ضوابط التجديد
من فهم الواقع بردّه إلى منهاج الله
د.عدنان علي رضا النحوي
من أهم القضايا التي يتدرّب عليها المسلم في مدرسة الإسلام أن يَرُدَّ ما يَخُصُّه من قضايا الواقع إلى الكتاب والسنة ، ليكون فهمه للواقع نابعاً من فهمه للكتاب والسنة كما جاء باللغة العربية .
إن فهم الواقع ضرورة لممارسة التجديد في الممارسة الإيمانية ، في منهاج الله في الواقع البشري ، وردّ قضاياه إلى منهاج الله ، وهو ضرورة ليرى دائماً آيات الله وسنته في واقع الحياة .
وقد أمرنا الله أن نردَّ هذه القضايا إلى الله ورسوله :
( يا أيها الذين آمَنُوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسول وأولِي الأمر مِنكم فإنْ تنازعتم في شيءٍ فردوهُ إلى الله والرسول إنْ كنتم تؤمنون باللهِ واليومِ الآخرِ ذلك خيرٌ وأحسن تأويلا )
[ النساء : 59 ]
نصٌ واضح حاسم بردّ الأمور إلى الله ، وذلك بردّها إلى القرآن الكريم ، وكذلك بردّها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، أي بردّها إلى السنّة .
إن دراسة الواقع من خلال منهاج الله ضرورة في حياة المسلمين ، حتى يتيسَّر لهم ممارسة منهاج الله ممارسة إيمانية صادقة تحمل معها كلَّ ما يطلبه الواقع من تجديد .
فلا تكون هذه الدراسة باباً للتفلّت من أحكام الدين بعضها أو كلها ، ولا لقبول الواقع المنحرف إلى الباطل والاعتراف به والبحث عن المسوّغات لذلك .
والإسلام يدعو إلى دراسة الواقع ووعيه دراسة منهجيّة . فلم ينزل القرآن الكريم جملة واحدة ، وإنما أُنزل مُنجّماً حسب الأحداث والوقائع ، حتى يعي المؤمنون ارتباط الواقع بمنهاج الله : ( وقال الذين كفروا لولا نُزِّلَ عليه القرآن جملةً واحدةً كذلك لنُثبت به فؤادك ورتلناهُ ترتيلا . ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) [ الفرقان : 32،33]
والمنهاج الرباني الذي يدعو الإنسان ليتفكر في السماوات والأرض ، وفي آيات الله المبثوثه في الكون ، فإنه يدعو من خلال ذلك إلى وعي الواقع وفهمه ليرى ما فيه من آيات بينات ، وما فيه من ابتلاء وتمحيص ، وتوعية وعبر ومواعظ .
والإسلام الذي يدعو المسلم إلى : التبصّر والتمييز ، وإلى أن يكون كيّساً فطناً ، وقّافاً لا يعجل ، والإسلام الذي ينهي عن الغفلة ، وعن أن يكون المسلم إمّعة ، وعن قبول الهوان ، والغسلام الذي يدعو المسلمين إلى التعاون مع شعوب الأرض على أساس من الدعوة الإسلامية والتبليغ والبيان ، فإن الإسلام بكل قواعده وأسسه وبالدعوة إلى هذه القضايا ، يَدعو إلى دراسة الواقع وفهمه .
ونرى أن الفقه في الإسلام يقوم على ركنين رئيسين هما : المنهاج الرباني والواقع ، ليقوم الرأي عليها ، وينبع منهما ، عندما يُدرس الواقع من خلال منهاج الله .
ويعرض الإسلام مصائر الأمم وتاريخ البشر ، ويعرض الحالات النفسيّة المختلفة للناس ، ويوجّه المؤمنين ، ويُحذر من أعداء الله ، وقضايا أُخرى كثيرة تؤكّد أهمية دراسة الواقع ووعيه من خلال منهاج الله(1) .
وفي الحديث المرفوع عن ابن عمر رضي الله عنه : " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم "
[ رواه أحمد والترمذي وابن ماجه ](2)
في هذا الحديث إشارة قوية إلى النزول إلى الواقع ودرسه وفهمه والصبر على ما يلقاه المؤمن من أذى ، مع الالتزام بسائر قضايا الإيمان : من حَذَرٍ وحكمة وصبر .
فدراسة الواقع برّده إلى منهاج الله ، ضرورة من أجل كل خطوة في التجديد ، ذلك لأن التجديد يراد به أن يكون في الواقع وللواقع . وعند ردّ الواقع إلى منهاج الله تبرز الضوابط الضرورية للتجديد ، وترسم الحدود والمساحات له .
وتعمل الضوابط التي نعرضها كُلّها : ضوابط الإيمان والتوحيد ، وضوابط منهاج الله ، وضوابط الواقع الذي يفهم من خلال منهاج الله ، لتضبط عمليات التجديد .
يختلف الواقع وقضاياه بين رجل لا يردّه إلى منهاج الله ، ولكن إلى النظريات الشيوعية أو العلمانية أو الحداثية أو إلى هواه ، وبين من يردّ الواقع إلى منهاج الله ردّاً أمنياً . ولا يتحقق الردّ إلى منهاج الله إلا إذا استوفى المسلم صفاء إيمانه وصدق علمه بمنهاج الله .
من كتاب " التجديد في الفكر الإسلامي " للدكتور عدنان علي رضا النحوي
(1) د.د. عدنان النحوي ، دور المنهاج الرباني في الدعوة الإسلامية ، الباب السابع : المنهاج الرباني ودراسة الواقع .
(2) أحمد ، المسند : 5/365 ، الفتح : 19/170 ، الترمذي ك 38/55/2507 ، ابن ماجه : 31/20/4054