مدلولا ، وإن غلب استعمالهما في " مكتوب " يحمله رسول إلى شخص بعيد عن " المرسِل " .
والرسالة تكون كتابة ، كما تكون شفاهة على حد قول زهير بن أبي سلمى في معلقته :
ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة وذبيان هل أقسمتمو كل مُقسم ؟
وكما نجد في قول كعب بن زهير :
ألا أبلغا عني بجيرا رسالة على أي شيء ويب غيرك دلكا
على خلق لم تلف اِبنا ولا أبا عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
**********
ومعروف أن الرسائل بالمفهوم القريب نوعان :
الأول : رسائل عامة : تتعلق بموضوعات اجتماعية أو سياسية أو دينية أو فلسفية أو تنظيمية كما نرى في رسائل الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله كما نرى في رسائله إلى الملوك والرؤساء والوزراء كرسائله إلى الملك فؤاد ، وتوفيق نسيم باشا ، والنحاس باشا ، وعلى ماهر باشا . ورسالته إلى رئيس مجلس الأمن ، ورسائله عن قضية فلسطين للجهات المختلفة ،
والثاني : رسائل خاصة : وتكون متبادلة بين افراد الأسرة من أباء وأبناء وأقارب .
والدلالة الفنية للرسائل بصفة عامة أنها تعتبر جزءا من ترجمة كاتبها ، كما تدل على طوابعه النفسية والفنية .
وقد قمت بمهمة التدريس في دول وبلاد متعددة هي : الولايات المتحدة الأمريكية ، وباكستان ، والمملكة العربي ةالسعودية . وكانت رسائلي هي آلية الاتصال بالآخرين من أبناء وطننا ، وأبنائنا وأقاربنا .
**********
وسأقدم للقارئ في هذه الحلقة عددا من الرسائل التي قمت بإرسالها من بعض هذه البلاد التي عملت بها . ومنها على سبيل التمثيل :
رسالتي في ديسمبر سنة 1981 إلى الأخ الزميل الدكتور " إسماعيل..." المدرس بكلية الألسن ونصها :
أخي الحبيب أحييك تحية الإسلام مباركة طيبة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأصلي وأسلم على نور أبصارنا وبصائرنا محمد بن عبد الله ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
أخي الحبيب معذرة إذ أشغل وقتك بمسألة خاصة ، تبين عن الهوة اللاأخلاقية التي تردى إليها الشخص ذو الحيثية في الكلية (إياه) . أنت تعلم أن نار حقده قد توقدت حينما علم أنني سأسافر إلى الولايات المتحدة على نفقة وزارة التعليم العالي أستاذا زائرا بجامعة " يل " بمدينة " نيوهفن " بولاية كنكتكت " . وأخذ يضع أمامي العراقيل المختلقة حتى يحرمني من هذه البعثة .
أخي الحبيب ها هي ذي رسالتي الثانية إليك بعد سفري ، وأنا أجد في هذه الكلمات شيئا من التنفيس ليطرد عني شبح ذلك الحقود الذي استباح لنفسه الكذب والتزوير للإضرار بمن لا ينحني لإرادته الخسيسة . والحقد يكاد يكون مرادفا للحسد ، وهو تمني زوال ما أنعم الله به على غيره .
أخرج أبو داود من حديث " أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم انه
قال
"
إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب
" .
كما قال الإمام علي كرم الله وجهه الحقد من طبائع الأشرار . وقال أيضا : طهروا قلوبكم من الحقد ، فإنه داء موبئ .
وطبعا يا أخي أنت على يقين من أن صاحبنا هذا الحقود لا يعي مثل هذه القيم العلوية ، ولو وعاها ما أخذ نفسه بها . وقد يكون من الأسباب الرئيسية لحقده عليَ ما رأه من إقبال الطلاب علي في محاضراتي ، وكراهية الطلاب له ونفورهم منه في محاضراته . ويعلم الله أنني كنت دائما أردد : حسبنا الله ونعم الوكيل . وألقاك على خير وحق إن شاء الله .
أخوك جابر قميحة .
**********
وكان أول عملي في الخارج في الكويت في 26 سبتمبر سنة 1970 . وكانت إعارتي للكويت هي الإعارة الأولى في حياتي . وكان علي أن أسافر بمفردي في العام الأول وتركت الأسرة كلها في القاهرة .
وفي مسكني في مغتربي نظرت للأفق البعيد، وتذكرت حبيبتي لمياء، وملك عليَّ طيفها كل مشاعري، واستبد بي الحنين، فذابت نفسي شوقًا، وسال قلبي إلهامًا وشعرًا في رسالة شعرية إليها:
حبيبتي لمياءْ |
|
يا مِنحة السماءْ |
حبيبتي لمياءْ |
|
يا مِنحة السماءْ |
**********
وهذه رسالتي إلى زوجتي الحبيبة ، أرسلتها من الولايات المتحدة في يوم 5 / 1 / 1982 .
حبيبتي آمال أكتب إليك الآن من مدينة " اسبرنج فيلد " بالولايات المتحدة التي أطلقت عليها " بلاد الكلاب والخضرة والأيس كريم " ، فهم يقتنون الكلاب أشكالا وألوانا ، وهم يقدسون الخضرة ، وأعجب من غرامهم بالأيس كريم بصفة دائمة حتى لو كانت درجة الحرارة تحت الصفر .
ما أشد اشتياقي إليك يا زوجتي الحبيبة ، وأنا أعلم إنك تتحملين عبئا ثقيلا ؛ فقد تركتك تتكفلين بلمياء وياسر وحنان وعبير وسامح ، وياليتكم كنتم معي ليهدأ شيء من شوقي .
يا حبيبتي الطاهرة قد يسليني في غيبتي أن أسترجع أيامنا الخاليات يوم كنت طالبة في المدرسة الثانوية النسوية في مدينة الإسماعيلية ، وانفتح قلبي لك على مصراعيه ثم كانت الخطبة يتلوها الزواج . لقد كانت أيام الإسماعيلية أياما ممتعة ... هل تذكرين ؟ .
وأكرمنا الله بلمياء التي كانت في صغرها أشبه بك مني ، كأنها خصت نفسها بجمالك ، لا " وحاشتي " !! . وشهدنا في الإسماعيلية في 5 من يونيو سنة 1967 النكبة التي يسمونها " النكسة " ، وهي في حقيقتها نكبة ... لم تشهد مصر مثلها ، فكانت الصواريخ اليهودية تنهال على اإسماعيلية كالمطر ، بعد أن احتل اليهود الضفة الشرقية لقناة السويس . وكان خوفنا على فلذة كبدنا لمياء ، ثم كانت هجرتنا إلى القاهرة ... هل تذكرين ؟ .
وهنا بالولايات المتحدة أعيش في مسكن على ربوة تطل على جامعة " يل " ومدينة نيو هافن ، والخضرة تنتشر في كل مكان ، حتى إنني والله اشتقت إلى أن أرى قطعة أرض رملية صفراء ، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه . وفي الأشجار المجاورة بمسكني أرى حيوانا في حجم الأرنب المتوسط إذا رأى إنسانا أسرع بالهرب إلى أعلى الشجرة ، وهذا الحيوان اللطيف يتسم بسمتين :
الأولى : النظافة ، فكثيرا ما أراه بعد أن يأكل يمسح فمه برجليه الأماميين .
والثانية : أنه لا يتسرب إلى البيوت ، ولا يعيش فيها .
إن المصريين هنا يسمونه " سنجاب " .
حبيبتي آمال إن ما يمكن أن أقوله كثير ... وكثير جدا ، ولكنني ذكرت كل شيء في الحلقات التي كتبتها بعنوان " في أمريكا : بلاد الكلاب والخضرة والأيس كريم " .
حبيبتي وأخيرا أدعو لك بالتوفيق والصحة والعافية .
**********
وقد أعرت للعمل بالتدريس في باكستان ابتداء من العام الدراسي 1985 . وعشت قرابة أربع سنوات في إسلام أباد للتدريس في جامعة إسلام أباد الإسلامية العالمية . كان معي زوجتي وبنتي حنان وبنتي عبير وسامح أصغر الأبناء . أما لمياء وياسر فقد تركناهما في القاهرة ؛ لأن لمياء كانت طالبة في كلية الصيدلة ، وكان ياسر طالبا في كلية الهندسة ، وقد تعودت أن أجعل رسائلي إليهما بشعار معين فمثلا : كتبت رسالة وجعلت شعارها " شوكة في قلب بطيخة " ، ورسالة أخرى شعارها " توكلت على الله " .
ورسالة شعارها " قلوبنا معكم " أرسلتها في 18 من أغسطس 1985 ونصها : أيها الأحباب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لقد استبد بي الشوق إليكم ، فالله معكم في وحدتكم ومعنا في مغتربنا . أكتب إليكم في الحادية عشرة مساء ، ونحن جلوس تحت رحمة التكييف فالجو الآن حار شديد الحرارة ، ونسبة الرطوبة مرتفعة إلى أقصى حد . " بيمو " (وهو اسم الدلع لبنتي عبير ) دفنت عينيها في مجلة مصورة ، وسامح يسلي نفسه بشرب زجاجة " فانتا " . وأم الأبناء في الدور الأرضي من الفيلا التي نسكنها .
المدارس هنا لن تبدأ إلا بعد العيد وقد زارنا بعض الأصدقاء وزوجاتهم اللائي لم يكن لهم حديث إلا عن لمياء وجمال لمياء : تصوري يا لمياء أصبح لجمالك ورقتك شعبية هنا ... هيه ... أبخات .
ما أخباركم أيها الأحباب ؟ لقد ازداد شوقي إليكم، ولن يطفئه إلا اللقاء .
**********
وفي يوم السبت 31 / 8 / 1985 أرسلت الرسالة الآتية :
وشعارها " اعتمدوا على الله " : أيها الأحباب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وأنتم بخير . أخبرتموني في خطاب سابق أنكم كنتم تقضون أياما في الاسماعيلية . فمتى تعودون إلى القاهرة ؟ ومتى تبدأ الجامعة عندكم ؟ كان عيدنا هنا ابتداء من يوم الثلاثاء أي بعدكم بيوم . وكانت فرحة سامح وعبير بالخروف عظيمة ، وقد أصرا على أن يتصورا مع الخروف بالفيديو ، وكذلك بالكاميرا العادية . على فكرة لقد نسيت كاميرتي عندكم ، وأنا اصور هنا بالكاميرا الخاصة بحنان . وعن قريب أرسل إليكم بعض الصور .
وقد طلبت في إحدى رسائلي إليكم أن ترسلوا إلي كتاب " الموجه الفني " للأستاذ عبد العليم ابراهيم . وهو موجود في الصفوف الأولى من المكتبة على يمين الداخل ، فإذا لم تعثروا عليه فاشتروه من دار المعارف وإرسلوه إلي .
وقد أرسلت للصحفي الكبير الأستاذ أحمد الجندي مقالين لنشرهما في الأخبار الأول بعنوان " المقاييس البلاغية عند الجاحظ " . والثاني " عن الهجرة " .
بدأ الجو يتحسن إلى حد ما بعد موجة عاتية من الحرارة ، ومع ذلك لا نستطيع أن ننام من غير تشغيل المكيف .
يا ياسر آمل أن تبدءوا العام بعزيمة قوية وإيمان راسخ بالله ، وقد عاهدتموه على العمل ، والسير في مرضاته .
مدرسة عبير وحنان وهي المدرسة الليبية لن تبدأ إلا بعد أسبوعين . أما سامح فتبدأ مدرسته الباكستانية غدا إن شاء الله ، وآمل أن يوفقه الله في دراسته. الله معكم واتقو الله دائما . وسلاما سلاما سلاما .
**********
وفي صباح الأحد 29 من سبتمبر 1985 أرسلت الرسالة الآتية إلى لمياء ياسر :
أيها الأحباب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، سعدنا بالأمس إذ تلقينا منكم خطابين وهما ردان على الخطاب الخامس والسادس . لم يبق إلا نصف ساعة ويستيقظ أبننا " لز " أي " رز " " وهو اسم الدلع لسامح " وفي السابعة تستيقظ عبير ، ( واسمها الحركي بيمو ) لتذهب إلى المدرسة الليبية . أما حنان فلم تبدأ المرحلة الابتدائية بعد ، ويقال إنها تبدأ في الخامسة من أكتوبر . الجو الآن نموذجي جدا جدا . وبدأت موسم المشي على القدمين : أذهب إلى الجامعة في السابعة والنصف سيرا على قدمي . وفي الخامسة مساء أصحب سامح وعبير في مشية قرابة ساعة في الغابة إلى أن نصل إلى أقدام جبل " مارجالا " الذي نسكن أمامه . يا لمياء آمل الشعور بالمسئولية الكاملة ، والعمل الدائب ومراعاة الله في كل شيء ، وخصوصا في التعامل مع التليفون .
عاش الشيعة في باكستان مشاعر الحزن لذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه ، فهم يخرجون بالآلاف ويضربون صدورهم ووجوههم ، ويبكون ويصرخون . وفي كل مسيرة حصان مزين بأجمل أنواع الزيانات الذهبية والفضية يقوده شخص وسط المظاهرة ، ولا يركبه أحد ؛ لأنه رمز لحصان الحسين الذي كان يمتطيه يوم كربلاء ، وكل شخص في المسيرة كان يحاول أن يلمسه بيده تبركا به .
ما أشد اشتياقي إليكم . وقد تذكرت قول على محمود طه :
يا رب ما عذبتني في الوجود إلا بقلبي ليته لم يكن
في المثل الأعلى وحب الخلود حملته العبء الذي لم يهن
حماكم الله من كل سوء وفتح أمامكم الأبواب للحق والخير . وسلاما سلاما سلاما .
**********
وفي صباح السبت 26 من أكتوبر 1985 وبشعار " الواد لز " أرسلت الرسالة الأتية :
أيها الأحباب في القاهرة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وأوصيكم بتقوى الله عز وجل . الساعة الآن الثامنة والنصف صباحا وقد استيقظ الواد لز ؛ فاليوم أجازته الأسبوعية ، وعبير وحنان في المدرسة . وخرجت أنا وأم الأبناء وسامح إلى " أيوب ماركت " ، وهو مجمع كبير للدكاكين ، واشترينا منه ما نحتاج .
وبعد العودة من أيوب ماركت توجهت إلى منظمة التحرير في المبنى المجاور لمسكننا من أجل الحصول على كتب ومجلات تساعدني في البحث الذي أكتبه عن الشهيد " عبد الرحيم محمود " . وأنا حريص على أن أنوع مصادر بحثي ، كما أني حريص على ألا يخلو بحثي من بعض المراجع الإنجليزية . قابلني شاب ظريف لا يجاوز الثانية والعشرين من عمره ، وفتح لي أبواب المكتبة ، إنها مكتبة متواضعة ، ولكني انتقيت منها بعض المراجع والمجلات عن الصهيونية بخاصة .
وهناك ملاحظة أوجه نظرك إليها يا لمياء وهي حتى لا تمثل مسألة غسل الملابس مشكلة بالنسبة لك . اعملي كما كنت أعمل في أمريكا ... أغسل كل تغييرة أولا بأول ، وكنت أجد في ذلك متعة كبيرة ...كبيرة جدا . أي أن المهم هو الشعور المصاحب للعمل ... فهو الذي يجعله خفيفا أو ثقيلا .
**********
وفي يوم الأربعاء 4 / 12 / 1985 وبشعار " بارك الله فيكم " كتبت الرسالة الموجزة الأتية :
أيها الأحباب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أرسلت إليكم الخطاب رقم 21 مع أحد النازلين إلى القاهرة . آمل أن يكون قد وصل إليكم . وغالبا سيكون وصولي إلى القاهرة إن شاء الله فجر الثلاثاء 24 / 12 / 1985 على "الباكستانية " لقضاء عطلة نصف العام ، وإذا حدث تغيير في الميعاد سأخبركم هاتفيا . تلقينا بالأمس ردكم على الخطاب رقم 19 وبه النصف الثاني من الصفحة الأدبية من صحيفة الأخبار التي نشر فيها الأستاذ أحمد الجندي مقالي .
سامح يستعد أو بتعبير آخر أنا وسامح نستعد ونبذل مجهودا خارقا ؛ لأن امتحان آخر العام يبدأ يوم 9 / 12 / 1985 ، وينتهي يوم 19 / 12 / 1985 . وهو اليوم في رحلة ( P cn c ) مع المدرسة . قواك الله يا ياسر ووفقك في مسيرتك .
**********
ثم حدث ما لم يكن في الحسبان : إذ أرسلت إلى ياسر رسالة شعارها "التدريب " أقول له فيها " لابد أن تستعد للتدريب استعدادا كاملا ، وتبذل أقصى جهودك في هذا التدريب ، حتى تصل إلى نتيجة طيبة" .
وأنا أعني هنا التدريب العملي على مواده العلمية التي يتلقاها في كلية الهندسة ، وفتح الأمن الرسالة في المطار . وفي الفجر فوجئ الحي بقوات من المباحث ورجال الشرطة تقتحم شقتنا في شارع هارون بالدقي " والشقة يعيش فيها ياسر ولمياء " . وألقوا القبض على ياسر ، ووضعوا يديه في القيد الحديدي وقادوه إلى مبنى المباحث وهو معصوب العينين ، وبدأ استجوابه عدة ساعات عن التدريب ، ونوع السلاح الذي يتدربون عليه هو وزملاؤه من الإخوان ، وما الخطة التي تنوون تنفيذها بعد اتقان التدريب . كل ذلك وهو مغمى العينين ويداه في القيد . وواضح أن أذكياء رجال المباحث فسروا من كلمة التدريب بمفهوم عسكري ، وبعد ساعات طويلة ... وبعد أن تبين لهم وجه الحق أفرجوا عن ياسر وفكوا الرباط عن عينيه ، وخرج من المبنى وهو لا يكاد يرى شيئا ؛ فرباط عينيه أضعف إلى حد كبير من قدرته على الرؤية . وعاد ياسر إلى مسكننا في الدقي ليجد لمياء وقد علا بكاؤها وصراخها ، أما سكان العمارة والجيران لم يذوقوا للنوم طعما حزنا على ياسر من ناحية ولأسلوب المسئولين عن أمن الدولة من ناحية أخرى .
**********
وتمضي مسيرتي في حضن اللغة العربية مكتفيا بالقليل عن الكثير . ولكني أقول في النهاية : إن الله سبحانه وتعالى أكرمني بما أفاض علي فأصبح لي من المؤلفات الأدبية والشعرية حتى الآن ما لا يقل عن خمسة وأربعين كتابا . وقد جمع بعضها في أربع مجلدات ضخمة الثلاثة الأول في الأعمال الشعرية والمسرحية ، والرابع في رحاب الدعوة والإخوان . والبقية تأتي إن شاء الله .