ماذا كسب جورج البهجوري
بزيارته لإسرائيل ؟
د. أحمد الخميسي . كاتب مصري
أدهشني نبأ زيارة رسام الكاريكاتور جورج البهجوري لإسرائيل وتوجهه إلي تل أبيب وضواحيها بدعوى المشاركة في معرض"رسوم كاريكاتورية من أجل السلام "، علما بأن رسامين عرب ومن دول أخرى رفضوا زيارة إسرائيل والمشاركة في هذا المعرض الذي يموه بحديثه عن السلام على الإجرام اليومي للدولة الإستيطانية . البهجوري برر فعلته بقوله : " " إن رسمة كاريكاتيرية قد تحدث ابتسامة على وجه جندي تمنعه من إلقاء قنبلة في يده " ! ولو أن مواجهة الاحتلال – أي احتلال - كانت ممكنة بهذه الطريقة لما كان علينا نحن المصريين أثناء الحروب التي خضناها سوى الاصطفاف على الحدود وإرسال النكت إلي الجنود الإسرائيليين لقتلهم ضحكا ! إنها الطريقة التي لم يكتشفها في حينه للأسف لا الجزائريون ولا الفيتناميون ولا العراقيون ولا أحد كوسيلة لتحرير الوطن. في شهر يونيو هذا الذي زار فيه البهجوري إسرائيل ، حدث أن موسيقارا لبنانيا هو وليام نصار فاز بجائزة عن " أفضل قطعة موسيقية " في مهرجان للموسيقى بكندا وقيمتها المالية ستين ألف دولار، فرفضها لأن استلامها يحتم عليه مصافحة مؤلفة إسرائيلية وقال : " إذا كان حصولي على الجائزة مرهون بشرط المصافحة إذن فلتقطع يدي ألف مرة قبل أن أضعها في يد ممثلة دولة تقتل أطفالنا كل يوم، ولا يشرفني نيل جائزة على حساب محو ذاكرتنا ودمائنا ". وأضاف الموسيقار الوطني العظيم قائلا : " لايمكن فصل الفن عن الموقف السياسي ". وقد أقدم البهجوري على تلك الخطوة غير المفهومة في لحظة متأخرة موضوعيا حين أصبح واضحا بعد ربع قرن من اتفاقيات السلام أن السلام عند إسرائيل فسحة من الوقت لمزيد من التوسع والمستوطنات، وفي لحظة متأخرة بالنسبة له شخصيا بعد أن ناهز السادسة والسبعين من عمره . ما الذي ساق البهجوري إلي ذلك؟ أليس مشهورا بما يكفي ؟ ألم يحصل في يونيو منذ عامين على جائزة الملك عبد الله الثاني للفنون في الأردن وقلده سمو الامير علي بن نايف شخصيا رصيعة ذهبية ؟ وصرح البهجوري بعدها بأن حصوله على هذه الجائزة " شرف كبير له كفنان " ؟ ثم نال جائزة الفنون في مصر؟ فما الذي ساقه لزيارة إسرائيل ؟ وما الذي أراده بتلك الزيارة ؟ . في تقديري أن العامل الرئيسي الذي دفع البهجوري لتلك الزيارة المؤسفة هو بحث البهجوري الدائم دون كلل عن المزيد من الاهتمام والأضواء أينما كانت وبأي ثمن، ومن هنا كان هجومه على صلاح جاهين شجرة الشعر والفن العملاقة التي استظل الجميع بأوراقها ، في حوار لجورج مع الأهرام العربي قال فيه : " كان صلاح جاهين يأتي إلي مكتبي في روز اليوسف متسللا ليتعلم مني رسم الخطوط وتوزيع الضوء والظل " ! أكانت شجرة الشعر والفن العملاقة تتسلل إلي مكتب البهجوري حقا ؟! ولماذا جاءت تلك الأقوال بعد رحيل صلاح جاهين وليس في أثناء وجوده الذي نشر العطر في حياتنا ؟ . لكن البهجوري لا يتهجم على فنان واحد فحسب ، فالفنانون في الحركة التشكيلية المصرية كلهم عنده " خيالهم سقيم " على حد قوله ! ولا يبقى لاستكمال الصورة سوى قول البهجوري لقناة الجزيرة في سبتمبر 2006 : " أشعر بأنني أهم فنان رسام تشكيلي في العالم العربي وبالأخص في مصر " ! ثم يعتبر البهجوري نفسه في حديث لجريدة الشرق الأوسط في نوفمبر 2004 فنانا عالميا ! ويقول : " عندي مرسم في المغرب والأردن وباريس فهي أوطاني والفنان العالمي يجب أن يكون هكذا " ! والحق أنني لم أقرأ ولا سمعت من قبل تفخيما للذات كهذا لا على لسان نجيب محفوظ ، ولا طه حسين ولا سلامة موسى ولا غيرهم من الأساتذة الكبار حقا الذين لم يضعوا أنفسهم بأحاديثهم في مكانة أعلى ، بل وضعهم التاريخ في تلك المكانة. مشكلة البهجوري هي أساسا في تلك الطبيعة النفسية التي تجعل الفنان يدور حول ذاته وحدها ، ولا يرى في الكون قضية أهم من صورته ومقدار الأضواء الملقاة عليها . لهذا زار البهجوري إسرائيل طمعا فيما يسميه هو " العالمية " ، أي المزيد من الأضواء التي لا تعني شيئا في حالات كثيرة . وبهذا الصدد يحكي الفنان عدلي رزق الله في سيرة حياته أنه التقي بالبهجوري في باريس ، وفاجأه البهجوري بقوله : " أنا سعيد بك لأنك هنا معنا الآن في باريس تبحث عن العالمية " فأجابه عدلي رزق الله : " هذه الكلمة زائفة ولا تعنيني في قليل أو كثير ".
البهجوري الذي أضحك بعض الناس طويلا ، أبكى الجميع فجأة . وقديما كتب الأديب الألماني العظيم فرانز كافكا : " الكتابة هي أن تهجر معسكر القتلة " وهو قول يصح على كل ألوان التعبير الفني .