الثقافة الجنسية من منظور إسلامي

(2)

عدنان عون

[email protected]

 لم تعد الأمم والشعوب ــ مع ثورة المعلومات والاتصالات ــ بمنأى عن تأثير العولمة والغزو الثقافي، خاصة وقد اتخذت هذه العولمة وسائل أكثر إثارة وتشويقاً، وجندت الفضائيات فنحت منحى أكثر عبثاً وإباحية حين روجت لأفكار غربية، وثقافات دخيلة، مما جعل بعض القيم والفضائل تتوارى، على حين تتبختر الرذائل دون حياء ولا وجل·· كما غابت من واقعنا اليومي كلمات العيب·· والعار·· والفضيحة·· وصار شعار: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" تصرفاً ملموساً·

وقد شجع هذا وذاك ما تنادت به مؤتمرات دولية وعالمية، تشجيعاً للعولمة وترويجاً للثقافات باسم الحرية والإبداع·· وما وضعته من قوانين تحمي حقوق الإنسان والمرأة، وتدعم الحريات، لتتمكن العولمة بكل أبعادها من عبور القارات، وغزو العقول والنفوس·· ونصرة لذلك قام دعاة التحرر وفلاسفة الضلال بنشر مقالات ظللوها بقداسة علمية تحرض على الفاحشة وتؤكد على عدم ضررها، حتى اعتبروا (منع الزنا ونكاح المحارم) من مخلفات الإنسان البدائي، وسخافات العقلية الرجعية·

ثقافة بلا قيود

 واليوم ونحن نشهد تسارع حركة التطور، نرى أنه لم يعد بمقدور الإنسان أن يعيش بعيداً عن عصره مع هذا الانفتاح الثقافي ، كيف وثقافة الجنس تلاحقه في عقر داره؟ وإذا كان ذلك كذلك فما بدٌّ من التأكيد على ثقافة جنسية رشيدة، تتبناها العقيدة، وتحوطها الأخلاق كي تحمي الإنسان من غوائل العولمة، وآثار الثقافة الجنسية غير المقيدة ولا سيما وأن للجنس، إذا انطلق بلا قيود، آثاراً خطيرة ليس على الإنسان فحسب وإنما على المجتمعات والحضارات·

يقول الكسيس كارليل: "عندما تتحرك الغريزة الجنسية لدى الإنسان، فإنها تفرز نوعاً من المادة تتسرب بالدم إلى دماغه وتخدره، فلا يعود قادراً على التفكير الصافي"·· ويقول توينبي: "إن سيطرة الجنس يمكن أن تؤدي إلى تدهور الحضارات"·

وهذا رئيس الولايات المتحدة الأميركية جون كنيدي يطلقها صرخة تحذير خطيرة ينقلها صاحب الثورة الجنسية فيقول: "إن مستقبل أميركا في خطر، لأن شبابها مائع منحل غارق في الشهوات، لا يقدر المسؤولية، الملقاة على عاتقه·· وأن من بين كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين، لأن الشهوات التي أغرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية"،  وصدق معلم الإنسانية الخير (صلى الله عليه وسلم)

إذ يقول: "ولم تظهر الفاحشة في قوم قط يعمل بها علانية، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم"· وحسبك من ذلك (الايدز) فكم فتك وكم رَوَّع؟!

نظرة إسلامية

والإسلام وهو يعترف للإنسان بحاجاته ونوازعه، لا ينكر ولا يحتقر نداء العاطفة والجنس، بل يشرع له ما يناسب طبعيته ويحقق مطالبه، دون (أبيقورية) تطلق له عنان اللذة حتى تجعلها هي أساس الأخلاق·· ودون (رواقية) تقيد حريته وتطالبه بأن يكون مثالياً، يكبت غرائزه، ويتناسى عواطفه· ومن ثم لا يحول بينه وبين إشباع غريزته ما التزم ضوابط الشرع وقواعد الأخلاق، وأنه كلما أفرغ طاقته الجنسية إفراغاً طبيعياً في محضن الزوجية، كلما امتد عمر الحب والعلاقة بين الزوجين، وأثمرت خير الثمار، طمأنينة روح ، وسكينة نفس، واستقرار حياة·· ومن ثم فالزواج هو الفطرة الإنسانية، وهو الملاذ الآمن والصحي للعلاقة الزوجية·

ويؤكد ذلك د· فريديريك فيقول: "إن الزواج هو الطريق الصحيح لتصريف الطاقة الجنسية، وهو الحل الأوحد والجذري للمشكلة الجنسية"·

فلا عجب أن يحرص علماء التربية والأخلاق في الغرب، على ضرورة التربية الإيمانية وقاية للمجتمع من الرذيلة والجريمة·· يقول ديننج: "بدون الدين لا يمكن أن تكون أخلاق، وبدون أخلاق لا يمكن أن يكون هناك قانون"·

لا حياء في الدين والعلم

وقد آن الأوان ــ ونحن نعيش هذا الواقع ــ أن تجد الثقافة الجنسية الرشيدة والهادفة آذاناً صاغية لدى الآباء والأمهات، ولدى المسؤولين والتربويين، ولدى العلماء والمجتمع·· آن الأوان لحوار هادف صريح يعتمد الايمان والعلم والأخلاق، ويتبنى تأصيل ثقافة جنسية هادفة وواعية تحصن شبابنا ومجتمعاتنا من ثقافات دخيلة، وأفكار هدامة، وإباحية خطيرة·

وفي منهج الإسلام الحل والدواء "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"·

إن الإسلام وهو دين ينتظم كل شؤون الإنسان والحياة، ليرعى الإنسان في كل مراحل عمره، ويأخذ بيده إلى منابع ثقافة رشيدة، وتربية واعية ففي صغره يعمله الإسلام آداب الاستئذان والنظر، حتى لا تقع عينه على صور تأباها الفطرة السليمة "وعين كفّت عن محارم الله" إحدى عيون ثلاث لا تمسها النار·

ثم إذا بلغ سن المراهقة حماه وجنبه كل ما يثير غرائزه الجنسية، فإذا أدركه الشباب علمه آداب العشرة والاتصال الجنسي وهيأه للزواج، فإذا عزم عليه أرشده إلى كل ما من شأنه أن يمكن العلاقة الزوجية ويدعم مودتها ومتعتها

إن الإسلام ليعلمه مقدمات الاتصال الجنسي بدءاً من التحريض العاطفي بكلمات هامسة، وقبلات حارة، ومداعبات مثيرة، وانتهاءً بالاتصال الجنسي الذي يقوم على التروي كيما يشبع كل من الزوجين شهوته وحاجته من الآخر

 إن الإسلام يريد العلاقة الجنسية علاقة شريفة طاهرة يحتضنها زواج يقوم على الشرع والأخلاق·· ونحن إذ ندعو إلى تأصيل مثل هذه الثقافة الواعية، وتلك التربية الهادفة لنتساءل: أيهما أجدى نفعاً لشبابنا ومجتمعاتنا أن نتعدهم بمثل تلكم الثقافة الأصيلة المرتكزة على قيمنا وأخلاقنا، أم نتركهم نهباً لتلكم العولمة وهاتيكم الثقافات الغربية والدخيلة والتي لم يعد أمامها حصون ولا أسوار·

ألا فلنحرص على ثقافة واعية وتربية هادفة، تبعد شبابنا عن غربة العصر وتحول بينهم وبين الانجراف وراء إباحية مغرية، وإثارات شائقة·