مقام من بلدي
مقام أولاد العوام نموذجاً ..
سامح عودة/ فلسطين
هي الأرض المباركة، وهن حبات العرق المجبول بها هذا التراب الطاهر، هي الأرض من أجلها عانقت اليد المخرز، وهي صبحُ الفلسطيني، هي قبلته التي لا يمكنُ أن تحل قبلةً مكانها، ولا يمكنُ إلا أن يبقى مغروس فيها، هي ( ال ) فلسطين، وكل ذرة تراب فيها قدسية لا تفنى ..
ولأننا القابعون في حجرها، الحافظون العهد، المتجذرون في أحشائها روحاً لا تفنى، بقينا ترتيلة صبح متجددة..!! أغنية الفلاح وقت الحصاد، وعجين الفلاحات وقت الصباح، ومع كل هذا وذاك، بقينا كنعانيون نجباء، وجهنا يحفظ كل ملامحها، وملامحنا السمراء تتكئ على ارث ورثناه منذ الأزل، فالماءُ، والهواء، والتراب، وكل شيء فيها لنا ..!!
لنا وحدنا، ولان هذا الوطن الساكن فينا، على امتداده لا يتسعُ إلا لنا، فليكن قدرنا أن نبقى مع اليوم الموعود، حيث يكون هذا الوطن المفتوح للشمس خالصاً لنا .. بكل ما فيه .
وعبر سنوات، مضت ..!! وقرون ستأتي قدم الفلسطيني روحه رخيصةً لهذه ( ال ) فلسطين، وترك لنا ملايين الشواهد، آثارَ، وأضرحة شهداء، وحكايا فداء ما زالت تحكى ..
ومقام " أولاد العوام " موضوعنا ما هو إلا واحد من ملايين المقامات التي تنتشرُ على هذه الأرض .. يقع المقام في بلدة حبلة .. بلدتي التي أحبها، وتحبني ..!! في محافظة قلقيلية، التي تقع إلى الجنوب من مدينة قلقيلية، وتبعد عنها خمسة كيلومترات، وتعد البلدة ( حبلة ) ذات السبعة ألاف نسمة النقطة الأقرب إلى القسم الآخر من فلسطين، " فلسطين المحتلة عام 1948 م "، على تلة مرتفعة ٍ تطلُ على البحر، فهو على مرأى العين من هناك .
تاريخ المقام ..
يقع في الجهة الجنوبية لبلدة حبله في موقع يدعى " خلة إبراهيم الغربية " المنطقة يوجد بها آثار تعود للفترة الرومانية والبيزنطية ، كما يوجد في المنطقة أيضا برك تعود لنفس الفترة أيضا ، في العام 1995م ونتيجة لقيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بإقامة جزء من الجدار الفاصل في تلك المنطقة ونتيجة لأعمال التجريف التي قامت بها الجرافات الإسرائيلية فقد دمرت العديد من تلك القبور والكهوف والبرك الموجودة في المنطقة ، كما أن المقام الموجود في المنطقة ( مقام أولاد العوام ) قد تعرضت جدرانه للتصدع بسبب استخدام قوات الاحتلال للمتفجرات في تفجير الصخور، لبناء جدار الضم والتوسع العنصري الذي يلف البلدة، من معظم الاتجاهات، يمتد كأفعى تتلوى الى باقي المناطق ..!!
أقيم الجدار عنوة، وذهبت آلاف الدونمات خلفه، وبقيت عينان المقام تطلان على البحر..!! إذ أنه بموقعه على تلة متوسطة الارتفاع، والتي لا تبعد إلا أمتار من حدود فلسطين المحتلة عام 1948، وبهذا فان قبة المقام متواضعة البناء ترتفعُ قليلاً لتعانق نسائم الساحل المحتل، تعانقُ نسائم يافا، واللد والرملة، وكل المغتصبات، التي هجر أهلها قصراً، تفنى الأجيال، ويبقى التاريخ الشاهد على كل شيء جرى على هذه الأرض، وهذا المقام ما زالت صخوره تحفظ درب الذين مروا من المكان، شهداء، أم فلاحين سقوا أرضهم بحبات العرق وقت الزرع ووقت الحصاد .
شدد الاحتلال وبدهائه المعروف وببطشه المعهود على المناطق المحاذية لما يسمى خط الهدنة، فحاول وبكل الوسائل تغييب الإنسان، وتغييب الشواهد على بقائه فيها، كون تلك المناطق المحاذية لما يسمى بإسرائيل، خنجراً استراتيجياً في خاصرتهم، وبهذا فتغيب الشواهد أمراً مطلوباً، وهذه المقامات المنتشرة على امتداد هذا الوطن الممتد تحت قبة السماء توثق جزءاً من تاريخ هذه الأرض الطاهرة ..!!
وحتى لا نغرق في الوصف، فالكلمات مهما أوتيت من بلاغة في متنها فلن تستطيع وصف المكان بجماله، وأهميته، ولكي لا نغرق في بحر من التحليل ونتوه عن الهدف المنشود، فلا بد من كلمة صاخبة، لعل فيها تذكير بحال المكان وأهله .
هذا المقام الشاخص أمام العيون سنوات طوال، وقبته صامدةً في وجه الريح، وفي وجه من حاولوا العبث بمقدرات شعبنا، وتاريخه، ولهذا فالمطلوب من وزارة السياحة أمرين : الأول .. توثيق التاريخ الحقيقي لهذه المقامات وأظنها كثيرة في الوطن.
أما الأمر الثاني .. فهو تأهيل المقام بما يليق به عله يكون متنفساً لمن سيأتون من بعدنا، متنفساً ترويحياً، تاريخياً يفتخر به الأبناء بما فعله الآباء .
ولهذا فلا بد من الخروج عن النمطية المقيتة، والوقوف بمسؤولية أمام الأخطار التي تحيط بنا، وأهمها التصدي بمسؤولية لمحاولات الطمس الممنهج التي تتبعها إسرائيل بحق تراثنا وموروثنا التاريخي، وأظن أنه كفى، وكفى لكل محاولات الهروب من المسؤولية، لأننا في مرحلة تحدٍ وطني، أهم ما يلزمنا فيها إعداد الخطة واستحضار النية والعمل بروح المسؤولية كي نكسب معركتنا، ونحافظ على الإرث الموروث.