أوضح من غابات (الفُرُلُّق)
د. محمد بسام يوسف*
من ميزات (سوق عكاظ)، أن يتمتّع روّاده بأعلى درجات العلم والبيان والوضوح، ونفاذ البصيرة.. ما يساعد على اختيار أفضل القصائد، التي تحمل فيما بعد اسم: (المعلَّقة)!..
(أسواق عكاظ) في القرن الحادي والعشرين.. أمرٌ مختلف، بالطعم والنكهة، والشكل واللون، والعَبَق والرائحة!..
عندما تَسأل (عَيْناً) من أصحاب العبقريات الثقافية أو الإعلامية أو السياسية في ظل دولة الممانعة [على أساس أنّ (سِيناً) أصبحت من مخلّفات القرن الماضي].. عن رأيه في القضية الداخلية الساخنة التي يبحثون فيها، باعتباره أحد الأركان المهمة للنظام العتيد، يجيبك بتصريحه المقتضب:
(كانت الأمور واضحةً تماماً، وهو أفضل ظرفٍ يمرّ علينا منذ عقودٍ طويلة، لما نتمتّع به من تضامنٍ حقيقيٍ، وحِرصٍ على الأمن الوطنيّ والقوميّ، وأهم من ذلك، ما كان من وضوحٍ في الرؤية والهدف.. فالوضوح والشفافية أساس كل شيءٍ في مثل هذه المرحلة)!..
إذا تجرّأتَ أكثر، ورجوتَ سيادته أن يفسّر كلامه، ويوضّح حديثه، عن الوضوح في الرؤية للأخطار الأميركية والصهيونية المحدقة بالشعب والأمّة والوطن كما أفاد، الأمر الذي يفرض استمرار قانون الطوارئ والأحكام العُرفية كما يزعم، يقول لك وللجماهير التي تسمعه وتشاهده عبر الأثير:
(بما أنَّ انعقاد المؤتمر، لأنّ الظروف، لكن عندما يجتمع، فلا بدّ، من أن، لما لذلك، ليس عند الأشقّاء العراقيين والفلسطينيين!.. وعندما، لا يحسن، بهم وبنا، إلا أن نعبّر!.. فالارتياح التام!.. أما قضية، اجتمعنا، فالخطر لم يعد قائماً، ولا يمكن أن نقبل، لأنّ إطلاق.. لم يكن!.. أما المبرّرات، ذلك لا يعني بالطبع، إلا إذا، كان الذي!.. ونأسف على ما، وسنعطي فرصةً أخرى، لأنّ الحلّ السّلْميّ وإقرار قانون الأحزاب والديمقراطية، فهو لا يمكن إلا، للمجتمع المدنيّ نصيب، لأنّه ليس، ما، لم، لن، كم هو!.. كيف إذا، حصل.. وشكراً)!..
وبما أنّ كلّ مَن يستمع إلى التوضيح (الواضح للغاية)، كوضوح السياسة السورية، وسياسة الإصلاح بكل أنواعه وأحجامه ومقاساته وأصوله وفروعه، التي لا يفهمها إلا عباقرة حلّ الألغاز السحرية، وصناديد الأجهزة الساهرة على أمن وطننا ومواطنينا وترابنا الوطنيّ، من أخطار: فيروس الانفتاح، وجائحة الديمقراطية، ووباء الحريات العامة، وعدوى حقوق الإنسان، ونسمات جبل قاسيون، وهبّات العطري (ميرو سابقاً) وفتحة حمص .. بما أنّ كل مَن يستمع إلى ذلك التوضيح الواضح للغاية .. قد وقف مذهولاً، لاندهاشه بتلك (الرائعة)، من روائع (سوق عكاظ) المعاصر، المنعقد في أروقة وزارة الثقافة رحمها الله (أي الثقافة)، أو في أروقة المؤتمر الحزبيّ الاستعراضيّ (طيّب الله ثراه)، أو في أي قاعةٍ من قاعات مؤتمرات الإصلاح الوطنية الداخلية أو مزاد مجلس الشعب (شفاهم الله وعافاهم أجمعين).. فإنّ (عَيْناً) آخر من مثقّفي النظام العتيد وسياسيّيه، تأخذه الحماسة، لتوضيح ما وضّحه (عَيْنٌ) الأول، بأسلوبٍ واضحٍ، بعد أن قرأ بوضوحِ حَدْسِهِ، في عيون المعجَبين المذهولين المندَهِشين.. أنّ (بعضاً بسيطاً) مما قاله زميله الواضح، يحتاج إلى (وسائل إيضاح)!.. فيقول (أي عَيْنٌ الثاني) مكملاً مفسِّراً شارحاً بالتفصيل المملّ وموضّحاً:
(لا شك أنّ سيادته، كان يقصد، لكنني للتوضيح، ودون لَبْسٍ، لا يمكن لي إلا.. فهو، لأنّ فلسطين، والجولان، والقضية العراقية، لا بل، لأنّ، كنت، قد وافقنا، بالإجماع.. ولن ننتظر، خمسة.. ستة.. عشرة!.. لا بأس، فهو إجماع، نعم إجماع!.. وعشرون مليون سوريّ وثلاث مئة مليون عربيّ، والمجتمع، لأنّ العنصرية، كما قلت، وقال، ولم يقل، ما كان قد قيل، فالقول.. لعلّ.. أنّ.. عسى!.. والعدوان على سورية هو عدوان على كل أقطار الأرض الطولية والعرضية، إلى أبعد نقطةٍ من طريق الحرير!.. ومن لم يعجبه، فليخرج إلى البحر، ثم ليشرب نصفه على الأقل، وليقطِّر النصف الثاني منه!.. لأنّ الوضوح -كما تعلمون- مثل الشفافية والديمقراطية والإصلاح السياسيّ أو الاقتصاديّ.. لا يُرى بالعين المجرّدة!.. بل بالرنين المغناطيسيّ، والطنين الديماغوجيّ، والفرجار النوويّ!.. ومَن لم يصدّق فليذهب إلى صحراء تدمر بوسيلته الخاصة، ليتحقق بنفسه من صحة نظرياتنا!.. ولسنا مسؤولين عن الأضرار، وكالعادة: لا نضمن السلامة!.. وبارك الله بكم، والعاقبة لأصحاب الحِكمة وضَبْطِ النَّفْسِ.. والنَّفَسْ)!..
ثمّ ينصرف (عَيْنٌ) الأول مع (عَيْنٍ) الثاني، إلى قاعة (العينات)، وسط عاصفةٍ من (الذهول) و(الإعجاب)، ليلحقا بركبهم (أي بركب العينات)، الذين يُعِدّون كلماتهم (الواضحة)، لبثّها عبر الأثير، إلى كلّ مكانٍ في الأرض، وأحياناً.. في بعض الكواكب الأخرى (حين توافر المترجمين الأكفياء)!..
بينما ينصرف كلّ (مذهولٍ) أو (مندهشٍ) من الحضور، ممّن شخصت أبصارهم، نتيجة استمتاعهم بفنّ (الشفافية والوضوح والتوضيح)!.. ينصرف كلّ منهم، متحسِّساً (عقلَه) هذه المرة، وليس (عُنُقَه) أو (رأسَه) كما جرت عليه العادة الوطنية، طوال سبعةٍ وأربعين عاماً بالتمام والكمال!..
* عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام