أما آن للظلم أن ينكشح
خليل الجبالي
إن المسلم عندما يبتلي ويوقن أن الإبتلاء سنة من سنن الله تعالي سيُأجر علي إبتلائه بعد أن يقابله بالصبر والتحمل، أما أن يُظلم من الذين يفترض أنهم يأمنوه ويحموه! فهم لا يخافون الله بعد أن إنتهكوا حرمات المسلمين في بيوتهم وفي ظلمات الليل كالخفافيش التي لا تتحرك إلا في الظلام ، علي الرغم من فقدها حاسة البصر بعد أن تعتمد علي حاسة السمع وياليتهم يسمعون ما يفيدهم ولا يضرهم، فيرهبون المسلم وأهله فيكون الألم أشد.
وعندما يفيض الكيل من هؤلاء الظالمين فما للمظلوم من بدٍ إلا أن يرفع يديه بالدعاء إلي رب السماء أن ينتقم من الظالمين الذين لا يخافون الله فيرهبون الصغير والكبير .
أيها الظالمون يامن يتحركون دون وعي أو إدراك ، وينفذون أوامر لن توصلهم إلا إلي الهلاك والضياع.
أيها الظالمون انظروا إلي من كانوا قبلكم وفي مكانكم ، أين هم الآن ؟
وأين مكانتهم عند الناس؟ كم من الآيادي المظلومة رفعت عليهم بالدعاء حتي يشفي الله ما في صدور المؤمنين بعد أن ظلموهم واعتدوا عليهم بالسب والأذي فنالوا منهم نفسياً وبدنياً.
إن إمرأة دخلت النار في هرة حبستها ، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فكيف بكم تجرؤن علي حبس شاب يافع بعد أن أخذتموه من مضجعه قبيل الفجر؟، ألا تخافون من الله ؟ ألا تخافون من دعوت يدعو بها عليكم في تلك الأوقات؟.
أما آن للظلم أن ينكشح، أيها الظالمون لن ترهبون إلا أنفسكم، فقد فقدتم صوابكم ، بل لقد فقدتم عقولكم، كيف بكم ترهبون أطفالاً صغاراً لا حول لهم ولا قوة؟ كيف بكم ترهبون شاباً يافعاً لا يتعدي عمره السابعة عشرة ، وتحملونه بين أيديكم وأيدي جنودكم الذين لا يقلون وزراً عن أوزاركم ( إنَّ فِرْعَوْنَ وهَامَانَ وجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8))سورة القصص.
(ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ (46) وإذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ (47) قَالَ الَذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنَّا كُلٌّ فِيهَا إنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العِبَادِ (48) وقَالَ الَذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ العَذَابِ (49) قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا ومَا دُعَاءُ الكَافِرِينَ إلاَّ فِي ضَلالٍ (50) إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ولَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)) سورة غافر.
أيها الظالمون كيف بكم تغيبون الشباب وراء القضبان بين إرهابكم بالتعذيب والتنكيل والتكبيل والحرمان؟ كيف بكم تحرمون آباءاً من آبناءهم؟ أو أبناءاً من آباءهم؟
إن إعتقالنا وغيابنا في سجونكم لم يزدنا إلا جلداً وصبراً، وقوةً وتحملاً ، وأيقنا أننا والحمد لله علي الطريق الصحيح، فأشد الناس إبتلاءاً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، ويبتلي المرء علي قدر دينه، فمن ثخن دينه اشتد بلاءه ومن ضعف دينه ضعف بلائه.
أيها الظالمون إن سوطكم وحبسكم لن يزدنا إلا قوة علي قوتنا وتمسكاً بدعوتنا، وثباتاً علي طريق الحق بعد أن أيقنا أنه الطريق القويم، فلن نحيد عنه بأمر الله (الَذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَاناً وقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ واتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وخَافُونِ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175) ) سورة آل عمران.
أيها الظالمون إن ظلمكم يزيد المؤمنين تقرباً إلي الله وطاعةً هم أجوح إليها ، فرب مصيبة حلت بالمسلم يتعبَّد بسببها عبادات ما كان ليُوفـَّق إليها لولا تلك المصيبة؛ فتنقلب في حقه نعمة قبل أن تكون نقمة.
وأقولها كلمة للذين يتألمون من ظلم الظالمين: لا عليكم فألم ساعة في سبيل الله يهون ويضعف ولن تنالوا بعده إلا الجنة التي بشر بها رسول الله صل الله عليه وسلم عمار بن ياسر في لحظات كان الكفار يعذبونه فيها فيمر عليه ويقول لهم صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة.
يا بني اصبر واحتسب واحمد ربك أن حبسك في سبيله، فأهل الطاعة أهل الإبتلاء، فلن تخرج بعدها إلا جلداً قوياً صلباً لن تذروك الرياح ولن يهزك سوط الظالمين ولا سباب الغاشمين.
يا بني : المؤمن مأجورٌ علي صبره وعلي تصبره كلما حل به بلاء ، فقد أخرج مسلم والبيهقي عن صهيب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ).
يامن ظـُلمتم في سبيل دعوتكم ، وحُبستم بغير ذنب ولا جريرة لا تهنوا ولا تتألموا فإنكم ترجون من الله الخير بإبتلاءكم سبيله، إنكم ترجون تكفير الذنوب ومحي الخطايا، ورضوان الله والجنة ...الجنة
(وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:104).
(واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)سورة يوسف.