لا للفوضى في مملكة النظام

مصطفى محمد أبو السعود

كاتب من فلسطين

حينما تُصبحُ تعاليم السماء الداعية للتوافق، قيمٌ لا قيمةَ لها، وتصبحُ تعاليم الأرض المُحرضة على الاعتراض لأي سببٍ كان، قيمةً لا غنىً عنها، رغم تضخم مُعظمها بالمغالطات، التي ترمي بكل ثقلها في ميدان التفاهم، لتقلب ميزان الحقائق، وتفردُ أجنحتها على مائدةِ الحوار، وتقف حجر عثرة أمام إلتقاء الرؤى في شارعِ الوحدة، ستتناثر أشلاء المصلحة العامة على أرصفة الرغبات الخاصة.

إن الجامعة هي مصنعٌ فكريٌ مقدسٌ بامتياز، فيه تجتمعُ الأفكار وتختلف، ولكل فكرةٍ مَن يُناصرها، أو يُناصبها العداء، لكن الأصل أن يبقى الاختلاف في دائرةِ التنافس المحمود، أما ارتفاع منسوب الاختلاف يُوحي بعدم ادراكنا لطبيعةِ الأمور بالشكلِ المطلوب، وإلى أن نُصبح كذلك، يجب ادارك أن لغزَ الاختلاف لن يُحل، إلا بوضع جسد المشكلة على مائدةِ الحوار، وتشريحها، لنعرف أسباب وفاة الوفاق.

فكثيرةٌ هي الاختلافات التي تحدث في الجامعات، نتيجة افتقاد الحكمة في التعامل مع معطيات الحياة الجامعية، واختلاف أساليب رئاسة الجامعة والطلاب في ادراة القضية، فكل جهةٍ ترى أن من حقها القيام بأي شئٍ يُحقق مصلحتها، وبالطريقةِ التي تراها مناسبة، فالتعليقات الدراسية التي تدعو لها الأطر الطلابية بشكلٍ مستمر، من شأنها إيذاء المزاج العام للجو الدراسي، لأن كثيراً منها تستمر لوقتٍ طويل، ففي الوقت الذي يسعى العالم لاستثمار وقته في العلم، يسعى بعضنا لإرجاعنا إلى الوراء.

لا شك أن للطلاب حقوقاً على إدارة الجامعة، وعليهم واجبات تجاهها، ولكن هذه الحقوق وتلك الواجبات، تأتي عبر الطرق التي كفلتها اللوائح المُنَظِمَة لطبيعةِ العلاقات بين الطرفين، خاصة إذا علمنا أن العلاقة بين الإدارة والطلاب في بعض الجامعات تمتاز بارتفاع خصوبة التوتر، وسرعة تناسل سوء الفهم ، نتيجة سعى كل كتلةٍ للحصولِ على المزيدِ من الامتيازات لطلبتها خارج الإطار المتعارف عليه، وعدم ارتياح الطلبة من طريقةِ توزيع إدارة الجامعة للمنح، فقد اخبرني الدكتور درداح الشاعر عميد كلية شئون الطلبة في جامعة الأقصى بغزة  "أن الجامعة قد تُجبر على التعليق لتمنع حدوث إشكاليات نتيجة التنافس اللامحدود بين الكتل الطلابية، لأن ما يحدث داخل الجامعة هو انعكاس لما يحدث خارجها، لكنه نفى أن يكون السبب هو احتجاج على محاباة الجامعة لأحدٍ في توزيع المنح الدراسة، لأن المنح تُوزع على من يستحق فقط، وحسب الشروط المتعارف عليها، كما أن مطالبة أعضاء الهيئة التدريسية بزيادة الأجور قد يُحدث تعليق دراسي، وهنا يستخدم الطالب كورقة ضغط لتحقيق المطالب، وأضاف أن تعليق الدراسة لا يُعد مظهراً مشرفاً، وأن الجامعة التي تُبقي النبض في شرايين التعليقات هي مثل "من يفقئ عينيه بيديه"، وعن أثار تعليق الدراسة  أكد أن التعليق الدراسي هو سلاح ذو حدين فهو مع الجامعة وضدها، ومع الطالب وضده، وأضاف بكل حسرةٍ ومرارة أن تضخم التعليقات يؤدي لإحداث تغيرات في النظام العام للجامعة، حيث يتسبب في تأجيل الامتحانات، مما يؤثر على الخريجين الذين سيتقدمون للوظائف.

على أي  حال فإننا نتمنى أن يفتح الطلاب  قلوبهم مع اشراقة كل يوم لتدخل أشعة شمس المحبة والتوافق، ويزيلوا ما تبقى فيها من روائح لافائدة منها، وإن حدث مالا يسرهم، فليذهبوا إلى من يملك زمام الأمور، ويناقشوه بالأسلوب الحسن.

ونوصيهم باستثمار أوقاتهم فيما يفيد، أما إذا استسلموا لألحان الخلاف واستمتعوا بها، فتلك مصيبة كبرى، لذا  يجب أن يتعلموا من السهامِ كيف تُجيد الطريق، فما أسوأ النفس الذي تُؤمن بالفوضى، وتكفرُ بكل نظامٍ جميل.