بيت الثقافة
يسري الغول
تظافرت الجهود لتشكيل مؤسسة أو حاضنة غير رسمية لاحتواء الصحفيين بغزة تحت مسمى بيت الصحافة، وصارت محط الصحفيين ولقاءاتهم. وبيت الصحافة يمثل مجهودات شبابية غير رسمية حسبما أعلم. وعلى غرارها تقوم جالريهات متنوعة، منها الفني والثقافي ولكنهما لا يقومان مقام المؤسسة الثقافية الحقيقية لأنهما في الغالب بألوان محددة ومواقف واحدة. وهذه التجمعات مع الحاجة لها، إلا أننا بحاجة لبيت ثقافة وازن يجمع المثقفين على اختلاف توجهاتهم وألوانهم. فبعد الانقسام –للأسف- لم تعد المؤسسة الرسمية محط كثير من الكتاب والأدباء لاعتبارات الانقسام السياسي، وإن كنت أتمنى أن يكون مثقفي غزة أكثر نضجاً ووعياً في مواجهة الظروف الحاصلة، وأن تكون أصواتهم تصالحية ووحدوية لا يحكمها راتب أو علاقات فردية عابرة. ولكن يبدو أن المحنة التي تمر بها غزة أكبر من الأدباء والمثقفين كلهم. وعليه فلا بد من حاضنة تؤسس لشراكة وتعاون بين الجميع، لا لون سياسي لها ولا غطاء حزبي يحكمها؛ فحينها من الممكن أن يتم استعادة جزء من الوشائج بين الأطراف المتخاصمة. من خلال لقاءات وأمسيات تجمع الألوان كلها، تحاور بشكل عقلاني ومهذب لصناعة أرضية من الحوار وللوصول إلى نتائج تصب في خدمة المشهد الثقافي الذي انزوى بسبب الانقسام. فالأدب الفلسطيني لم يعد كما كان سابقاً، حيث لم يعد هناك محمود درويش أو سميح القاسم أو توفيق زياد أو غسان كنفاني أو جبرا جبرا، بل هناك أدباء يبحثون عن مكان في زمن اختلفت فيه المعايير والمواقف، واختلف فيه الأسلوب واللغة الحوارية والسردية، فالعولمة التي اجتاحت العالم غيرت المفاهيم والتصورات والمواقف والآراء، لكنها للأسف توقفت عند بلادنا، ففي فلسطين أصبحت أعمالها تؤسس للانقسام والقتل وتحميل الاتهامات، في حين أنها صارت تحاكي قضايا الإنسان في عصرنا الحديث وما بعد الحداثة.
إننا بحاجة لبيت ثقافة، يكون ضمن تكويناته جاليري للفنون البصرية والفن التشكيلي والمسرح وصالون أدبي لقراءة الأعمال الإبداعية ومتابعتها ونقدها وتقويمها، وصالون لتبادل الكتب ومناقشتها. نحن بحاجة لبيت ثقافة يستطيع أن يستثمر العلاقات الكبيرة مع فلسطين بدُور النشر العربية والعالمية لنشر الأعمال الإبداعية والترويج لها من خلال معارض الكتب. وكذلك العمل على ترجمة الأعمال المهمة لإيصال صوت المضطهدين في بلادنا وحكايتنا مع المحتل والحروب الغاشمة التي تقلت ودمرت.
نحن بحاجة لبيت ثقافة يتواصل مع العالم من أجل عقد إقامات أدبية وفنية لأدبائنا الشباب لإتمام أعمالهم في الخارج، فالسفر كان وما يزال أحد أهم روافد الأدب لدى كثير من الأدباء العالميين والعرب. وهذا للأسف غير موجود في فلسطين إلا من خلال التواصل الفردي.
إن بحاجة لبيت ثقافة حقيقي يؤسس لشراكة بين المجتمع ومثقفيه، وبين المثقفين جميعاً باختلافهم توجهاتهم الفكرية والسياسية.