دمعة أم

مريم سيد علي مبارك/الجزائر

[email protected]

هذه الرسالة التي أضعها بين أيديكم كتبتها "أم" وجدت على شبكة الانترنت ونشرت في كتاب أقل ما يقال عن كاتبه انه فنان، فليس الفنان ذلك الذي يجيد تقمص الأدوار فحسب أو ذلك الرسام أو النحات فقط، بل الفنان هو صانع الجمال حيثما كان..

تقول الأم :

"وأنا في طريقي إلى البيت كدت أصطدم برجل كان يمر بجانبي، فاعتذرت له وبادر هو أيضا بالاعتذار، فكلانا كان مهذّبا ورقيقا رغم أننا غريبان ولا يعرف كل منا الآخر..وفي المساء وأنا أستعد لتجهيز وجبة العشاء كان طفلي الصغير يقف خلفي صامتا ولم يشعرني بوجوده وعندما استدرت لتناول بعض الأشياء كنت على وشك الاصطدام به، فنهرته بشدة وأمرته بعنف أن يغادر المطبخ ولم أدر أنني قد كسرت قلبه الأخضر الرقيق بكلماتي الحادة والقاسية. وقبل أن أذهب إلى الفراش مررت بالمطبخ، فلاحظت على أرضيته بعض الورود الجميلة متناثرة هنا وهناك. كان الصغير يريد أن يفاجئني بها ولهذا كان وقوفه خلفي صامتا حتى لا تضيع حلاوة المفاجأة. تساقطت الدموع من عيني حين اكتشفت الحقيقة فأسرعت إليه في فراشه وأيقظته من نومه وسألته عن تلك الورود، فأجاب والنوم يداعب جفنيه : "جمعتها من أشجار الحديقة لأنها تشبهك في رقتك وجمالك". وأرادت الأم أن تعتذر لصغيرها عن معاملتها القاسية فبادرها مبتسما : "لا عليك يا أماه فأنا أحبك وأعرف أنك أيضا تحبينني".

وهنا سرحت الأم وهي تحتضنه وفكرت فيما أنها لو ماتت في الغد فإن الشركة التي تعمل بها سرعان ما تجد البديل لها خلال أيام، أما أسرتها إن هي ماتت فستعيش في الحزن طوال حياتها !

واستخلصت الأم الحكمة من هذه الحكاية، فنحن نفني أعمارنا في العمل والجري وراء التطلعات التي لا تتوقف عند حد وننسى في زحمة المشوار حياتنا الخاصة وأسرنا التي نتعامل معها بقسوة وحدة، في حين أننا نتعامل مع الغرباء برقة وهدوء!!

إنها المعادلة المعكوسة والمقلوبة التي تنسينا أن الوئام والحب داخل الأسرة هو أسمى غايات الحياة".

انتهت الرسالة

عندما انتهيت من قراءة هذه الرسالة بكيت لأنه قد مرّ بي موقف كمثل موقف تلك الأم..وخاطب الدمع فلذة كبدي إذ نطق :

ولدي حبيبي..عندما أضمك إلى صدري لا أشعر بأن أحدا أغنى مني وعندما ألعب معك لا أشعر أن أحدا يلهو مثلي..عندما أطوقك بذراعي أشعر أن الفرح ليس بعده حزن وأن الحزن لن يعرف طريقا إلي..

أجمل الكلام كلامك يا ولدي، حقيقي لا زيف فيه وأعذب الألحان لحنك يدق "ماما" على أوتار قلبي.. وأجمل الفنون وجهك البريء..لا يوجد قلب مثل قلبي يحتويك ولا وطن مثل وطني يأويك.. !

ولدي حبيبي إن لي في حملك ووضعك من الأجر كالمرابط في سبيل الله فإن هلكت فيما بين ذلك فلي أجر الشهيد فتذكر يا ولدي أنك جهدي وجهادي..خلقك الله من ضعف وجعل غذاءك من دمائي ثم من حليبي ثم من طعامي وأشعر رغم ضعفك وصغرك أنني أحوج منك إليك..

"خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة" الروم 54

تذكر يا ولدي تذكر -إذا لاح على رأسي المشيب- الضعف الذي يشيب عليه الوالد ويشب عليه الولد...

حياتي دونك خاوية ..أنت قرة عيني وأنا نعم الصديقة والصاحبة لك في حياتك ألم تسمع قول الله عزوجل "وصاحبهما في الدنيا معروفا" (لقمان 15) وقوله صلى الله عليه وسلم للسائل عن أحق الناس بصحبته : "أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك"

ولدي...ستكبر وسيكون لك أصحاب، فتذكر أني أحق الناس بصحبتك..

أنا أمك و"أم الشيء" أصله أنا بدايتك وفاتحتك كما الفاتحة أم الكتاب وأنا فاتحة أيامك وحياتك بفضل الله..

فاشكر فضل الله عليك وتذكر الحكمة الإلهية "أن اشكر لي ولوالديك" هو الله الرحيم يقرن شكره بشكرنا ليدلك على فضلنا وهو المتفضل علينا جميعا بنعمة الحياة..

سامحني يا ولدي.. إذ قسوت عليك و صرخت في وجهك..

سامحني يا ولدي..ليس الصغار فقط يسقطون بل يسقط الكبار!!

امك..