بالأملِ... نحيا
هنادي الشيخ نجيب
اجتمعت الشمعات الأربع في غرفةٍ مظلمةٍ، يلفُّها السكون والهدوء، وراحت كلّ واحدةٍ منهنَّ تبثُّ شكواها وحرقتها، وترفع اعتذراها؛ إذ هي على وشكِ أن يخبو نورها، ولكلٍّ منهنّ أسبابها.
افتتحت شمعة "السلام" المجلس الحزين؛ متأسِّفة على تردِّي حال الكثيرين ممّن لم يستطيعوا أن يحافظوا على إشراقةِ نفوسهم بالإحساس بها والاستنارةٍ بضوئها، ثمّ ما لبثت أن خفت صوتها وانطفأ شعاعها... فاستلمت شمعة "الإيمان" دِفّة الحديث، متحسِّرة على نكران جمعٍ غفير من الناس صوتَ الفطرة النديّ، متألمةً على مصير أولئك الذين أطفأوا فتيلها بجحودهم، وخنقوها بكفِّ الإلحاد والكفر... لحظات مرّت على شمعة "الإيمان" كأنها دهرٌ من القسوةِ والظلم، لفظت بعدها أنفاسها الأخيرة...
أحسّت شمعة "الحبِّ" بالمرارةِ لفقدِ صديقتيها، وراحت تلقي باللائمة على كل صاحب قلبٍ متحجِّر... ونعت نفسها لهذا العالم، بعد أن زَهِدَ البشرُ بها، وعقّوها ونسوا حقّها عليهم... ارتجف نورها من شدة التأثّر، ثمّ تلاشى مع آخر ومضةِ حبّ...
فجأةً، دخل طفل وشاهد ذلك الموقف المأساوي، فحزن لما أصاب الشمعات الثلاث، وشعر بالظلمة تكاد تحتل المكان وتقضي على آخر بقعة ضوء، عندها بادرت شمعة "الأمل" قائلةً: لا تيأس يا عزيزي ما دمتُ أنا موجودة... هيا، أمسك بيدي لنعيد النور إلى رفيقات دربي... إنّ قلباً قد ملأتُهُ بالأمل لَهُوَ قلبٌ مفعمٌ بالحياةِ وإن تآمر عليه الموت... إن صدراً غمرتُهُ بالرجاء لهو صدرٌ منشرحٌ وإن بَنَتِ الخطوب سجنه، متفائلٌ وإن حفرت الأحداث قبره...
شبابنا الأعزاء... الحديث عن الأمل يملؤنا بالأمل...
فكم نحن بحاجةٍ إلى تلك القوة اليقينية؛ لنثبت على الحق، وندافع عن الواجب، وننشط من أجلِ رسالتنا ومهمتنا في الحياة...
وإذا كانت الأحداث من حولنا عظيمة الهول سوداء الوجه، ففي قلوبنا ما هو أعظم منها، الأمل بالله؛ بحكمته وعدله وإحسانه وفضله...
واليقين بوعوده ومبشّراته، حتى وإن أمطرتِ السماءُ دماً، أو أنبتت الأرضُ حجارةً!!
نعم، شبابنا... نلتقي دوماً بالأمل... حيث لا قلق ولا خوف ولا تردّد... حيث لا اضطراب ولا كسل ولا خور...
بالأملِ سينهض هذا الجيل، حتى وإن وصفه الواصفون بأنّه:
متنوّر الذهن مظلم الروح
كثير الكلام قليل المبادرة
قوي العضلات ضعيف اليقين
عظيم الاتكال حقير الأعمال،
سينهض من كبوته لأنه يأمل بأن يحقق في المستقبل أموراً تكون سبب فلاحه.. ولأنه يرى بعيني قلبه خلافَ ما تراه عيناه على أرضِ الواقع!!
ترى، هل ما يراه توقّعات يغذيها الخيال؟ أم أنها مرئيات تزيد على الظن حتى تبلغ مرتبة اليقين؛ لأنها وعدُ ربّ العالمين؟!
من سلسلة: "إشراقة غدي" – مجلة "غدي" الشبابية/ لبنان