المرأة والإصلاح

حسام مقلد *

[email protected]

أضحت كلمة الإصلاح مصطلحا شهيرا تتداوله جميع وسائل الإعلام الآن في المناسبات المختلفة، لاسيما بعد دخول هذا المصطلح حلبة السياسة، وتحوله إلى مطلب جماهيري، فهذه الكلمة المخملية لها إيحاءاتها النفسية المحببة التي تدغدغ المشاعر، وتبعث على الراحة والاطمئنان والثقة والتفاؤل...!!

لكن الواقع المرير لأمتنا ومجتمعاتنا الإسلامية في كل المجالات وعلى الصُّعُدِ كافة لا تشير إلى إمكانية تحقُّق هذا الإصلاح المنشود في المدى القريب، وللأسف كل ما يلوح في الأفق يبعث على القلق والتوتر، ويبدد هذا التفاؤل ويجعله هباء منثوراً؛ لأننا لا نتحرك في الاتجاه الصحيح، ولا نقوم بالخطوات العلمية المنهجية للوصول إلى هذا الإصلاح، بل نسير عكس  ذلك في أغلب الأحيان، ونصرُّ على المضِيِّ قُدُمًا فيما نذهب إليه رغم تأكدنا من أننا نسير في الطريق الخطأ...!

إن أغلب علماء الأمة ومفكريها يرون أن الإصلاح المنشود يبدأ من الأسرة، وينهض أساسا على المرأة، وتجارب الأمم وأحداث التاريخ تؤكد ذلك وتبرهن على صحته، فالمرأة في الواقع هي صانعة الأجيال وبانية المستقبل؛ لأنها تؤسس البنية الفكرية والمعرفية لأبنائها، وتصيغ شخصياتهم، وتبني المنظومة القيمية والأخلاقية لديهم من خلال تعاملها اليومي معهم، وبقائها ساعات طوال إلى جانبهم، خاصة في سنيِّ عمرهم الأولى، وصدق الشاعر حين قال:

ولـم أر لـلخلائق من iiمحلٍّ
فحضْن  الأمّ مدرسة iiتسامتْ
وأخـلاق الوليدِ تقاس iiحسناً
ولـيس  ربيبُ عاليةِ المزايا
وليس  النبت ينبت في جنانٍ
فيا صدرَ الفتاةِ رحبت صدراً





يُـهـذِّبها  كحِضن iiالأمهات
بـتـربيةِ  البنين أو iiالبنات
بـأخـلاق  النساءِ iiالوالداتِ
كـمثل ربيب سافلة الصفات
كمثل  النبت ينبت في iiالفَلاة
فـأنت  مَقرُّ أسنى iiالعاطفات

والسؤال الآن: هل أعددنا المرأة وأهَّلناها كي تقوم بدور الأم؟!! هل نراعي في تربية بناتنا وفتياتنا إعدادهن للقيام بدورهن المنتظر في بناء الأجيال وصناعة مستقبل الأمة؟!! الإجابة بكل أسف: لا!! فنحن في أغلب الأحيان نعتمد على أنماط التربية العشوائية لبناتنا وأولادنا، ولا نخطط لهذه التربية، بل ندع أبناءنا للمؤثرات والوسائط التربوية الأخرى، ونترك الساحة خالية تماما أمام الإعلام المعاصر إعلام الفضائيات والإنترنت، ليقوم بتربية أجيالنا الجديدة، وصياغة أفكارها وتشكيل رؤيتها للكون والحياة، ولا نسأل أنفسنا عن الحصاد المر لذلك، وخطورته على هوية أبنائنا وقدرتهم على الصمود أمام طوفان الغزو الفكري المدمر!!

ونتيجة لهذه العشوائية كان من الطبيعي جدا أن نجد أغلب أبنائنا وفتياتنا اليوم تتنازعهم اتجاهاتٌ شتى، ومشاربُ مختلفة، تسلب الاستقرار النفسي لديهم، وتتسبب في حدوث كثير من الأمراض النفسية والاجتماعية لهم، وربما الانحرافات الأخلاقية...!!! ومع قلة الاهتمام وانعدام الرعاية يتفاقم الوضع وتَصعبُ مداواة هذه الأدواء، ويَتعسَّر علاجُها، خاصة إذا لم يُبادَر للقضاء عليها في مهدها، بطريقة سليمة، وأسلوب حكيم.

وفي غفلةٍ من الأُسَرِ عن غرس الفكر الصحيح والأخلاق النبيلة الفاضلة في نفوس الفتيات نجد أن أغلبهن يكبر ويترعرع وينمو ولا يمتلك رؤية واضحة لمستقبله، فضلا عن أن يكوِّن رؤية سليمة عن الكون والحياة، ونجد لدى أكثر هؤلاء الفتيات سطحية عجيبة، واهتمامات تافهة لا تعدو القشور المظهرية والأشياء الشكلية فقط في الحياة!! فكيف لهؤلاء أن يربين جيلا صالحا؟! كيف يستطعن تربية أبنائهن على الصبر والتحمل والعمل الجاد المتقن لإعمار الكون وإبهاج الحياة من حولهم؟!! 

إن حياتنا المعاصرة أشبه بمعركة حتمية لا يمكن تجنبها، ولن ينْجُوَ الفارُّ مِن ساحِها من رصاصة طائشة، أو قذيفة مهلكة، ولا مناص لنا عن الإصلاح الحقيقي الذي يبدأ من المرأة وينتهي بالمرأة، فعلينا أن نضع خطة واضحة المعالم لإعداد جيل صالح نابه واعٍ من الفتيات اللائي سيصبحن في المستقبل القريب بإذن الله تعالى أمهات عظيمات قادرات بفضل الله تعالى على بناء جيل صالح قادر على تحقيق المعجزة وإطلاق قدرات هذه الأمة العظيمة وتفجير طاقاتها، ولله در الشاعر حين قال:       

مـن لي بتربية النساء فإنها
الأم  مـدرسـة إذا iiأعددتها
الأم  روض إن تعهده iiالحيا
الأم أسـتـاذ الأساتذة الألى



في الشرق علة ذلك الإخفاق
أعددت شعبا طيب iiالأعراق
بـالسري أورق أيما iiإيراق
شـغلت مآثرهم مدى الآفاق

وللحديث بقية بإذن الله تعالى؛ لنجتهد معا في وضع نموذج عملي يبين كيفية إعداد الفتاة لتكون زوجة وأما صالحة تستحق أن توصف بأنها صانعة الأجيال، ورائدة الإصلاح الحقيقي في المجتمع والأمة... "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" [هود : 88] والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

               

 * كاتب إسلامي مصري