وصيّة أمًّ لابنها
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
تدور المحادثة التالية بين أم تربت على العطاء والحنان , ومد اليد للضعفاء والمحتاجين , والوطن همها فأعطته أعز ماتملك في الدنيا
زوجها وفلذات أكبادها
ولم يبق عندها إلا ختم المسك في حياتها
فخاطبت ابنها الباقي توصيه
يابني :ولدتك في هذا البيت وعلى أرض هذا الوطن الممتد
فأمامك طريقين:
طريق النجاة من جحيم الحاكم المستبد
فلتكن كالحرباء في تلونها ,لكل بيئة تصطبغ بلونها
وكالأفعى في ملمسها ,والسم في أنيابها لمن تجده حجر عثرة
كالزئبق بلونه الأبيض الجميل , والمناسب لكل قالب يحتويه
ابعد عن الألوان الثابتة , الأبيض يثير الإنتباه لكل ذرة له لون مغاير
والأسود يثير الإنتباه لكل بقعة تقع عليه تنم عن الخير
فالرمادي يستوعب الكثير من الألوان
إن وجدت في قولك تقربا فقله
وإن أجدت مدحا بغير موضعه فتعلم إلقاؤه
وإن وجدت صدقا فعبر عنه بعدم الإكتراث , وتقليل شأن قائله
اهتف مع الجموع , وابتعد عن المجموعات الشاذه
لاتنطق شيئا يوافق فطرتك
ولا تحبذ رأيا يوافق تلك الفطرة
صفق للهزائم وخسران وضياع الأرض وهيبة الوطن
واحزن للنصر إن وجد هناك نصرا ما , في زلة ما من زلات الحاكم , وحتما لن تجد
فقد يكون ذلك اختبارا لمن لايوافق رأي الحاكم , والذي وُجد للهزائم ليعرف سريرة البقية المخفية
إنسى كل جريمة . وتعامل مع الواقع
يهمك المقام والتقرب من السلطان
والغاية تبرر الوسيلة
مكيافيلي اخترع تلك المقولة
والحكام جعلوها دستورا
فذاك الملك العربي المستبد كان لاينام قبل قراءة جزءٍ أو أجزاء من ذلك الكتاب, فهو دستور الحكام كلها عندنا
فاحفظه عن ظهر قلب , واجعله في عقلك قولا وتطبيقا
قد يعود إليك وخزة ضمير
قد يعود إليك تأثير بعض جيناتك المكتسبة من أباك الذي ذهب ولم يعود
أو يختلط تأثيرها بجينات مع شقيقتك التي رفضت حياة العبيد
أو أخوك وابن عمك وابن خالك وبعض الأصدقاء القريب منهم والبعيد
فخاطب نفسك دائما حتى تنسى تأثيرات من هذا القبيل
يانفسي ليس لك إلا نفسي , مالي ولأشخاص قد حملوا مباديء وهمية ,لاتعبأي بالماضي , فواقع الحال هو الحال وأنا مع واقعي أعيش
يابني, لن أثقل عليك أكثر
لن ينفعك الشموخ وجيبك مخروم
ولن يفيدك بأنك بطل , وتقضي أيامك في السجون
ولن تفيدك حبل المشنقة , إن وقفت ضد الطاغوت
شعارك شعار الحاكم , ومنطقك منطق الحاكم
ولونك لونه
عندها ستكون من النجوم
والطريق الثاني:
أن ترث الجيناة كلها من والديك وإخوانك وأخواتك
وأن يكون عندك الضمير معفي من كل إجازة
وأن تفرق بين الألوان
وتكره الحرباء والأفعى
هذا أبيض وهذا أسود , والرمادي مكروه عندك
لك لون ثابت ووجهة ثابتة ,ولست بحبة عدس
تذكر من المقام الخير فيه وتثني عليه
وتنبذ الشر فيه , وتبحث عن البديل
لايكفي نقدك للشر أنه شر , ولكن يجب أن تجد البديل
فلا تبخل على نفسك في بحث ومراقبة شرورها
لأنك لست معصوم
ولا تبخل على وطنك بمال أو نفس أو دم
إن كان الحاكم مستبدا فلا تصمت
فالصمت هنا يكون الدمار للكل
ولا تجعل الهزيمة نصرا
ولا النصر آخر حلم
فبعد النصر جهاد أكبر يابني
اجعل من قضوا دفاعا عن كرامة وحرية الوطن
تاجا لك مرصعا بالجواهر والزمرد والتي صنعت من الدم
لاتقل عن شيء ذلك واقع لامحالة
ولا تقل رضيت بواقعي وسياسة الواقع , وليس لي يد في الأمر
لاتستصغر من شأنك أبدا
ولا تقلل من تأثيرك أبدا
وصارع الباطل دائما
الحياة لن تكون لك أبداً
وهي تمر عليك مرة بالعمر
فاقتنص فيها كل خيرٍ
وابعد فيها عن كل مذمة
ولا تبالي بمن فضلوا الصمت
واجعل القرآن الكريم في قلبك وعقلك
ولن أجبرك على الإختيار
ولكن سأذكرك بآية كريمة من كتاب الله عز وجل يقول فيها:
(وقََدِمْنا إلى ماعَمِلوا مِنْ عملٍ فَجعلناه هباءاً منثورا)
الفرقان (23 )
صدق الله العظيم