هجرة الطفيل بن عمرو الدوسي
د. نعيم محمد عبد الغني
الطفيل بن عمرو الدوسي أحد المهاجرين من دوس إلى مكة، ثم من دوس إلى المدينة المنورة، وهو رجل أديب أريب، يميز الحق من الباطل، يقول الشعر، ويعرف للكلمة وزنا.
هاجر إلى مكة فحذره أهلها من أن يلتقي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-فكلامه سحر يفرق بين الزوج وزوجه، والابن وأبيه، فسمع الطفيل كلامهم بادئ الأمر، لكنه فكر بعقله، فرأى أن يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويحكم ما أوتي من ملكات فيما يقال له.
يذكر ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة عن أبي الفرج الأصبهاني أن الطفيل لما قدم مكة ذكر له ناس من قريش أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسألوه أن يختبر حاله فأتاه فأنشده من شعره، فتلا النبي -صلى الله عليه وسلم- الإخلاص والمعوذتين فأسلم في الحال.
وكان في إسلام الطفيل خيرا؛ إذ حمل هم الدين من أول لحظة، فعلم أنها رسالة ينبغي أن يؤديها لقومه، حيث كان سيدا مطاعا فيهم، وزِيد له بعد إسلامه لقب ذي النور، وسبب تسميته بذي النور أنه لما وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال له ابعثني إليهم واجعل لي آية، فقال اللهم نوّر له، فسطع نور بين عينيه، فقال يا رب أخاف أن يقولوا مُثلة، فتحول إلى طرف سوطه فكان يضيء له في الليلة المظلمة.
ذهب الطفيل ودعا أباه فأسلم، ثم أسلم معه أبو هريرة وحده، وذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- شاكيا قومه.
وعاد إلى قومه وذكر قصة سوطه ونوره، قال فدعا أبويه إلى الإسلام فأسلم أبوه، ولم تسلم أمه ودعا قومه، فأجابه أبو هريرة وحده الذي يروي هذه الحكاية فيقول: جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: إن دوسا قد عصت وأبت، فادع الله عليها، فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القبلة ورفع يديه، فقال الناس هلكت دوس، فقال: «اللهم اهد دوسا وائت بهم» أخرجه البخاري في الصحيح.
واستجاب الله لدعاء نبيه وأسلمت دوس، وذهب الطفيل بن عمرو يعرض على الرسول أن يهاجر وأصحابه إلى دوس؛ ليتخذها منطلقا للدولة الإسلامية الناشئة، في حكاية أخرجها البخاري في الأدب المفرد، ومسلم في صحيحه عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيلَ بْنَ عَمْرٍو الدوسي أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ في حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ - قَالَ حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ في الْجَاهِلِيةِ - فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- لِلَّذِى ذَخَرَ اللَّهُ لِلأَنْصَارِ فَلَمَّا هاجر النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- إلى الْمَدِينَةِ هاجر إِلَيهِ الطُّفَيلُ بْنُ عَمْرٍو وَهاجر مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يدَاهُ، حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيلُ بْنُ عَمْرٍو في مَنَامِهِ فَرَآهُ وَهَيئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَرَآهُ مُغَطِّيا يدَيهِ، فَقَالَ لَهُ مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِى إلى نَبِيهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيا يدَيكَ قَالَ قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ.
فَقَصَّهَا الطُّفَيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «اللَّهُمَّ وَلِيدَيهِ فَاغْفِرْ»
ظل الطفيل مسلما مخلصا في إسلامه، تتكسر على عزيمته قواعد الشرك، وتجتث بسواعده أشجار الباطل الخبيثة، فكان من المكلفين بهدم الأصنام حول الكعبة، حيث بعث لهدم صنم يقال له ذي الكفين، وكان صنمَ عمرو بن حمحمة، فجعل يحرقه بالنار، ويقول:
يا ذا الكفين لست من عبادكا
ميلادنا أقدم من ميلادكا
إني حششت النار في فؤادكا
واشترك الطفيل في غزوات النبي، وحارب مع أصحابه، حتى توفي يوم اليمامة، في عهد أبي بكر بعد أن كانت هجرته معلما من معالم نشر الإسلام.