الإعلام الغربي ودوره الحالي في تحطيم إرادة الشعب العراقي
الإعلام الغربي
ودوره الحالي في تحطيم إرادة الشعب العراقي
فما هو السبيل لإعلامنا الواعي من أجل أن يصد ويقف بوجه هذه المساعي الشريرة ؟
د. هاشم عبود الموسوي
الإعلام، لغةً مشتق من العلم ومن إيصال المعلومات .. وإصطلاحاً هو استخدام وسائل الإتصال عملياً لتحقيق هدف معنوي أو مادي وكذلك تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والحقائق الثابتة لتساعدهم في تكوين رأي ثاقب في واقعة من الوقائع وله وسائل متنوعة وهي لها تأثير كبير في عصر الطفرة التقنية الكبيرة التي حققها العالم المتقدم وأعني بذلك أمريكا وحلفائها.
وليس من نافلة القول، عندما ندعي بأن الإعلام الأمريكي له قدرات تقنية عالية وكبيرة إلى حد لا يمتلك بلداً آخر حجم تلك الإمكانات والتقنيات التي يمتلكها. ففي الولايات المتحدة الأمريكية توجد (1745) صحيفة يومية يصل توزيعها إلى أكثر من (63) مليون نسخة والصحف المسائية (387) صحيفة توزع (29.4) مليون نسخة يومياً، وحسب احصائيات مكتب التوزيع الأمريكي لعام (1990م) فإن من بين أشهر عشرة صحف أمريكية، تتصدر ثلاث صحف: "ستريت جورنال" وتوزع (1،835،713) مليون نسخة يومياً، "نيويورك تايمز" وتوزع (1،068،217) مليون نسخة يومياً، و "الواشنطن بوست" وتوزع (772،749) ألف نسخة، وعدد المجلات تصل إلى (15،000) ألف مجلة، فمجلة "التايم" توزع (4،207،638) مليون نسخة، ومجلة "ريدرز دايجست" توزع (18،000،677) مليون نسخة، ويقول بشأنها الكاتب الأمريكي "ديفيد أوجيلفي": (في رأيي لا تقل عن الوكالة الأمريكية للإعلام في جهودها لكسب العقل البشري)([1]). وكلها تسعى إلى ترسيخ مبدأ القوة والعنف وإن السيادة للأقوى مما يفضي إلى تكريس السلبية والعدوانية وتكريس التفوق الأخلاقي والمعرفي للإنسان الأمريكي و أنه البطل الذي يفيض عبقرية وحضارة، والتأثير على روح التعامل في المجتمعات العربية والإسلامية وزرع روح الهزيمة والإحساس بالضعف والقصور لديها. والإيمان بالواقع الوهمي "النمطي" على أنه واقع حقيقي، ونبذ الواقع الذهني أو الواقع الحقيقي.
وحيث تشهد الساحة الإعلامية تطوراً علمياً وتكنولوجياً كبيراً في مختلف وسائل الإتصال، فقد تم جعل العالم شاشة الكترونية صغيرة، عقب انتشار تكنولوجيا الأقمار الصناعية وشبكة المعلومات الدولية (الإنترنيت). إنها قفزة تخطّت حواجز الزمان والمكان لنشر ثقافات جديدة عبر الوسائل الإتصالية الجديدة سلبية وإيجابية بين قيم ومعتقدات مختلفة وصور يسهل إرسالها واستقبالها بل يُمكن القول أن الأشخاص في بيوتهم يمثلون دعاة لبث الرسالة الإتصالية إلى كل أرجاء المعمورة. وقد رافق ذلك متغيرات دولية ساهمت في إعادة تشكيل خارطة العالم السياسية والاقتصادية والثقافية، فظهرت كيانات سياسية واقتصادية قطعت أشواطاً في مجالات التعاون المختلة، وفتحت الحدود أمام السلع والمنتجات بما فيها المنتج الثقافي والإعلامي. فجاءت حملة شرسة ضد العرب وقيم الإسلام وعاداته وثقافاته بشكل عام .. وبما يخص العراق فقد توجهت وسائل الإعلام الغربية وعلى رأسها الأمريكية التي تمتلك التقنية الفنية المتقدمة في ترويج الصورة الذهنية والنمطية .. والتي سَعَت طوال نصف قرن إلى عَجن عقول الجماهير بواقع جديد يبتعد كثيراً عن الواقع الفعلي للشعب العراقي وصاغت لها واقعاً غير دقيق أو بلغة أُخرى واقعاً وهمياً، فغَرَزَت لدى المواطن العراقي النظرة السيئة عن قِيَمِهِ وأظهرتها بكل المعاني السلبية والشريرة في الشكل والسلوك والقيم .. وتكشف الرؤية الهادئة لردود الفعل الإسرائيلية المتحفظة عن الأحداث الساخنة في العراق عن الكيفية التي يتحرك بها الكيان الصهيوني في إطار الإستراتيجية طويلة المدى التي وُضِعَتْ قبل أكثر من قرن لاحتلال فلسطين وفق الشعار الصهيوني المُعلن (أرض إسرائيل من النيل إلى الفرات) بينما تتوالى الحكومات الصهيونية لتنفيذ هذا المخطط مهما تغيرت الأسماء والوجوه مُستندة إلى الغرب الأوروبي وإلى الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى كحليف إستراتيجي تاريخي يدعم الكيان الصهيوني بكل السُبل المالية والعسكرية والسياسية والإعلامية، وبما يخص العراق الذي يرتكز على ماضي حضاري عميق وعلى قوة اقتصادية هائلة وإرادة صُلبة يتمتع بها الشعب العراقي طوال عقود طويلة من تارريخه الحديث. فكان لابد لهذه الدوائر الإعلامية المظللة من العمل على كسر إرادة هذا الشعب بمختلف الأساليب والتأثير على سلوكه وأفعاله وعلاقاته الاجتماعية. من خلال السعي لتبديل كثير من الميول والرغبات والعادات لديه إضافة إلى التأثير على ذاكرته تبعاً للأهداف التي يريدون تحقيقها ووفق افتعال ظروف مختلفة يعيش بها الفرد العراقي، ليفقد مع الزمن إرادته الطبيعية التي هي مبدأ كل فعل يعطي الحياة وحدتها الحقيقية والتي يجب أن تكون أصل كل عمل أو مشروع . كما عليها أن تُصبح مبدأ كل عملية خلق وابتكار. بل أصلاً للأخلاق.
ففي حين يجب أن تسود الوحدة لدى المجتمع .. أصبح أن يحل محلها التفكك والتفسخ والتجزؤ .. وفي حين يجب على السلطة أنْ تتخذ شكل الرعاية الأبوية، فأنها هنا وبفعل التأثيرات الخارجية عليها والظروف المفتعله التي تحيط بها فأنها تُصبح نوعاً من الاستغلال الإجباري المفروض على الناس .. وبينما كان يسود في وطننا في عقود مَضتْ سلامٌ نسبي .. فأن الظروف التي يجب أن يعيش بها مثل هذا الشعب ذو التراث والماضي العريق، والمرتكز على قاعدة اقتصادية متينة وفق ما يخطط له يجب أن يُحاط بظروف حروب طاحنة وقتل جماعي وكأنها صفات ملازمة له لا مناص منها.
وبينما كانت تسوده علاقات التراحم، والمشاركة الوجدانية تسود بين الأقارب والمعارف، يُصبح على الناس أن يصبحوا أغراباً بعضهم عن البعض. وبينما كان المجتمع مستقراً يرتبط أفراده بالأرض والوطن، فيجب أن تتحول نظرة الناس فيه لتصبح تجارية ونفعية وأنانية، ولتصبح الحركة والتنقل هي الغالبة على رغباتهم .. وبينما كانت الفنون الشعبية والموسيقى والصناعات اليدوية تُشغل حياة وتفكير كثير من الناس .. يجب أن يتجهوا إلى تطبيق عادات وممارسات السوق .. وأخيراً يجب أن يتجرد البشر عن شخصياتهم بحيث لا يبقى لهم من هذا كله سوى تعميمات جامدة ، يلوك بها السياسي ورجل الشارع على حد سواء.
وهكذا سعى ويسعى الإعلام الغربي إلى كسر وتذويب الإرادة لدى شعبنا الذي يقف في منعطف خطير عندما يتهدد في تشويه وحدة مشاعره وغرائزه ورغباته.
فما هو السبيل لإعلامنا الواعي من أجل أن يصد ويقف بوجه هذه المساعي الشريرة والمخطط لها وفق إستراتيجيات مَدروسة ومُبيته مُنذ وقتٍ ليس بالقصير؟
([1]) د. سلام خطاب الناصري، الإعلام والسياسة الخارجية الأمريكية، دراسة في الإختراق الإعلامي الأمريكي للمواطن العربي، بغداد، 2000, ص 13-15.