استعمال المثل والحكمة (60)
من أساليب التربية في القرآن الكريم
د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
يمتاز المثل بالإيجاز وسرعة دورانه على الألسنة ، فهو يلخص موقفاً أو قصّة ، فإذا مرَّ الإنسان بموقف مشابه أو قصة أو حادثة متشابهتين ، ضرب المثل نفسه للعظة والعبرة .
أما الحكمة فهي عصارة الذهن في حكم صائب ، أو نصيحة صادقة ، دون أن تكون تلخيصاً لموقف أو حادثة . .
وبهذا يختلط مفهوما المثل والحكمة عند العرب ، في استثمارهما واستعمالهما ليؤدّيا هدفاً واحداً ، يتجلى في الحكم والنصيحة والعبرة .
والقرآن الكريم حفل بهما جميعاً ، فكانا أسلوباً راقياً من الأساليب التربوية ، التي استعملها القرآن في الدعوة إلى التقليد وتهذيب النفس ، والاتعاظ وتوضيح المقصد ، وأنواع شتى من الأغراض الإنسانية .
فمن الأمثلة على ذلك ، قوله تعالى :
1ـ (( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ))(1) يُضرب لمن عرف ما يريد فخطط له ، واتجه لتحقيقه لا يحيد عنه .
2ـ (( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ))(2) يضرب لمن كانت عقوبته سبباً في تحقيق المصلحة العامة .
3ـ (( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ))(3) يضرب للدلالة على أن النفع قد يكون من القلّة ، لا من الكثرة .
4ـ (( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) ))(4) يضرب للحضّ على الخير .
5ـ (( فَمَثَلُهُ . . كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ))(5)
يضرب للخسيس لا فائدة منه .
6ـ (( . . وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ))(6) يضرب للتهوين من مكر الخبثاء ، وأن مكرهم مردود عليهم .
7ـ (( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ))(7) يضرب للتسليم بقضاء الله .
8ـ (( إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ))(8) يضرب لمن يقع في شر أعماله .
9ـ (( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ))(9) يضرب للمقرِّ بذنبه المعترف بخطئه .
10ـ (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي . . . ))(10) يَضرب للدلالة على الوضوح والجلاء .
11ـ (( . . . إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ))(11) يضرب لحضّ المتراخين على المبادرة ، وعدم الاعتماد على الآخرين في إنجاز أمورهم .
12ـ (( . . . وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ))(12) يُضرب لمن أوقع نفسه في شرِّ أعماله .
13ـ ((قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ . . . ))(13) يضرب لمن يشي عملُه بحاله .
14ـ (( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ))(14) يضرب للدلالة على تفاهة علم الإنسان ، وضآلته كلما رأى جديداً من العلوم الدالة على علم الله الواسع .
15ـ (( وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا . . . ))(15) يضرب للاعتذار عن خطأ ارتُكِبَ ، أو رغبة لم يستطع صاحبها تنفيذها لضعفه .
16ـ (( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ))(16) يضرب لذي الفهم والإدراك يتفقت ذهنه دائماً عن فوائد فيعزو ذلك إلى الله تعالى .
17ـ (( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ . . . ))(17) يضرب للسيء تحاول تقويمه فلا تفلح .
18ـ (( . . . وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ . . . ))(18) يضرب لبيان الضعف الشديد .
19ـ (( . . . وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ . . . ))(19) يضرب لمن وصل إلى هدفه دون عناء .
20ـ (( . . . وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ))(20) يضرب للدلالة على صدق الخبر وصحته ، ودقته .
21ـ (( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى . . . ))(21) يضرب لحصر المسؤولية بمن فعل .
22ـ (( . . . وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ . . ))(22) بضرب لمن يهتم بصلاح نفسه فينال الخير.
23ـ (( وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ))(23) يضرب هذا المثل لانتفاء تساوي
المتناقضات .
24ـ (( . . . وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ))(24) يضرب لليأس ممن لا يعي ولا يعقل .
25ـ (( لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) ))(25) يضرب للحث على الوصول إلى المرتبة العالية ، والسعي لها بهمة وجلد .
26ـ (( فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) ))(26) يضرب للتهديد والوعيد .
27ـ (( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ))(27) يضرب لبيان الفرق بين الشيئين المتناقضين .
28ـ (( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) ))(28) يضرب لمن يفقد ، فلا يتأثر لفقده أحد .
29ـ (( . . . . وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ))(29) يضرب للتيئيس ، والاستحالة .
وهكذا فالمثل والحكمة يؤديان دوراً مهماً في التعليق على الحدث وإصدار الحكم ، وإلقاء الضوء عليه ، مما يوضح الفكرة ، ولا يترك مجالاً للإبهام أو الوهم ، ويتركان القارئ على المحجة البيضاء فيرى ما يناسبه للوصول به إلى جنة المأوى ورضوان الله تعالى ، والسعيد من كتب الله تعالى له السعادة فبصّرَه وهداه إلى سبيله . . اللهم اجعلنا من هؤلاء .
(1) سورة البقرة ، الآية : 148 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 179 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 249 .
(4) سورة البقرة ، الآية : 261 .
(5) سورة الأعراف ، الآية : 176 .
(6) سورة الأنفال ، الآية : 30 .
(7) سورة التوبة ، الآية : 51 .
(8) سورة يونس ، الآية : 23 .
(9) سورة يوسف ، الآية : 53 .
(10) سورة يوسف ، الآية : 108 .
(11) سورة الرعد ، الآية : 11 .
(12) سورة النحل ، الآية : 118 .
(13) سورة الإسراء ، الآية : 84 .
(14) سورة الإسراء ، الآية : 85 .
(15) سورة النساء ، الآية : 28 .
(16) سورة طه ، الآية : 114 .
(17) سورة القصص ، الآية : 56 .
(18) سورة العنكبوت ، الآية : 41 .
(19) سورة الأحزاب ، الآية : 25 .
(20) سورة فاطر ، الآية : 14 .
(21) سورة فاطر ، الآية : 18 .
(22) سورة فاطر ، الآية : 18 .
(23) سورة فاطر ، الآيات : 19 ـ 22 .
(24) سورة فاطر ، الآية : 22 .
(25) سورة الصافات ، الآية : 61 .
(26) سورة الصافات ، الآية : 177 .
(27) سورة الزمر ، الآية : 9 .
(28) سورة الدخان ، الآية : 29 .
(29) سورة الأعراف ، الآية : 40 .