من أسرار الحياة 57
المقالة السابعة وخمسون
خالد سيفي
طاقة التأمل.. و..وحدة الأضداد
الذليل نبيل..و..الوضيع رفيع
مثلُ ماء البحر المالح الذي بعد
التبخّر يتحوّل إلى ماء عذب في السُّحب
هكذا العقل الواعي لدى البعضمِن الممكن أن يحوِّل خِدَع الحواس إلى رحيق
لا تستطيع شرب ماء البحر، انه أجاج، وان فعلت سيقتلك. لكن الغيمة تستطيع تناول الماء من المحيط وتحويله إلى زلال. وبعدها يتأتّى لك شربه عذبا سائغا فراتا.
سراها يقول – التأمّل يعمل فعل الغيمة. طاقة التأمّل كطاقة السُّحب. التأمّل يستطيع الارتقاء بأحوالك اليومية المتغيّرة والمتعثرة عن طريق تحويل وجودك المادي إلى روحي، فتصبح تجاربك الصعبة متعة، وتمسي عذابات طموحك الجامح نشوة. هنا تتأكد بنفسك أن الحياة ممارسات وجدانية ووجودا عذبا، بحيث يتبدل طعمها اللاذع إلى ما يشبه الإكسير.
أما جنسانيّتك الحيوانية وشهوانيتك البهيمية فممكن لها أن تتسامى لتغدو طهارة وعفّة وجمالا إن استطعت خلق غيمة التأمّل من حولك لتمخر عليها في سماء وعيك.
بوذا المعلم سمّى قدرة التحويل هذه ب" القانون الأساسي". بواسطة التأمّل تَسقطُ الأفكار السوداوية، وتهوي الشهوات الغاوية والعاوية، ويخبو الطمع المسيطر،....................... وبالتدريج تشرئبّ يقظتك ويتوقّد لهيب وعيك. هذه النار ستعقّم جراثيم شبقك وجشعك، وتصهر كل صدأ نواقصك لتغدو نظيفا لامعا.
بواسطة التأمّل يصبح كل ما هو حقير عزيزا.
وهذا هو موقف التنترا الأساسي: أنه يمكن تحويل ما هو مادي إلى فكري، وما هو غافل إلى عاقل وكل ما هو فاع إلى واع. ومن الممكن أن يرتقي الوضيع فيصبح رفيعا والذليل نبيلا، بحيث يغدو كل ما هو شهواني شريفا وربّانيا.
الفيزياء الحديثة تتكلم عن تحوّل الطاقة إلى مادة، أو تحويل المادة إلى طاقة. في الحقيقة كلا المادة والطاقة من طبيعة واحدة، وهي تتمظهر في شكلين مختلفين أو تؤدي وظيفتين مختلفتين، ويبقيان مظهران لواحد.