دراسة موجزة
دراسة موجزة
عن التمدد الإيراني في المنطقة العربية،
أهدافه، آلياته وسبل إيقافه
محمود أحمد الأحوازي
[email protected]
ليس
جديدا الحديث عن التدخلات والتمدد والتوسع الفارسي الإيراني في المنطقة، سواء كان
ذلك قبل الإسلام أو في أي فترة أعادت فيها الإمبراطورية الفارسية أنفاسها بعد فترة
ضعف أو احتلال تعرضت لها. وبدأت تجاوزات الفرس على جيرانهم منذ تأسيس إمبراطوريتهم
قبل أكثر من 25 قرن، بعد خروجهم من " حكمتانة باتجاه الجنوب، حيث بنا كورش،
إمبراطورية فارس على أنقاض الحكم الآشوري في عاصمة العيلاميين، مدينة السوس
التاريخية الأحوازية، التي دمرتها جيوش فارس تدميرا كاملا ولم ينجى من هجومهم حتى
الرضع. أيضا احتلت الجيوش الإيرانية العراق الفعلي قبل الإسلام، و وصلت إلى لبنان
الفعلية على سواحل البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى تغلغلها في اليمن ومسقط في
حقب تاريخية أخرى، وكانت تحتل منطقة القوقاز وأفغانستان و وصلت جيوش نادر شاه
الفارسية إلى الهند و هي تحتل اليوم عدة مناطق للبلوش والأكراد والأذربيجانيين
والتركمان واللر بالإضافة إلى الأحواز العربية، يضاف لهذه الشعوب، احتلال أكثر من
96 جزيرة عربية في الخليج العربي، والساحل الشمالي للخليج بأكمله، وأخيرا وليس آخرا
احتلت إيران الجزر الإماراتية الثلاث أبو موسى والطنبين الكبرى والصغرى، وبالنهاية،
توسعها وتغلغلها المتواصل في العراق وسورية ولبنان وفلسطين ودول عربية أخرى، شاهد
أمام أعيننا اليوم.
ومن
أجل ان نتمكن من تسليط الضوء بشكل أفضل على سياسة التوسع الإيرانية اليوم، نكتفي
بهذا القدر من الإشارة الغاضبة لماضي سياسة إيران في المنطقة، وبدون الدخول في
تفاصيل التجاوزات الإيرانية تاريخيا وهي كثيرة، نتحدث عما تقوم به إيران اليوم من
تمدد وتوسع، وما تحمل هذه التجاوزات من مخاطر على الأمن القومي العربي وعلى مستقبل
الدول العربية وهويتها، وذلك بالتعرف على أهداف هذا التوسع وآليات تنفيذه.
في
متابعتنا لسياسة التمدد الإيرانية خلال الأعوام الأخيرة، نشاهد أن التدخلات
والإحتلالات الإيرانية التاريخية، كانت تغطي في كل فترة تاريخية، مساحة محدودة حول
حدود فارس، أو حول حدود الإمبراطورية الفعلية، وهي مازالت تضم لكيانها أراضي شعوب
عدة مثل ما اشرنا سابقا، لكن اليوم نشاهد ان سياسة التوسع الإيرانية تجاوزت جيرانها
وتجاوزت المنطقة، وتحركت باتجاه أفريقيا وجنوب شرق آسيا والصين وأوروبا وابعد من
ذلك، وهي تستخدم كل ما لديها من وسائل وآليات لتنفيذ هذه السياسة، وعلى رأس كل
وسائلها وآلياتها، المذهب ألصفوي الذي اتخذته في ظل المذهب الشيعي ومحبة شعوب
المنطقة لأهل البيت والعترة النبوية، غطاءا لأهدافها التوسعية القومية الفارسية،
حيث جندت لهذا الغرض عشرات الآلاف من رجال الدين والاستخبارات، بالإضافة إلى رصدها
لمليارات الدولارات سنويا، ميزانية لهذا التوسع.
وتدير اليوم التمدد الإيراني نخبة قومية- صفوية بواجهة إسلامية، ماسكة بخيوط هذا
التغلغل في طهران وبعض بؤر نفوذها في المنطقة، وخصوصا العراق ولبنان وسوريا والدول
الخليجية، حيث تحرك عناصر هذه القواعد المذهبية بأي اتجاه تشاء، مع توفير كل ما
يحتاجه هذا التحرك من مال ومستلزمات عمل. الدوائر التي تدير هذا التوسع، سواء كانت
متمركزة في طهران أو في مناطق أخرى، يسير على إستراتيجية محددة، تنقلها القيادة
الإيرانية من مرحلة إلى مرحلة، غطاءها الفعلي في ظل الجمهورية الإسلامية، هو
الإسلام، تغذيه بـ شعارات معادية للأمريكان ولإسرائيل وتظهر بمظهر المناصر
للمحرومين، لكسب ود الشارع العربي والإسلامي. و بالشعارات الإنسانية والإسلامية
المعسولة وبالمال، تتحرك إيران في العالم، وخصوصا في المنطقة العربية غير الصديقة
لإسرائيل وللغرب، تجذب بهذه الشعارات مناصرين لها، و تزود بها عناصرها، تنقلهم
تدريجيا للمشاركة الفعلية في سياسة التغلغل والتمدد القائمة. بهذه الإستراتيجية
وبهذه الوسائل والأساليب تمكنت إيران من جذب مجموعات كثيرة من المناصرين، تحولوا
تدريجيا إلى عناصر شيعية صفوية وفية للنظام الإيراني ولولي الفقيه خلال فترة تدريب
وتسليح فكري ومذهبي منظمة، وهم اليوم أصبحوا جزءا من آليات هذا التغلغل، والعراق
وجنوب لبنان والبحرين وسورية والكويت نماذج لهذه البؤر، بالإضافة إلى النفوذ
الإيراني في بعض التجمعات السنية أيضا، مع فارق ان التجمعات الصفوية الشيعية تدخل
في إستراتيجية الأهداف الإيرانية، لكن التجمعات السنية تدخل في أهداف تكتيكية مؤقتة
للتخريب والقلاقل فقط.
وسياسة إيران هذه التي تبدأ بالتبشير الطائفي ألصفوي الممزوج بالدولار والريال في
كل بلد عادة، لم تنتهي بالتدخل المذهبي وبناء بؤر سياسية-مذهبية فقط، بل تتجاوز ذلك
للسيطرة الثقافية والاقتصادية، بعد تخريب النسيج الاجتماعي والمذهبي للمجتمع
المستهدف تدريجيا، ومن ثم بناء ما تريد بنائه في الاقتصاد والثقافة والسياسة على
أنقاض ما هدمت، أي بمعنى آخر، تقوم بانقلاب هادئ، شامل في ذلك البلد حيث يتغير فيه
كل شيء ليسير في الدائرة الإيرانية الفارسية ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وطبعا
ديموغرافيا إذا تمكنت، وبالنهاية وبعد السيطرة الكاملة عليه، مثل ما حصل في العراق،
يصبح مستبعدا إمكان انفلات الصيد من بين مخالب إيران ويصبح كل شيء من اقتصاد وسياسة
وثقافة ومال وإعلام بيدها، تحرك الخيوط في البلد بواسطة عملائها من بين المسئولين
الذين شتلتهم في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وبواسطة من نصبتهم في الدوائر
الحساسة، و بذلك تجعل من كل بلد تحصل على فرصة التمدد فيه، تجعل منه تابع لمشتقها
الفارسي، أسيرا، اقتصاديا وسياسيا، مثل ما حصل في العراق، حيث أصبح هذا البلد
العربي بعد النفوذ الإيراني، أصبح يدور في فلك إيران حكومة وبرلمان وقضاء ومراجع
ومراقد واقتصاد وثقافة وأمن ومليشيات/ لا بل وأدخلت بعض من المستعربين القدامى إلى
القبائل العربية ليتحدثوا بالنيابة عنها، والتومان أصبح يتداول مثل الدينار
العراقي، وتنتخب الناس أسماء فارسية لأطفالها.
ويساند في تنفيذ هذا كله، عشرات ومئات الآلاف من الفرس الذين تنقلهم إيران إلى
البلد المستهدف، تحت غطاء تعاون اقتصادي وثقافي وسياسي ومساندة مذهبية وزيارات
وفندقه ورجال دين و........
وبنيت هذه الإستراتيجية الإيرانية في عهد الخميني، وبدأت إيران تنفيذها في السنة
الأخيرة للحرب الإيرانية العراقية بعد فشل تحركها الأولي لتصدير الثورة بالقوة
وبانقلابات تحت شعار تحرير القدس يمر من كربلاء"، أي بعد تحرير كربلا"، وهذه الخطة
كانت هي الخطة البديلة الأهم لشعار: حربا حربا، حتى النصر!" جنك جنك تا بيروزي!".
البدء في هذه الخطة كان العامل الأهم لقبول الخميني "كأس السم" الذي تجرعه في قبوله
لقرار مجلس الأمن الخاص بإنهاء الحرب الإيرانية- العراقية عام 1988، حيث تقرر حسب
هذه الخطة التي كان مهندسها، هاشمي رفسنجاني الذي كان يترأس البرلمان وقتها، وترأس
الجمهورية بعد البدء بتنفيذها من 1989 حتى 1997، وقد عين عام 2002 رئيسا لمجلس
تشخيص مصلحة النظام.
وتطبيقا لهذه الخطة، تقرر ان تتخذ إيران هذه الإستراتيجية وتنفذها بمشاركة كافة
الأجنحة السياسية الإسلامية المشاركة في السلطة وبمناورات سياسية ذكية تلعبها هذه
الأجنحة المختلفة، ليبراليين إصلاحيين، محافظين متشددين، ويساريين إسلاميين، وبهذا
تقسمت المسئوليات وتقبلت الأجنحة التناوب على السلطة لتنفيذ الغرض، وبدأ التطبيق
داخليا وخارجيا، حيث بدأ وحسب الخطة تطوير ترسانة الأسلحة، العمل على الحصول على
التكنولوجيا اللازمة لتخصيب اليورانيوم، الوصول إلى الماء الثقيل والتطور
التكنولوجي في مجال الصناعة العسكرية، قمع و إزاحة أي معارضة داخلية يمكن تعارض هذا
التوجه الذي ستنتج عنه ضغوط اقتصادية على الشعوب مستقبلا، وفي نفس الوقت بناء قواعد
مذهبية صفوية في مناطق مختلفة من المنطقة، مزودة بالمال والسلاح ومسلحة بعقيدة
ولاية الفقيه من اجل النفوذ العقائدي والسياسي في المنطقة. كل هذا كان يتم في إطار
سياسة هادئة خارجيا، باللعب على ورقة عداء الشعوب لإسرائيل وأمريكا، والظلم الذي
وقع فيه الشعب الفلسطيني اثر الاحتلال الإسرائيلي والمساندة الأمريكية غير المشروطة
لها. وسارت السياسة الإيرانية بهدوء غير مسبوق في بداية تنفيذ هذه الخطة، نظرا لضعف
القوة العسكرية الإيرانية والحصار الذي طبق على إيران بسبب شعاراتها الثورية
الأولى، وبعد هروب 5 ملايين إيراني إلى الخارج، بينهم كثير من العلماء والعقول
والأثرياء الذين كانوا يمتلكون رأس المال ويمولون المشاريع الاقتصادية الكبرى.
واتخذت الإجراءات لتنفيذ هذه الخطة على مراحل، داخليا، بدأت إيران ببناء البنية
الدفاعية والهجومية للحرس الثوري المنفذ القادم لمعظم هذه الخطة، حيث أصبح الحرس
الثوري الإيراني يمتلك مصانع إستراتيجية ضخمة ومعقدة ويدير مؤسسات وشركات كبرى في
تجارة النفط والغاز والبتر وكيماويات والسلاح والتكنولوجيا والإلكترونيات وغيرها،
كما واشتد قمع المعارضين لهذا الاتجاه الذي سيتسبب مستقبلا لهزات اجتماعية بسبب
التدهور الاقتصادي الذي سيحصل في مرحلة الانتقال من اقتصاد الخدمات إلى اقتصاد
للعسكرة ولبناء القوة اللازمة لتنفيذ الخطة، ولازم هذا اتخاذ السياسة وصفت
بالعقلانية في العلاقات مع الخارج لإعطاء فرصة لبناء الترسانة التسليحية داخليا و
التقلقل المدروس في المنطقة من خلال الركوب على موجة عداء شعوب المنطقة للسياسة
الأمريكية والإسرائيلية، وبناء قواعد قوة شعبية، وكسب مناصرة قوية في دول المنطقة
على هذا الأساس، وفي الوقت نفسه حاولت إيران ان تكسب ود الدول الأوروبية والصين
وروسية بعقود اقتصادية ونفطية كبرى وطويلة الأمد، وهي تعمل في نفس الوقت على ترميم
علاقتها بجيرانها وبالمجتمع الدولي وكسب تعاطفه خلال الفترة الأولى من البناء
الداخلي والخارجي هذا. وقام الإصلاحيين بعد هاشمي رفسنجاني بأخذ دورهم في هذا
الخصوص بشكل جيد حيث قاد خاتمي البلاد وحسن وجه إيران في الخارج عموما، وبدول
المنطقة خصوصا. وانتقل الإصلاحيين لإكمال هذه الخطة في الوقت الذي كانت الجهات
المحافظة وغير الإصلاحية في الحرس الثوري، كانت تعمل ليل نهار لتنفيذ الخطط
الموضوعة، والانتقال بإيران إلى مرحلة الخروج بها كقوة إقليمية عظمى، بترسانتها
التسليحية المتطورة وبنفوذها الإقليمي الطائفي والمذهبي والسياسي واستقلال الأوراق
المهمة في هذا الخصوص على رأسها القضية الفلسطينية.
وغيرت إيران من خططها للنفوذ في المنطقة بتغيير اتجاه سياستها من مناصرة التجمعات
والجبهات الإسلامية عموما، إلى التوجه إلى النقاط العربية الإستراتيجية، حيث ابتعدت
عن مساندة الحركات الإسلامية في الشيشان و كشمير والفيليبين والصين وتركية
والتنظيمات والحركات الإسلامية الأخرى التي أسستها أو ساندة نضالها بعد استقرار
الثورة مباشرة، وبنت علاقات ودية جدا مع الصين الشيوعية و مع روسيا التي كانت
تتهمها بإحتلال أراضي إيرانية في زمن القياصرة، وتركت الحركات الإسلامية وشأنها،
وساندت أمريكا على ضرب طالبان، كما ساعدتها في احتلال العراق بعد ما عملت كثيرا
لتأسيس قوة مشاركة مهمة في البلدين مثل حزب الوحدة الشيعي في أفغانستان والمجلس
الأعلى الإسلامي وقوات بدر وحزب الدعوة وحزب العمل الإسلامي في العراق وحزب الله في
لبنان والجهاد الإسلامي والى حد ما حماس في فلسطين، حيث تمكنت إيران من جانب،
الحصول على مساندة روسيا والصين وبعض الدول الغربية في تقوية بنيتها التسليحية
والنووية والصناعية، ومن جهة أخرى تقلقلت بقوة في بعض البلدان المجاورة بالنفوذ في
تجمعاتها الشيعية وتنفيذ سياسة التخريب من الداخل وبناء المؤسسات والتجمعات
والمراكز التي تخدم مصالحها مثل المراكز الثقافية، الحسينيات، إرسال المبلغين
والمبشرين، توزيع الأموال، تأسيس مراكز تدريب وتأهيل لهذه التجمعات داخل إيران،
ومعسكرات تدريب لها في الخارج وإدخال كثير من عناصرها في مراكز القرار والنفوذ
بمساندة كثير من رجال الدولة والسلطة في البلدان المستهدفة مقابل مساندتهم ماليا
وسياسيا للوصول للسلطة.
واستخدمت إيران لتنفيذ إستراتيجيتها هذه أوجه عدة و وسائل متعددة، حيث اختلفت آليات
إيران الأولية للتغلغل من مكان إلى مكان، لكن لن تختلف أهداف تغلغلها ولا نتائجه،
حيث سارت كل أوجه التدخل وكل وسائله وآلياته والتنقل في مراحله باتجاه الوصول
بالنهاية إلى الهدف النهائي، وهو السيطرة الكاملة إذا تمكنوا أو شبه الكاملة إذا
كانت هناك معوقات وهذا يرتبط بقوة النفوذ في البلد المستهدف وإمكان التوغل فيه.
هذه
الإستراتيجية نفذ معظمها في العراق، حيث وصلت الأمور هناك إلى النصب والعزل
والتواجد الفارسي على رأس هرم السلطة، مضاف لهذا إدخال عدد كبير من الفرس الذين
أصبحت لهم مسئولية كبيرة في السلطة الحاكمة. و تدخلت إيران هناك في الأمن السياسي،
وأصبح لها تواجد مؤثر في الجيش و الشرطة، وسيطرة عناصرها على بعض الوزارات المهمة
مثل النفط والاقتصاد وعلى بعض المحاكم المهمة و الحوزات الشيعية في النجف وكربلاء
وفي كثير من مراكز القرار وحتى في الحياة اليومية للشعب العراقي. وانتقل التدخل
الإيراني في العراق من عبء اقتصادي على إيران بداية، إلى تأمين التغطية العراقية
المحلية لتدخلها من جهة، ومن جهة أخرى، نهب جزء من الثروة النفطية، والحصول على
أرباح كبيرة من تجارة السلع والأدوية والمواد الغذائية ومن عائدات نقل الكهرباء
والمنتجات البترولية وغيرها للعراق بعد تخريب كل مصانعه وتفكيكها ونقل قطعها
لإيران، حيث أصبح في الوقت الذي يعاني العراقيون فيه من النقص في الأدوية والمأكل
والمشرب وتهدمت كل بنيتهم التحتية نتيجة التخريب اليومي لكل شي/ أصبحت إيران تحصل
على المليارات من الدولارات من نهب الثروة العراقية من النفط المسروق ومن السيطرة
على الاقتصاد العراقي بأكمله وهذه الأموال بدأت السلطات الاستفادة منها لتوسيع
نشاطها في المنطقة، حيث يعرف السوريون اليوم الدور الذي تلعبه عائلة الحكيم في
سورية في نشر الفكر ألصفوي في مناطق نفوذ خاصة بها.
وستستكمل إيران تنفيذ نفس الخطة في سوريا، حيث وصل النفوذ الإيراني في سوريا إلى
مراحل متقدمة وبأسلوب مختلف جزئيا حيث ان تدريب وتجهيز الكوادر اللازمة لهذا التوسع
في سوريا لم يتم في إيران مثل ما حصل مع العراقيين، بل تمكنت ايران من فعله على
الأراضي السورية نفسها، بعد ما مكث محمد حسن أختري السفير الإيراني في سورية لمدة
12 عام وهو مستشار خامنئي ومسئول جمعية أهل البيت الصفوية، اكبر جهاز للتوسع ألصفوي
المذهبي لإيران في العالم.
وتشيع عدد كبير من العناصر القيادية في سوريا وفي حزب البعث نفسه خلال هذه الفترة،
وبذلك أصبحت هذه العناصر تعمل لصالح إيران، حيث عمت الحسينيات كل المحافظات، يديرها
الآن المئات من رجال الدين والاستخبارات الإيرانيين تحت خطاءات مختلفة، وعمل المركز
الثقافي المعروف بـ "المستشارية"، كثيرا في سورية, حيث أصبح له دورا مؤثرا في الوضع
الداخلي السوري مذهبيا وثقافيا وسياسيا، هذا بالإضافة إلى تجنيس أعداد كبيرة من
الإيرانيين في سوريا وهم يمتلكون الفنادق والعقارات والمصانع الصغيرة والكبيرة.
أيضا أصبح التومان عملة مستعملة في بعض المناطق من سورية ودمشق خصوصا، وأصبحت سيطرة
واسعة للتجار الإيرانيين وللأموال الإيرانية في الاقتصاد السوري وفي مجالات متعددة
مثل صناعة السيارات، مولدات الكهرباء، المياه، الزراعة، وأكثر من ذلك أصبحت تديره
أيادي إيرانية وتنشطه بنوك إيرانية مثل بنك صادرات، وهذا بالإضافة إلى جعل سورية
منطلق استراتيجي للتحرك المذهبي-ألصفوي والثقافي والسياسي الإيراني باتجاه عشرات من
الدول في المنطقة، عربية وغير عربية.
أما
لبنان، فمازال حتى الآن خيوطه يمسكها الإيرانيون في سورية وخصوصا السفير السوري
الفعلي سيد احمد الموسوي، نائب رئيس الجمهورية الإيرانية والمستشار الأمني للرئيس
وللبرلمان الإيراني و المركز الثقافي المعروف "المستشارية"، حيث يقوم النشاط
الإيراني هناك على تشييع السوريين وإرسالهم إلى لبنان بعد حصولهم على جنسيات
لبنانية، وهذا أصبح أمرا شائعا في سورية ومعروفا لدى الكثيرين, حيث يستخدم هؤلاء في
لبنان في الدخول في حزب الله والعمل في لبنان كمواطنين لبنانيين برأيهم وحضورهم
الشيعي، أو يرسلون إلى أفريقيا وأماكن أخرى لمتابعة مشاريع حزب الله اللبناني
بالنيابة عن إيران، أو ينتقلون إلى إيران، للتدريب والدراسات الجامعية على حساب
السلطات في إيران..
ولن
يتوقف التوسع الإيراني بالنفوذ في العراق وسورية ولبنان فقط بل هو مستمر على خطى
ثابتة في معظم الدول العربية في الخليج العربي وفي اليمن وتونس والمغرب والجزائر
وجيبوتي والسودان وفلسطين، حيث ان الدول العربية ونظرا لما تقصده إيران في محو
الهوية العربية للمنطقة، هناك عمل دؤوب يجري فيها، لكن بدرجات مختلفة حسب الأولويات
وإمكان النفوذ.
وتمثل الهوية العربية للمنطقة، أهم أهداف الخطة هذه للنفوذ في العالم العربي حيث ان
النظام الإيراني بتوسيع نفوذه المذهبي- ألصفوي في العالم العربي، يستهدف عزل مكونات
كل دولة عربية عن بعضها بشكل يسهل له مستقبلا خلق البؤر اللازمة فيها للنفوذ مثل ما
حصل في العراق حيث قسمت ايران العراق إلى عرب وأكراد أولا، وشيعة وسنة ثانيا، وشيعة
فارسية وشيعة عربية ثالثا، وبالنهاية مناصر لإيران ومعادي له من الشيعة العرب
رابعا. أما في لبنان، فهناك الطوائف وهناك الأحزاب المختلفة التي سهلت لإيران
العملية كثيرا حيث اصبحت ايران تناصر بعض التجمعات المسيحية على حساب بعض التجمعات
السنية والشيعية، وتساند بعض التجمعات السنية على بعض التجمعات الشيعية، وهذا ما
سيحصل مستقبلا في سوريا بين العلويين والدروز والسنة والمسيحيين من جهة وبين
الأكراد والعرب من جهة أخرى، كما وستكون مستقبلا هناك فئة فارسية أيضا يسير بناء
مقوماتها على قدم وساق. وهذه التقسيمات موجودة في الكويت بين الشيعة والسنة وعرب
وفرس، وفي البحرين والإمارات يوجد نفس الخليط، وفي مصر هناك المسلمين والأقباط من
جهة والعرب والفراعنة مثل ما تتحدث الأدبيات التوسعية الإيرانية عنها. ويوجد نفس
الخليط في فلسطين و البحرين والإمارات العربية المتحدة واليمن والمملكة العربية
السعودية وهناك بؤر فتنة افريقية-عربية ومسيحية-إسلامية في السودان وجيبوتي وجزر
القمر و...........وفي هذه الإستراتيجية الهوية العربية مستهدفة بكل مكوناتها وليس
بلغتها فقط، بل مع كل ما تحمل من تاريخ وجغرافيا وثقافة
وتراث وأهمية بشرية وثروة مادية..
1ــ
تأسيس 20 جمعية محلية في الدول "المناسبة" من الناحية السياسية والاجتماعية.
2ــ
إقامة العديد من المخيمات الثقافية والتعليمية في إيران للتعرف على الثقافة
الإيرانية ــ الإسلامية وزيارة مختلف المراكز العلمية والثقافية والدينية
والسياحية، حيث تم إقامة 20 مخيم ثقافي لحوالي 1000 شخصية من جمهورية أذربيجان
وماليزيا ومدغشقر والباكستان وبريطانيا والبحرين والسعودية وألمانيا وبلجيكا
وهولندا وكينيا ودولة الإمارات وتركيا .
3ــ
تقديم الدعم للتجمعات الشيعية والمنظمات المدنية المدافعة عن حقوق الشيعة وإجراء
دراسات شاملة عن وضع الشيعة في مختلف أنحاء العالم والاهتمام بمشاكلهم بما فيهم
أولئك في العراق وتونس والمغرب وتنزانيا والنيجر وبوركينافاسو وغينيا كوناكري وجزر
القمر ومدغشقر والسودان والجزائر وسيراليون وكينا.
4
ــ إنشاء و إقامة المساجد والمراكز الدينية مثل الحسينيات بصفتها مراكز تجمع عشاق
أهل البيت وإقامة المراكز الثقافية ورياض الأطفال والمدارس والحوزات العلمية
والمستوصفات بالإضافة للملاعب الرياضية. وعلى سبيل المثال فقد تم إنشاء مسجد الإمام
علي (ع) في بانكوك، ومسجد إمام الزمان (ع) في مقاطعة (سين كيانغ تشين) في الصين
وحسينية فاطمة الزهراء (ع) في سنغافورة ومسجد الزهراء(ع) في مدغشقر ومسجد وحسينية
الزهراء(ع) في تونس ومسجد المصطفى في جنوب إفريقيا ومسجد الإمام علي (ع) في قرغيزيا
ومسجد الإمام علي (ع) في أفغانستان ومدرسة الإمام الباقر (ع) في منطقة هيلمند في
أفغانستان وجامع غلغيت في الباكستان والقسم الداخلي لمدرسة الإمام الباقر (ع) في
منطقة كشمير والقسم الداخلي لحوزة فاطمة الزهراء (ع) العلمية في الباكستان.
5ــ
تأسيس لجنة تتألف من 70 شخصية من أعضاء الجمعية العامة والناشطين الشيعة والمسئولين
من منظمات حقوق الإنسان بالإضافة إلى المتطوعين والحقوقيين وذلك بهدف الدفاع عن
حقوق كافة الشيعة في مختلف أنحاء العالم وإيصال صوتهم إلى منظمة الأمم المتحدة
ومنظمات حقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية.
6ــ
تأسيس الجمعية العامة للنساء المنتمين لأهل البيت (ع) والتخطيط لإقامة فروع للجمعية
في الدول المختلفة. وقامت هذه الجمعية حتى الآن بإقامة العديد من الاحتفالات
والمناسبات ومراسم العزاء والمؤتمرات في داخل وخارج البلاد. وكل ذلك بهدف تعزيز
الصحوة لدى المرأة المسلمة والأطفال والناشئة.
وبهذه المناسبة أقيمت 10 مخيمات تعليمية خاصة بالنساء الأجنبيات والأطفال والناشئة
في الجمهورية الإسلامية. وكذلك إقامة 8 معارض ثقافية وفنية خاصة بقضايا المرأة
والأطفال، وتوزيع العديد من الكتب والبرامج الإسلامية والدينية، وتزويد المكتبات
بالكتب الخاصة بأهل البيت في خارج البلاد، وإقامة أكثر من 230 ندوة علمية وثقافية
ودينية وإصدار ثلاثين عددا من الشهرية الخاصة بشؤون المرأة والطفل، وتقديم الدعم
لأكثر من 4000 طالب وطالبة من الشيعة الأجانب المقيمين في إيران، بالإضافة إلى
تقديم الدعم المادي والمعنوي للمراكز والجمعيات الشيعية المعنية بشؤون المرأة
والطفل في الهند وتنزانيا وسيريلانكا ولبنان وأذربيجان والبحرين وتركيا وأمريكا
والعراق وأفغانستان.
7ــ
القيام بإصدار ونشر 434 كتاب لتنمية النشاط الفكري للناشئة والشباب للتعرف على
مبادئ المذهب الشيعي وعشاق أهل البيت (ع) وإرسال 2/1 مليون كتاب إلى 24 دولة،
وتتضمن كتب مثل المصحف الشريف ونهج البلاغة والصحيفة السجادية وتاريخ الإسلام
وأفكار الإمام الراحل (ره)" والمقصود هو الخميني" بالإضافة إلى كتب الأدعية
والزيارات وتعليم الصلاة للأطفال، كما تم إنشاء حوالي 400 مكتبة في مختلف أنحاء
البلاد وأكثر من 600 مكتبة في العراق بالإضافة إلى العديد من المكتبات في أفغانستان
وأنحاء أخرى من العالم.
8ــ
إقامة العديد من الاجتماعات والندوات ومراسم تكريم العديد من الشخصيات العلمية
والدينية الشيعية بهدف تعزيز المعتقدات والشعائر الإسلامية، حيث تم استضافة أكثر من
2000 طالب من باكستان وألمانيا وآذربايجان في دورات تعليمية في إيران للعمل كمبلغين
في بلدانهم.
9ــ
افتتاح مواقع الكترونية وغرف دردشة باللغتين العربية والانجليزية بهدف التعرف على
الثقافة والمذهب الشيعي والرد على الشبهات ضدهم بالإضافة إلى افتتاح مركز التعليم
العالي لمذهب أهل البيت (ع) بهدف تربية الكوادر اللازمة التي تعمل للترويج للمذهب
الشيعي في مختلف أنحاء العالم.
10ــ تشكيل لجنة إعلامية فنية بهدف وضع التمهيدات اللازمة لافتتاح قناة الثقلين
الفضائية وهي قناة شيعية وسيكون مقرها المركزي في طهران وتبث عبر الأقمار الصناعية
لكافة أنحاء العالم، وتبلغ كلفة المشروع 30 مليون دولار يتحمل المجمع العالمي نسبة
50% من التكلفة والبقية يتطوع بها الخيرين.
11ــ التمهيد لإقامة اتحادات للصحفيين والحقوقيين والأطباء والمؤلفين والفنانين
الذين ينتمون لأهل البيت
وشارك في الاجتماع هذا للجميع العامة للمجمع أكثر من 600 شخصية شيعية، حيث قدموا من
أكثر من 110 بلد إسلامي وغير إسلامي. وأردف أختري: وتشكلت خمسة لجان خرجت من هذا
الاجتماع للأمور التالية: لجنة الشؤون الثقافية والاجتماعية، لجنة الشؤون
الاقتصادية، لجنة الشؤون السياسية والحقوقية، وكذلك لجنة خاصة بشؤون العراق ولبنان
ولجنة شؤون المرأة ودورها في المجتمع.
وفي
مقابلة له وردا على سئوال طرحه احد الصحفيين عن هوية الأعضاء المشاركين في هذا
الاجتماع قال الأمين العام للمجمع: سيشارک فی هذا الاجتماع كل أعضاء الجمعية
العامة, من النخب الشيعية في العالم ومن بينهم رموز معروفة علمياً وثقافياً,
وسياسياً, على الصعيد الحكومي والمؤسساتي.
ويغنينا هذا التقرير من أي شرح أو تعليق على سياسة السلطات الإيرانية الفعلية
وتوجهاتها التوسعية، حيث يعرف معظم المتابعين ما نفذ من هذه الخطط حتى الآن في
الدول العربية والإسلامية ولا يسع هذه المتابعة المتواضعة ان تسلط الضوء على كل هذه
التحركات وكل النشاط الإيراني في كافة الدول العربية على انفراد ونترك ذلك لوقت
آخر، وننتقل لما يمكن فعله الآن لإيقاف تمدد الإمبراطورية الإيرانية وتوسعها حيث من
الضروري ولو بإسهاب تتم الإشارة للسبل الممكن اتخاذها لمواجهة هذا الخطر، خصوصا في
المنطقة العربية، وإيقاف تحركاته باتجاه جيرانه العرب من الدول الصغيرة.
لمواجهة هذا الخطر، طرحت بعض النظريات المختلفة حتى الآن لبعض المفكرين
والإستراتيجيين من العرب، نظريتان هما الأكثر تداولا من كل ما طرح حتى الآن، الأولى
تدعوا لتبني سياسة المشاركة والعمل على إستراتيجية مشتركة مع إيران، التي يوصفها
صاحبي هذه الفكرة بالجارة المسلمة، ويطرحون بدل مواجهتها، الاستفادة من قوتها
لمواجهة الأخطار التي تحدق بمصالح الأمة العربية، ولمواجهة التعنت الإسرائيلي،
والتجاوزات الأمريكية في المنطقة، وهذه أطروحة تتبناها بعض النخب العربية اليوم من
قوميين ويساريين وإسلاميين. أما النظرية الثانية والتي يتبناها عمدة المفكرين
الليبراليين العرب وأصدقاء الغرب، وهذه خلافا للأولى، تدعوا للعمل مع الدول الكبرى
وخصوصا أمريكا والإتحاد الأوروبي لمواجهة الخطر الإيراني سواء كان ذلك بتحجيم القوة
الإيرانية عسكريا، أو بواسطة أحلاف أمنية وعسكرية لمنع أي تجاوزات مستقبلية لإيران
على حدود هذه الدول أو بالعمل على الاثنين.
أما
المجتمع الدولي فهو الآخر له موقفين رئيسيين يتصدران كل المواقف الأخرى، ألرأي
الأول والذي تقوده أمريكا معها أوروبا وكندا واستراليا وكثير من دول العالم، وأعمدة
هذه الإستراتيجية مبنية على التركيز على منع تطوير التكنولوجية النووية لإيران
وإيقاف تدخل إيران في شؤون الدول الحليفة لهم، وتشترط قبول إيران لهذه الإستراتيجية
حتى تحسن هذه الدول علاقتها معها وتطورها. أما النظرية الدولية الثانية يطلقانها
الروس والصينيين الذين لا يمانعون من حصول إيران على التكنولوجية النووية مادامت
هناك ضمانات لعدم تجاوزها الاستخدام المدني، ولا تهمهم كثيرا تدخلات إيران في
المنطقة حيث يرونها ضرورية أحيانا لمواجهة التدخلات الغربية وتدخلاتها في المنطقة.
لكن
المصلحة العربية، وسلامة أراضي الدول العربية المجاورة لإيران وضمان الاستقرار في
المنطقة لا تضمنها هذه النظريات لو طبقت، لا النظريات التي يطلقها بعض المفكرين
والمحللين والإستراتيجيين القوميين واليساريين العرب، حيث انها لا تضمن أبدا إيقاف
التمدد الإيراني، بل وبالعكس تعطي فرصة ذهبية لإيران ولتمددها في ظل تحسين العلاقات
مع العالم العربي مثل ما حصل في سورية، ولا تضمنها النظريات التي يطلقها
الليبراليين العرب الذين يتصورون ان العمل مع أمريكا والغرب عموما سيمنع مستقبلا
التدخلات الإيرانية في المنطقة، والسبب وراء عدم فاعلية هذه النظرية أيضا يأتي بسبب
الأهداف الإستراتيجية للحليف الأمريكي والغربي من مواجهتها لإيران والفرق بين
إستراتيجيته الغربية والإستراتيجية العربية لمنع التمدد الإيراني، حيث يستهدف الغرب
من هذه الإستراتيجية، منع إيران من التخريب على خططه في النفوذ في المنطقة ونهب
ثرواتها، أما العرب فيهدفون في إستراتيجيتهم منع التدخلات المذهبية والسياسية
والاقتصادية في شؤونهم وحتى التجاوزات الجغرافية الإيرانية لأراضيهم يريدون إيقاف
خطر عدم الاستقرار السياسي والتشنجات الطائفية والتخريب في النسيج الاجتماعي في
بلدانهم، وهذه الإستراتيجية لا تدخل في أولويات الإستراتيجية الأمريكية التي يهمها
بالدرجة الأولى ان تتفق معها إيران على أهدافها في المنطقة، وهذا يمكن ان يحصل بين
الطرفين الإيراني والأمريكي مستقبلا دون الاهتمام بالمصلحة العربية والخطر الموجه
للوجود العربي والهوية العربية من قبل إيران، لا بل وبالعكس، يمكن ان يساند الغرب
هذا التوجه الإيراني، حيث انه يتفق جوهريا مع التوجه الغربي لتضعيف الدور العربي في
المنطقة وخصوصا منع خطط وحدة العمل العربي للدفاع عن المصالح المشتركة له مثل ما
حصل في عام 1973. والخطر الإيراني يختلف بين ما يهدده للغرب وما يهدد في المنطقة،
حيث إن الخطر الإيراني يهدد المصالح المادية والنفطية الغربية في المنطقة فقط وليس
الكيانات الغربية، لكن إيران بالنسبة للعرب، خطرا على مصالحهم وكياناتهم وهويتهم في
آن واحد. أي بمعنى اصح خطر على مستقبل المنطقة العربية كلها بكل مقوماتها وعلى
هويتها العربية.
لكن
عدم فاعلية هذه الأطروحات وعدم جدوى الحساب عليها لحل هذا المعضل، لا يعني أبدا ان
ليس هناك سبل أخرى لمنع التوسع الإيراني، وإيقاف أخطاره على الأقطار العربية. بل
هناك سبيل مهم، بل وهو الأهم، وهو الأكثر فاعلية، وهو الضمان الحقيقي لمنع أي تدخل
إيراني فارسي مستقبلي في المنطقة، وهذا الحل هو اكبر سلاح يمكن ان يواجهه إيران
مهما جمع من سلاح وقوة اقتصادية وقدرة في النفوذ الطائفي-ألصفوي، ومهما خزن من
ذخائر وصنع من طائرات وسفن حربية وغواصات ومن أسلحة فتاكة. هذا الحل، هو اللعب على
ورقة الشعوب والقوميات في إيران.
مثل
ما يعرف الجميع، إيران بلد متنوع الأعراق، لا ديمقراطية ولو صورية موجودة فيه مثل
ما موجود في بعض الدول الإقليمية، حيث يجتمعان هذان النقطتان، الأولى وهي وجود 62%
من الشعوب غير الفارسية في إيران، الشعوب التي تستهدف صلب الإمبراطورية وهم
متضامنين اليوم لتفكيكها، والثاني هو تحرك الشعب الفارسي نفسه من اجل مواجهة
الدكتاتورية والمجيء بالديمقراطية، خاصة وان التيارات السياسية للشعب الفارسي
معظمها أصبح متفهم لفدرالية إيرانية تضمن بعض الحقوق للشعوب، بعد ما قوى عود
التنظيمات القومية غير الفارسية وقامت هذه التنظيمات بعمل مشترك للاستقلال عن
إيران. واجتمعتا هاتان القوتان على نقطة واحدة، هي إسقاط النظام الفعلي والخلاص
منه، وهذه هي أهم آلية بيد العرب اليوم، إن أحسنوا التعامل معها ومن استخدامها ولو
بشكل غير رسمي وعن طريق مؤسسات مدنية وإنسانية فقط، وعلى الطريقة التالية:
الشعوب التي ترزح للاحتلال الإيراني والتي تتطلع للخلاص، أصبحت لديها اليوم الأحزاب
والتنظيمات القادرة على القيام بثورة في مناطقها المحتلة، لكن ما ينقص هذه الشعوب،
بالدرجة الأولى هو عدم تضامن العالم معها وعدم قدرتها على الحصول على ما يخدم
أهدافها للخلاص والاستقلال عن إيران. وما تحتاجه هذه الخطة، هو الدعم المالي ، وهذا
يمكن ان يؤمنه صاحبي المصلحة في المنطقة بشكل سري بواسطة المؤسسات المدنية،
والإسناد العالمي الإعلامي والسياسي في المؤسسات الدولية عموما. هذا ما على العرب،
صاحبي المصلحة في تفكيك إيران ان يعملوا عليه للوصول لهدف إضعاف إيران وبالنهاية
إنهاء خطورتها، حيث في هذه الخطة النتيجة ستكون واحدة من الاثنين، أما انسلاخ هذه
الشعوب من إيران وإيجاد طوق حديدي غير صديق للفرس حول فارس في موطنهم الأصلي في قلب
إيران وإبعاد الدول المجاورة عن خطر إيران إلى الأبد، أو المجيء بفدرالية إيرانية
هشة، يكون للشعوب غير الفارسية فيها دور مؤثر، يمنع أي توسع مستقبلي للفرس في
المنطقة.
من
الشعوب، الشعب الأحوازي يمتلك أكثر من 87% من ثروة إيران ودخله الوطني وعدد نفوسه
يتجاوز الثمانية ملايين من الحدود العراقية إلى مضيق هرمز،منهم خمسة ملايين نسمة في
الأحواز الأم وثلاثة ملايين على السواحل الأحوازية للخليج العربي، وهذه القوة
يمكنها ان تقوم بخنق إيران اقتصاديا، بإيقافها لتصدير النفط وتكريره والسيطرة على
مراكز التصدير والاستيراد في أهم موانئ إيران الفعلية في المحمرة وعبادان ومعشور
وبوشهر وبندر عباس وكافة الموانئ الصغيرة على السواحل الأحوازية على الخليج
كالعربي، وهي اكبر قوة اقتصادية وإستراتيجية مؤثرة لأي تغيير مستقبلي بسبب موقعها
الجيوسياسي، وهذا يعني التوقف الكامل للاقتصاد الإيراني و إيقاف أي نشاط عسكري لها
مثل ما حصل في ثورة الشعوب عام 1979، خاصة وان النظام الفعلي في حالة كهذه لم يحصل
على أي مساعدة من جيرانه لسببين، الأول وجود الشعوب الأخرى غير الفارسية التي تناضل
من اجل الخلاص في إيران على كافة الحدود والسبب الثاني بسبب عدم وجود أي صديق
لإيران في المنطقة بسبب تدخلات إيران وسياسته التوسعية والتخريبية في المنطقة.
في
هذه المواجهة بين الأحوازيين وإيران، هناك الشعب الأذربيجاني وهو يشكل أكثر من 40%
من نفوس إيران أي ما يعادل 28-32% وبيده "بازار طهران" الذي يمتلك معظم الثروة
والاستثمار والدولار، الشعب الكردي ولديه تنظيمات عمرها تجاوز الستين عام والذي سبق
لهم إعلان جمهورية مهاباد عام 1946، وعدد نفوسه يتجاوز الستة ملايين نسمة، الشعب
البلوشي الذي حمل السلاح من فترة طويلة وله تنظيمات مقاومة عجز النظام الفعلي من
صدها مع كل ما استعمل من وسائل قمعية، وأيضا هناك الشعب التركماني والشعب أللري
وتجمعات أثنية أخرى يبحثون جميعا عن سبل للخلاص من السيطرة الفارسية على مقدراتهم
وهذا بالإضافة إلى الأقليات المذهبية وعلى رأسهم الأقلية السنية التي يتجاوز عددها
الـ 15% في إيران.
نأمل ان يستثمر العرب هذه الفرصة ويستغلوها في وقتها الفعلي الذي تحركت فيه الشعوب
في إيران للخلاص، ليتخلصوا والى الأبد من هذا الخطر الذي إن بقي، بالتأكيد سيكلف
العرب الكثير الكثير وهو قائم دون زوال ممكن بواسطة الحصار والتهديدات من الخارج،
بل وبالعكس هذا يسهل له عملية القمع لأي تحرك داخلي، ويضمن له السيطرة على الأمور
داخليا، ويعطيه فرصة أفضل للتوسع
عن
موقع سورية الحرة