جمعية الشبان المسلمين وكفاح المغرب العربي
د. مولود عويمر
أستاذ بجامعة الجزائر
تأسست جمعية الشبان المسلمين في القاهرة في مارس 1927 م. وكان من أبرز قادتها[1]: محمد صالح حرب، عبد الحميد سعيد، أحمد تيمور باشا، محمد الخضر حسين، محب الدين الخطيب، أحمد الشرباصي...الخ. وفتحت لها فروعا عبر التراب المصري وفي بعض الدول العربية مثل تونس وسوريا وفلسطين والعراق. وفي هذا السياق راودت بعض رجال الإصلاح الجزائريين فكرة فتح فرع لها في الجزائر.
وأصدرت الجمعية مجلة شهرية[2] بداية من أكتوبر 1929 تحمل نفس الاسم تعنى بالمسائل التربوية والدينية وقضايا المسلمين في العالم. ويحررها نخبة من أعضائها. وترأس تحريرها لفترة طويلة المراقب العام للجمعية الدكتور يحي أحمد الدرديري.
وتوزع هذه المجلة في مصر والعالم العربي، وتصل إلى الجزائر على الرغم من المعوقات الإدارية الاستعمارية. ولم تتردد بعض الصحف الجزائرية في إعادة نشر مقالات هذه المجلة المصرية، فحافظت بالتالي على التواصل الثقافي بين المغرب والمشرق. وتحتفظ اليوم المكتبة الوطنية الجزائرية بمجموعة كبيرة من أعداد المجلة الصادرة بين أكتوبر 1929 ويوليو 1953.
وجاء قسم من هذا الرصيد من مكتبة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الخاصة التي أهديت إلى المكتبة الوطنية في سنة 1967. فقد وجدت على غلاف المجلة ختم جمعية الشبان المسلمين وتوقيع الرئيس العام اللواء محمد صالح طلعت ثم الدكتور عبد الحميد سعيد بالإضافة إلى عبارة الإهداء: " إلى حضرة صاحب الفضيلة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رئيس علماء الجزائر".
وقبل الحديث عن بعض صفحات مشرقة من نضال هذه الجمعية من أجل قضايا المغرب العربي، نشير هنا إلى أن المناضلين المغاربة وقفوا بدورهم إلى جانب مصر المطالبة بحقوقها الكاملة واستقلالها الكامل وتحريرها من قيود معاهداتها مع بريطانيا. ونظمت في هذا الشأن بمركز جمعية الشبان المسلمين يوم 26 أوت 1951 وقفة تضامنية مع مصر باسم المؤتمر العربي الإسلامي. وشارك فيها بعض القادة المغاربة. وطالب بهذه المناسبة علال الفاسي بـ "إلغاء تلك المعاهدة وتحقيق الجلاء ووحدة وادي النيل هي قضية العالم العربي والإسلامي كله، وكل مماطلة من الإنجليز لتأخير تحقيق المطالب المصرية هي تأخير للنهوض العربي الإسلامي".[3]
وخصصت جريدة "البصائر"[4] لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عددا كاملا تضامنا مع الشعب المصري.
لقد لعبت جمعية الشبان المسلمين دورا بارزا في تاريخ الإصلاح والتحرر في العالم الإسلامي. وكانت ملجأ للزعماء والعلماء المغاربة الذي خرجوا من أوطانهم بحثا عن دعم إخوانهم العرب والمسلمين. فرحبت بهم هذه الجمعية قبل غيرها مت الجمعيات العربية والإسلامية، ووقفت إلى جانبهم ونصرت قضيتهم العادلة بشتى الوسائل.
كما فتحت دارها للعديد من رجال السياسة والإصلاح القادمين من المغرب العربي: محمد البشير الإبراهيمي، إبراهيم أطفيش، الفضيل الورتلاني، الشاذلي مكي، محمد خيضر من الجزائر، عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي من المغرب، محي الدين القليبي، الرشيد إدريس، الحبيب بورقيبة وعلي البهلوان، من تونس. وتداولوا على الخطابة والمحاضرة في مركزها بالقاهرة في مناسبات مختلفة [5]سنتطرق لها لاحقا.
وجه الأستاذ عبد الحميد سعيد الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين بيانا خاطب من خلاله المسلمين بشكل عام والمصريين بشكل خاص يدعوهم إلى مساندة الشعب الليبي الذي يتعرض لكل أساليب الاضطهاد الذي تمارسه عليه السلطة الاستعمارية الإيطالية التي يتحكم فيها الفاشيون الذين شبههم بالصهاينة.
والخطر مزدوج، فهو يرى أن الأوائل يحاصرون مصر من الغرب بينما يحاصرها الآخرون من الشرق، ثم يضيف: "إن الخطر الذي يهدد عرب طرابلس الغرب لا يقل عن الهذر الذي يهدد عرب فلسطين بل هو أفظع وأشنع لأن الإنجليز في فلسطين يزعمون أنهم واقفون موقف الوسيط بين العرب واليهود، أما إيطاليا في تحويلها طرابلس الغرب عن صبغتها العربية والإسلامية فإنها الخصم والحكم في آن واحد."[6] ودعا في الأخير كافة المسلمين إلى اليقظة قبل أن تحول بهم كوارث أخرى، وحثهم على الالتزام بالوحدة لمواجهة التحديات القادمة.
أما الدكتور أحمد الدرديري المراقب العام للجمعية فقد وجه في ماي 1950 خطابا إلى سفير فرنسا بالقاهرة معاتبا السياسة الاستعمارية التي تنتهجها دولته في القطر العربي الجزائري قائلا: "إن الأساليب القاسية التي يستعملها الفرنسيون في الجزائر مع الشعب الجزائري المسالم الذي لا ذنب له في تعذيب سوى كفاحه لنيل حريته واستقلاله، جعلت المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين يستنكر كل الاستنكار هذه الأعمال، ويحتج أشد الاحتجاج على سكوت الحكومة الفرنسية وترك الحبل على الغارب لممثليها بالجزائر فيما يقومون به من أعمال منافية لحقوق الإنسان، ويحملها مسؤولية سكوتها على هذه الأعمال التي يأباها الضمير الإنساني، والتي ستؤدي إلى وقوف أربعمائة مليون مسلم بجانب إخوانهم الجزائريين."[7]
وكانت الجمعية تنظم بمركزها محاضرات وتظاهرات دائمة للتعريف بقضايا المغرب العربي، ومساندة كفاحها التحرري، وفي هذا السياق، قدم الكاتب سيد قطب في 5 مارس 1951 محاضرة بعنوان "عبيد فرنسا"[8] كشف من خلالها عن الوجه الحقيقي لفرنسا التي تزعم أنها تنشر القيّم الإنسانية والتحضر في المستعمرات بينما الواقع يكذب هذه الإدعاءات المضللة للرأي العام العربي والعالمي. ودعا الكاتب المصري إلى استبدال درس الثورة الفرنسية في المناهج بدرس تاريخ الاستعمار الفرنسي.
ونظم القادة المغاربة يوم 13 ديسمبر 1952 بمركز جمعية الشبان المسلمين تجمعا كبيرا تحت شعار "يوم المغرب العربي في مصر"[9] شارك فيه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، الشيح محمد الخضر حسين، الأستاذ عبد الرحمان عزام، الأستاذ توفيق الشاوي. وخرج الاجتماع ببيان شديد اللهجة، نلخصه في النقاط التالية:
- الاحتجاج على اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد
- التأكيد على تضامن الشعوب العربية والإسلامية مع الشعوب التونسية والجزائرية والمغربية في نضالها من أجل الحرية والاستقلال.
- اعتبار قضايا تونس والجزائر والمغرب وحدة لا تتجزأ، الأمر الذي يستوجب إثارة قضية الجزائر أيضا في المحافل الدولية.
كما أقامت عدة جمعيات إسلامية وأحزاب مصرية في 9 ديسمبر 1952 مؤتمرا في مركز الشبان المسلمين خطب فيه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والإمام محمد الخضر حسين شيخ الأزهر، عبد الرحمان عزام أمين العام السابق للجامعة العربية، الدكتور محمد صلاح الدين وزير خارجية مصر السابق.[10].. وتحدث الجميع عن جهاد المغرب العربي الطويل للاستعمار الفرنسي منذ أن ابتلي به. ودعوا الحكومة المصرية والشعب المصري إلى مساعدة إخوانهم المغاربة ورفعوا صوت تهديد المصالح الفرنسية في العالم الإسلامي إذا لم تحترم حقوق المسلمين في شمال إفريقيا. واتخذ المؤتمرون في نهاية اجتماعهم عدة قراراتهم منها تكوين لجنة لمساعدة المكافحين المغاربة وجمع التبرعات لهم. وهذه الجمعية أطلق عليها اسم "اللجنة القومية للدفاع عن المغرب" برئاسة الدكتور محمد صلاح الدين.
وبمناسبة الذكرى الثالثة للثورة الجزائرية، نظم مكتب جبهة التحرير الوطني يوم 1 نوفمبر 1957 احتفالا بمركز الشبان المسلمين تكلم فيه كل من الدكتور أحمد الشرباصي، الشيخ محمد عبد اللطيف دراز، أحمد توفيق المدني، أبو القاسم سعد الله وصالح خرفي. وعرض بهذه المناسبة فيلم عن الثورة الجزائرية.[11]
وكتب المؤرخ الجزائري الدكتور أبو القاسم سعد الله الذي أقام أيضا بالقاهرة في الخمسينات عن هذه النشاطات فقال: » وفيها كانت تعقد الندوات والمحاضرات لرجال العروبة والإسلام، ومنها أنشطة حول الجزائر، وفيها قابلت الأمير عبد الكريم الخطابي أول مرة، أكتوبر 1955. وفيها تدربت مع الطلبة الجزائريين على المقاومة الشعبية أيام العدوان على مصر سنة 1956."[12]
وكانت مجلة الشبان المسلمين تتابع أخبار المغرب العربي، وتنقل لقرائها صورة عن أحوال إخوانهم في الغرب الإسلامي. فتحدث في العدد الأول عن الحياة الثقافية في المغرب الأقصى. وكتب الدكتور أحمد رمزي بك – قنصل مصر السابق في سوريا- عن الاستعمار الفرنسي في شمال إفريقيا.[13]
وتنشر هذه المجلة الرسائل الاحتجاجية والبيانات التي تصلها من الزعماء المغاربة. ونذكر هنا بعضا منها: مذكرة[14] وجهها الشاذلي المكي مندوب حزب الشعب الجزائري في المشرق العربي إلى رؤساء الوفود العربية في مجلس الجامعة العربية ليعبر عن استنكاره الشديد لمضايقة السلطة الفرنسية لنشاطات حزبه واعتقالها المستمر للوطنيين الجزائريين، ويدعوها إلى احترام حقوق الشعوب المستعمرة.
أما الرسالة الثانية للشاذلي المكي فهي احتجاج على مضايقة السلطة الفرنسية للحجاج الجزائريين، جاء فيها على الخصوص: "ويمتلكنا العجب أن نرى فرنسا –التي يقال أنها دولة علمانية تعمل بمبدأ فصل الدين عن الحكومة – تبسط يدها على الدين الإسلامي في الجزائر، وتتدخل في شؤون لا يعرفها إلا الراسخون في الدين من المسلمين، هذا بينما نراها تعطي الكاثوليكيين والإسرائيليين مطلق الحرية في تسيير شؤون دينهم."[15]
ولم تكتف المجلة المصرية بنشر هذه الرسالة ونقل صورة حقيقية عن السياسة الاستعمارية في الجزائر وتوعية الشعب المصري والعربي بالقضية الجزائرية، بل كانت المجلة أكثر وضوحا حينما علقت على هذا البيان قائلة:" ونحن نتوجه بما ورد في هذه النشرة إلى العالم الإسلامي، وإلى الرأي العام العالمي، وإلى أبطال الديمقراطية الحقة، وإلى العاملين على تمكين الشعوب من الحق في تقرير مصيرها، مهيبين بهؤلاء جميعا ليقفوا بجانب الجزائر في محنتها، وليرفعوا معها أصواتهم بالاحتجاج على فرنسا، وباستنكار سياستها في الجزائر، وإلزامها بأن ترد إلى الشعب الجزائري ما اغتصبته من سيادته وحريته واستقلاله."
ونشرت مع رسالة المكي بيان[16] استنكار الذي أصدرته لجنة تحرير المغرب العربي، وكذلك نص برقية احتجاج النواب الجزائريين في المجلس الجزائري إلى رئيس مجلس وزراء فرنسا وقعه كل من مزغنة، بوقدوم، بودة، شرشالي، الجيلاني، فروخي، دماغ العتروس ومصطفاي.
ونشرت المجلة في حلقتين[17] نص المحاضرة التي ألقاها محمد خيضر مندوب حزب الشعب الجزائري في الشرق العربي – وأحد قادة الثورة الجزائرية فيما بعد- بمناسبة الاحتفال بذكرى تأسيس حزب الشعب وذلك بدار جمعية الشبان المسلمين يوم 12 مارس 1953. وبيّن هذا المناضل السياسي في هذه المداخلة الطويلة المراحل المختلفة للسياسة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر منذ 1830، وأبرز تاريخ المقاومة الجزائرية الناصع. وشرح كذلك أهم المحطات في سجل نضال حزب الشعب الجزائري بقيادة مصالي الحاج. وأكد أيضا على خطورة الوضع في شمال إفريقيا وأبدى استعداد شعوب المغرب العربي للتضحية من أجل الحصول على كافة حقوقها في "الحرية الشاملة والاستقلال التام والسيادة المطلقة"[18].
ويتحقق هذا الهدف بعد سنوات قليلة من الصمود والكفاح والجهاد، فتتحرر المغرب وتونس في سنة 1956، وتستقل الجزائر في عام 1962.
[1]الدكتور صالح خرفي. مذكرات محب الدين الخطيب. الثقافة، العدد 16، أوت 1973، ص 88-89.
[2]صدرت مجلة الشبان المسلمين في الأربعينات وخمسينات مرتين في الشهر، وأحيانا مرة واحدة.
[3]مجلة الشبان المسلمين، العدد 1، أكتوبر 1951، ص 37.
[4]البصائر، العدد 178، 7 يناير 1952.
[5]الرشيد إدريس. ذكريات عن مكتب المغرب العربي في القاهرة. تونس، الدار العربية للكتاب، 1981، ص 112؛ الدكتور رابح تركي. محمد البشير الإبراهيمي في المشرق العربي. الأصالة،العدد 8، ماي-جوان 1972، ص 255-261.
[6]مجلة الشبان المسلمين، العدد 4، يناير 1939، ص 234.
[7]مجلة الشبان المسلمين، العدد 16، 15 ماي 1950، ص 41.
[8]الدكتور مولود عويمر. أعلام وقضايا في التاريخ الإسلامي المعاصر. دار الخلدونية، الجزائر، 2007، ص 60-61.
[9]مجلة الشبان المسلمين، العدد 4، يناير 1953، ص13.
[10]البصائر، العدد 211، 29 ديسمبر 1952.
[11]الدكتور أبو القاسم سعد الله. مسار قلم. يوميات. دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2005، ج2، ص237-238.
[12]سعد الله، المرجع السابق، ج1، ص 71.
[13]مجلة الشبان المسلمين، العدد 7، يناير 1949، ص 26-28.
[14]مجلة الشبان المسلمين، العدد 14، 15 أبريل 1950، ص 15.
[15]مجلة الشبان المسلمين، العدد 22، سبتمبر 1950، ص 43.
[16]مجلة الشبان المسلمين، العدد 22، سبتمبر 1950، ص 40-42.
[17]مجلة الشبان المسلمين، العدد 8، مايو 1953، ص40-46؛ العدد 9، جوان 1953، ص 24-33.
[18]مجلة الشبان المسلمين، العدد 9، جوان 1953، ص 33.