العقل العربي والموروث المعرفي

علاء الدين أحمد درغام

[email protected]

الإنسان - في العصر الراهن – هو الإنسان الذي يمتلك في طياته الأفكار ، المعلومات المعرفية و الموروثات الثقافية ؛ لا الإنسان الذي يمتلك الموروث الديني والعقائدي . هو الإنسانية، كل ما تتضمن الكلمة من المعنى المادي و المعنوي.

اليوم، يُقيَّم الفرد بكمية المعرفة التي يبنيها في شخصه، لا بكمية المال أو طبقته الاجتماعية التي ينتمي إليها. ما الفائدة من إنسان مؤمن متدين لا يفقه شيئاً من ما يرتله ليل نهار من نصوص وأناشيد دينية. من إنسان يغلق أمام عقلة وفكره الباب المعرفي.  

إنّ هذا الفرد المنغلق لا يبني في شخصه غير الحقد الناتج عن التخلف والجهل الثقافي المعرفي، كما يُقيِّم الآخرين من حوله بالكفر لا بالفكر ؛ هذا الضرب من البشر يكوِّن ضباباً اجتماعيا ، أي حاجزاً بينه وبين الآخرين ، على سبيل المثال ، المجتمعات العربية تعيش حالةً من الاضطراب الذهني نتيجة هذه الطريقة المتبعة في التفكير .

لقد توصل الغرب إلى الحداثة في الأفكار والتحديث بوسائل الاتصال و التواصل، – نحن العرب – ننعتهم بالكفر و الضغينة ، دون أن نطرح أمام أعيننا سؤال " كيف " :

-                   كيف توصل هؤلاء إلى هذه الإحداثيات ؟

-                   كيف بنوا مستقبلهم الذي يُسمى "العصر الحديث"؟

-                   كيف أنشأوا هذه المعارف الثقافية الضخمة ؟

كيف و كيف وكيف........؟!

صدقت العرب حين قالت :" أن الرجل -الإنسان- ثلاث ضروب : الأول هو الرجل، الرجل الذي يعلم ويعلم أنه يعلم ، الثاني هو الرجل، نصف الرجل الذي يعلم و لا يعلم أنه يعلم، أما الأخير فهو الرجل، لا الرجل الذي لا يعلم و لايعلم أنه لا يعلم ."

أما نحن فمن الضرب الثالث الذي تحدثت عنه العرب ، لأن الإنسان العربي يقبع في مستنقعات الجهل ولا يعلم ذلك ، بالأحرى يعلم بمسكنه ولا يريد تغييره . لذلك تستخدمنا أيدي الإستعمار الحديث –أي الإستعمار الثقافي الغربي- كأحجار الشطرنج تلغي منا من تشاء ، وتنصّب علينا من تشاء .

 

المثقفون العرب:  

يعيش المثقفون العرب اليوم ، حالةً من الخمول ، هم ورثة الماضي، يتغنون بالأمجاد الغابرة، ويستخدمون أسلوب الرجاء "لو" دائماً . هذا الإسلوب المستخدم من قبلهم لا يقدم للإنسان العربي غير التأخر الذهني المعرفي الثقافي .

بينما مثقفو الغرب، أخذوا النظريات العربية التي نشأت في القرون الوسطى ودأبوا على تطويرها حتى توصلوا إلى العلوم الحديثة والمعاصرة التي ترتكز عليها أنظمتنا المعرفية والثقافية خاصةً، والعالم عامةً .

يجب طرح –بالخط العريض- سؤالاً أمام هؤلاء الذين يدّعون الثقافة ، أين نحن من هذه النظريات المحدثة ؟!

الجواب : نائمون

بالطبع، نائمون عن هذه التطورات والتصورات الحديثة ، لأننا نأخذها وناتبعها ، لكن نجعلها مخبأةً في توليفاتنا الدماغية أو بين دفتي دفاتر ذكرياتنا .

الصحيح ، أن نأخذ هذه النظريات ونجددها ونطورها بما يناسب بيئتنا ولغتنا وأدبنا، ليكون لدينا شخصيتنا التي تدل علينا –نحن العرب- حيث لكل أمةٍ هويتها التي تعتز بها ، من الخطأ الفكري أن نأخذ تجربة غربية ( فرنسية ، بريطانية ...) ونطبقها على مجتمعاتنا وفكرنا وثقافتنا مباشرة ، لأن لكل أمةٍ ثقافتها الخاصة والثقافة اليوم هي الهوية الحقيقية للإنسان .

هنا يكمن دور المثقف العربي في أخذ هذه النظريات –دون أن يتبناها- ويعمل على بلورتها بما يوافق ثقافتنا العربية، كما لا ينتهي دوره، من ثمّ يطرحها على القارئ العربي بزيّها الجديد .

القارئ العربي:

كذلك الأمر ، نواجه مشكلة كبيرة مع العقل العربي أي القارئ ، حيث توجد هوة واسعة، وعلاقة جافة بين الإنسان العربي والكتاب؛ في المقابل نجد المواطن الغربي يقطع الأميال والكتاب في يده، لعلمهم أن الوقت من ذهب ، فلا يتركون لحظةً واحدةً دون الإفادة منها ، كأنهم سمعوا قول الإمام علي بن أبي طالب (ك) :"خير جليس في الأنام كتاب".

للأسف ، نحن أبناء قوم محمد (صلعم) لا نريد أن نقرأ، والله عزّ وجل أول كلمة أنزلها على عبده كانت "اقرأ".هذه المشكلة تتفاقم بشكل سريع ، لأن المرء العربي يُعلّم التكفير لا التفكير ، وينصح بدراسة قشور الدين دون دراسة جوهر الدين .

في هذا السياق ، يظهر لنا أننا أمة "اقرأ" بالكلمة لا بالفعل ، فعلينا تحفيز أولادنا على القراءة والمطالعة لنرتقي بمجتمعنا العربي. لكل مشكلة أسبابها ،وأسباب مشكلة القارئ العربي جمة تتضح في سببين مباشرين :

أولاً : غياب الفكر التربوي وظهور الفكر الأصولي الداعي إلى قطيعة ما هو جديد والرجوع إلى ما هو قديم من المنحى الديني. أي أن نرجع إلى ما قبل التاريخ ، يضرب الإنسان حجرين ليشعل ناراً ، وقراءة الماضي مع نسيان الحاضر والمستقبل الذي ينتظرنا، أو المستقبل الذي لن يأتِ مع هذه الفئة .

ثانياً : المدارس التربوية التي تعلم أبنائنا ، ندخلهم في أعلى المدارس تعليماً وتربيةً أي الإرساليات ، وهذه الأخيرة تعلم فلذة أكبادنا اللغات الأم بالنسبة إليها (الفرنسية ، الانكليزية ، الايطالية ) وتبتعد كلّ البعد عن اللغة الأم للطفل العربي ألا وهي العربية. فينشأ الطفل لا يفقه شيئاً من لغته سوى اسمه وعندها يشعر –بالتأكيد- بالهوة بينه وبين الكتاب العربي .

قال الشاعر عمر أبو ريشة :

" لا يلام الذئب في عدوانه                إن يكُ الراعي عدو الغنم"

فالإنسان العربي هو الراعي العدو بعينه ولا يلام الغرب في غطرسته وهيمنته واستعماره عبر أخطبوطه الثقافي والمعرفي .

إذ أردنا أن نعيد حساباتنا ، وقررنا النهوض ، وإزالة الغبار عن مجتمعاتنا يجب أن ندرك مكامن الخطأ و الصواب لمعالجتها، أياً كانت كلفتها المادية و المعنوية، كما صدقت العرب حين قالت :"الإعتراف بالذنب فضيلة" فالإعتراف هي نقطة الإنطلاق نحو السمو بالمجتمع والأبناء .