معركة (داحس والغبراء) الفضائية!

حسين العفنان ـ حائل الطّيبة

[email protected]

(1)

(معركة داحس والغبراء الفضائية)

***

قنواتُ الشّعرِ العاميّ الفضائيةُ

فِتنةُ اليَومِ ..!

أتتْ ـ وإن غفلت ـ بِلا جُهدٍ عَسكريّ ، وَلا تخَريبٍ أَجنبيّ ، تُتممُ خُطواتِ الكَريهِ الهَالكِ ( وليم ويلكوكس ) ، وتظهرُ العُقولَ الجاهليةَ ، وتنهبُ أموال الغِرار ، لتزلزل أسس وَطننا الإسلاميّ وهُويته التي فَنيتْ في بنائها أرواحٌ طاهرةٌ وأنفسٌ ماجدةٌ..

أتتْ بِلسانٍ عَجميّ جَاهليّ ، يَتنكبُ الوَحيَ الوَضاءَ ، والتَّشريعَ الحَكيمَ ، وَيناصبُ العَربيةَ الكُرهَ ، وَيزرعُ في دُروبِ الأُخوةِ الإِسلاميةِ التّشتتَ والتّدابرَ والتّخلفَ..!

أتتْ بعصبيةٍ مُنتنةٍ لتحرقَ بِنارها أرواحًا سمتْ وترقتْ فِي مدارجِ (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، (لا فضلَ لعربيِّ عَلى عَجميّ ، ولا لأسودَ عَلى أبيضَ إِلا بالتَّقوى) ، ( دَعُوها فَإنّها مُنتنةٌ) ، وغيرِها مِن النُّصوصِ المُقدسةِ المعظمةِ ..

يقولُ المفكرُ العَلامةُ أنورُ الجُندي ـ رَحمهُ اللهُ تعَالى ـ : إنّ دَعوةَ الشّعرِ العَامِي كُلهُّا تَستهدفُ الفُصحى وتستهدفُ البيانَ العَربيّ ، ودعاتُها يبطنونَ مَفاهيمَ خَطيرة وَخلفياتٍ ضَالةٍ تحملُ أهواءَ التغريبِ والشُّعوبيةِ..( الشبهات والأخطاء الشائعة في الفكر الإسلامي ، ص 245)

ويقولُ ـ رَحمه اللهُ تعالى ـ :

لقدْ أَلغى الإسلامُ أفضليةَ القَبيلةِ والعنصرِ والدّمِ ، بِكلِّ أبعادِها وقلبَها رأسًا عَلى عقبٍ ، وَأظهرَ صُورةً جَديدةً ، هِي ( الأخوة الإسلامية) ولكنّ قُوى النُّفوذِ الأجنبي تحُاولُ تجَديدَ إِحياءِ الصِّراعِ بَين المسلمينَ ، وإحياءِ القبلياتِ ، وَإثارةِ العُنصرياتِ ، وَإحياءِ الفِرعونيةِ وَالفَينيقيةِ والبَربريةِ..(حقائق مضيئة في وجه شبهات مثارة ، ص : 83)

فمالنَا إذنْ !!

أنخربُ بُيوتَنا وقلوبَنا وعقولَنا بأيدِينا وأموالِنا؟!

قِيلَ لأحدِ البُسطاءِ الجَاهلينَ : لم تصوتُ لهذا الشّاعرِ بمالٍ سَتسألُ عَنه أمامَ رَبّكَ ؟!

فقالَ لأثبتَ للناسِ أنّ قبيلتِي قادرةٌ عَلى قولِ الشّعرِ وأنّه ليسَ وقفًا عَلى (هؤلاء...) وَسماهُم بازدراءٍ ، وكأنّ بينَه وَبينهُم دَمٌ قَدْ طُلَّ..

فليتَ هذا المالَ المصبوبَ بِلا حِسابٍ ، كانَ في تلمسِ حَاجاتِ أقاربِهم ، الذينَ قَد غَضّهم الفقرُ وشلّ حياتَهم !!

يا عقلاء..!

لا جماعةَ ولا قوةَ ولا سلطةَ ولا مكانةَ في عالمِ الأقوياءِ للمتشرذمينَ المتنكرينَ للغتِهم ودِينهم..!

(2)

( ازددْ فِقها بخطرِ الفكرِ العاميّ)

لا بأسَ بالعاميةِ في سُبلِها الضّيقةِ ، بينَ النّاسِ معَ أهلِيهم وأصاحِيبِهم ، وفي أسواقِهم و أنديتهِم ، ولا ضررَ مِنها ـ كَما يقولُ الأستاذُ الكبيرُ د.مرزوق بن تنباك ـ لأنهّا ليستْ فِكرًا ولا هوى ولا مَوضعَ تَقديرٍ وإعجابٍ لديهم ..(انظر : الفصحى ونظرية الفكر العامي ، ص 113)

لكنّ البأسَ والشّناعةَ حِينَ تكونُ فكرًا يستعمرُ منابرَ الفُصحى ـ كَما يحدثُ الآنَ ـ

ويطردُها مِن دروبِ التّعليمِ وسَاحاتِ الإعلامِ ، ويخنقُ أنفاسَها وأنفاسَ أصحابِها..

وخطرُ الفكرِ العاميّ لا يحيطُ باللغةِ العربيةِ دُونَ أهلِها، بلْ هوَ مَصدرٌ قويٌّ لتمزيقهِم إلى أممٍ ودولٍ بعددِ لهجاتِهم و عامياتِهم ، ونبذِهِم خارجَ أسوارِ قرآنِهم وسنتِهم ، فيغدُو المصرُ الواحدُ مشتتًا مفتتًا.. لا مكانَ لهُ في العالمِ السّياسيّ والصّناعيّ .. وصدقَ إمامُ العربيةِ مصطفى صادق الرافعي ـ رحمه الله تعالى ـ حين قالَ :... فلن يتحول الشعب أول ما يتحول إلا من لغته ، إذ يكون منشأ التحول من أفكاره وعواطفه وآماله...) ( ..وماذلت لغة شعب إلا ذل ، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار...) ( وحي القلم 3 / 22)

ويقولُ الأديبُ الكبيرُ عبد الله بن حمد الحقيل ـ رحمه الله تعالى ـ في ذلك : ولا يمكن لأي أمة أن تستكمل سلامة شخصيتها وقوتها بغير استقلال لغتها واستقامة تفكيرها ومنطقها.. (على مائدة الأدب ،ص 15)

ولنقرّبْ هذهِ الصورةَ الخطيرةَ ..فمثلا في المجالِ الاقتصاديّ ..لا حظَ ( كولماس) في دراسةٍ له هبوط مستوى دخلِ الفردِ في البلاد التي تتعدد لغاتها مقارنةً بالبلاد التي يقل فيها هذا التعددُ (ففي بريطانيا التي يبلغ سكانها 57 مليون نسمة بلغ متوسط دخل الفرد سنة 1988م ما يقارب 12810 دولارا ، بينما بلغ متوسط دخل الفرد في الفلبين ذات التسعة والخمسين مليونا من السكان الذين يتكلمون 164 لغة ما يقارب 630 دولارا.

أما اليابان التي بلغ عدد سكانها سنة 1988 م ما يقارب 122مليون نسمة والتي يتحدث السكان فيها خمس لغات فقد بلغ متوسط نصيب الفرد فيها من الناتج الإجمالي 21020 دولارا ، بينما بلغ نصيب الفرد من الناتج الإجمالي القومي في إندونيسيا البالغ عدد سكانها 174 مليون نسمة يتحدثون 659 لغة 440 دولارا فقط...)

ثم ختم الباحث دراسته بقول جوناثان بول : ( البلاد المجزأة لغويا بشكل كبير بلاد فقيرة أبدا) (انظر : اللغة العربية في عصر العولمة ، د.أحمد الضبيب ، ص 184)

فالانسجام اللغوي ـ كما يقول الأستاذ الكبير د.أحمد الضبيب ـ من أهم الوسائل للنجاح الاقتصادي..( اللغة العربية في عصر العولمة ص 183ـ 184)

لذا جمعَ الأعداءُ أكبرَ كَيدهِم في ساحاتِ اللغةِ لعلمِهم أنّ التّعدديةَ اللُّغويةَ تضعفُ عقلَ الأمةِ وجسدَها ، وتُزحزحُها عن دينِها وتفصلُها عن تراثِها ، وتضعضعُ أركانَ حياتِها (الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والسّياسيةِ...)

(3)

العاميةٌ ..نقصٌ في العقلِ وتخلفٌ عن الابتكارِ والإبداعِ..!

يؤكد الأستاذ الكبير د.مرزوق بن تنباك أن : ( الاهتمام بالفكر العامي مصدر تشتيت وإرباك للذهن وبلبة لن تنتهي عند حد لو ترك لمفكري العامية السير بفكرهم كما يريدون ، فهم أولا : لن يجتمعوا على لهجة عامية واحدة ، وهم ثانيا : لن يستطيعوا تنظيم اللهجة التي يريدون لها البقاء والاستمرار..) ( الفصحى ونظرية الفكر العامي ، ص 116 )

إذن العاميةُ ستدحرجُ عقولَ الأمةِ ، وتقلّبها في دركاتِ الجهلِ والتّخلفِ ، وهي جسدٌ بلا روحٍ ، يقول الأديبُ الكبيرُ شوقي ضيف ـ رحمه الله تعالى ـ : (ومن المؤكد أن العامية على الرغم من طواعيتها لنا في الحديث كل الطواعية لا تحمل لنا علما ولا فكرا عميقا ولا نظريات سياسية أو اقتصادية ولا تشريعات وقوانين ولا دراسات سيكولوجية أو اجتماعية ولا دينا وأعمالا روحية إنها لهجة قلما تحمل لنا أعمالا وراء مطالب الحياة والفكر اليومي... ) ( محاضرات مجمعية ، ص : 259)

والعاميةُ لغةٌ إقليميةٌ لا يفهمُها إلا أصحابها ، فحركةُ انتشارِها في المدينةِ الواحدةِ ضيقٌ محدودٌ ، فهي ليستْ ـ كما يروّجُ لها ـ لغةً شعبيةً !

(4)

مواقفٌ مؤلمةٌ مُبكيةُ ..!

في معاقلِ الفصحى ..في مدارسِنا وجامعاتِنا.. تظهرُ هذهِ المأساةُ ..فالعربيةُ لغةٌ غريبةٌ في ألسنةِ الأساتذةِ والطلابِ وأذكرُ أننّي دخلتُ على طلابِ الصّفِ السّادسِ الابتدائي فقرأتُ عليهم شيئًا من الشّعرِ الفصيحِ فأثارَ ضحكهَم وسخريتَهم ..فانظرْ إلى هَذه الهُوةِ!

ويقولُ صديقي الشّاعرُ المبدعُ : عبدالله العطّاس ـ وهو مدرسٌ في إحدى الثانوياتِ في المملكةِ ـ : وكم أصبت بالأسى حين طلبت من بعض الطلاب تقديم ما لديهم من محاولات أدبية فلم يصلني غير الشعر العاميّ !

فالعاميةُ ـ يا للأسف ـ أصبحتِ المحطة الأولى والأخيرة في الأدبِ ، فلا يعرفُ أبناءُ العربيةِ غيرها..!

والمؤلم أن هذا الانحدارَ لم يسلم من شرهِ المتخصصونَ فهذا الشاعرُ الكبير والأستاذ الجامعي د.عبد الله الرشيد يذكرُ ( في كتابه السيف والعصا ، ص : 10) أنّه طلبَ من أحدِ تلاميذِهِ أن يسمي له شاعرًا من شعراءِ الفُصحى الذين ملؤوا تاريخنا الذهبيّ فلم يهتد إلا إلى شاعر عاميّ..!!

ومن الكوائنِ أنني حاورتُ طالبًا مُتخصصًا على عتبةِ التخرجِ ـ ويا ليتَني لم أحاورهُ ـ فوجدتُهُ يخلطُ بينَ الفصحى والعَاميةِ ولا يعرفُ من تاريخِ لغتِهِ شيئًا ويجهلُ أبجدياتِ الإملاءِ ورسمِ الحروفِ بلْ وصلَ جهلُهُ إلى شرفِ القرآنِ الكريمِ وسموِهِ حينِ قالَ : إنّ فيهِ نصيبًا من العَاميةِ وهي القراءاتُ السّبعُ !

...إلى هُنا حتّى لا تتقطع نُفوسُ الغيورينَ!

فإنّا للهِ وإنا إليهِ راجعونَ..!

(5)

الكفار..يحاربون من أجل لغاتهم..!

***

واعلمْ أنّ الأمريكيّ والرُّوسيّ والبريطاني وغيرَهم مِن سُكانِ العالمِ الصّناعي.. يأنفونَ أن يحدثوكَ بِغيرِ لُغاتِهم..وفي إحدى الاجتماعاتِ الطّبية ـ كما يذكرُ ذلكَ الشّاعرُ الكبير د.عبد الرحمن العشماوي في زوايتهِ دفقُ قلمٍ ـ قدّمَ كلّ طبيب بحثه بلغته إلا الأطباء العرب قدموها بلغة أجنبية..

فتأملْ بشاعةَ هذا الموقفِ !!

وهُنا طَاقةٌ من النماذجِ العجيبةِ يظهرُ فيها جلدُ الكُفارِ في حِراسةِ لغاتِهم ، علَّ فِيها إثارةً للنخوةِ الإسلاميةِ والغيرةِ الإيمانيةِ على لغتِنا العالميةِ التي مازلنا ـ بتبعيتنا وغبائنا ـ نعينُ أعداءنا على إماتَتِها!

أمريكا..تصرخُ في وجهِ قريةٍ صَغيرةٍ!

***

في ولاية تكساس قرية صغيرة عدد سكانها 7800 اختارت الأسبانية لغة لها، فثارت طبول طواحين الإعلام على مدينة (السنزو) الأمريكية، ورأوا الخطر المحدق بأمريكا، وعلى اللغة الأمريكية من هذه الظاهرة، وهي قرية صغيرة في ولاية تكساس، وبدأ العلماء والباحثون يدرسون خطر اللغة الأسبانية التي اتخذتها قرية السنزو على أمريكا، وعُدَّت القرية خطراً على لغة أمريكا القومية، وقورنت بما صنعت كيوبك في كندا التي تستعمل الفرنسية بالرغم من اتساع اللغة الإنجليزية وسيطرتها العالمية.

(جريدة الشرق الأوسط 27/2/2000م، نقلا عن مقالة لـيوسف عز الدين، مجلة الأدب الإسلامي – المجلد التاسع – العدد السادس والثلاثون 1424 - 2003 م، موقع الألوكة الثقافي)

اللغة العبرية ..تحيى بعد الممات..

***

كان اليهود أمما مبعثرين في العالم ، ولما أرادوا أن يجثو على قلب الأمة الإسلامية في فلسطين لم يكن همهم سوى إحياء عقيدة منسوخة محرفة وبعث لغة بائدة بائرة ، فلملمت شمل اليهود وقوت شوكتهم..

انظر ( الفصحى ونظرية الفكر العامي ص200 ، حول التربية والتعليم ص 249)

فرنسا ..لا للعامية

***

وفي فرنسا يكتب الأدباء بلغة المنطقة المحيطة بالعاصمة (باريس ) المسماة (إيل دي فرانس) لا بلغاتهم المحلية التي هي عاميات متفرعة عن اللغة الفرنسية الأم..

( انظر : السيف والعصا ، د.عبد الله الرشيد ، 30)

ويقول الراهب الفرنسي غريغوار: " إن مبدأ المساواة الذي أقرته الثورة يقضي بفتح أبواب التوظف أمام جميع المواطنين، ولكن تسليم زمام الإدارة إلى أشخاص لا يحسنون اللغة القومية يؤدي إلى محاذير كبيرة، وأما ترك هؤلاء خارج ميادين الحكم والإدارة فيخالف مبدأ المساواة، فيترتب على الثورة - والحالة هذه - أن تعالج هذه المشكلة معالجة جدية؛ وذلك بمحاربة اللهجات المحلية، ونشر اللغة الفرنسية الفصيحة بين جميع المواطنين ".

(نقلا عن مقالة اللغة العربية ومكانتها بين اللغات (1/2) د.فرحان السليم ، موقع الإسلام اليوم)

وقد صدر بيان من مجلس الثورة الفرنسية يقول: "أيها المواطنون، ليدفع كلاً منكم تسابقٌ مقدسٌ للقضاء على اللهجات في جميع أقطار فرنسا؛ لأن تلك اللهجات رواسب من بقايا عهود الإقطاع والاستعباد".

(المصدر السابق)

 وبريطانيا..كذلك

***

ففي لندن انتشرت العامية التي تعرف باسم ( الكوكني) إضافة إلى عاميات الأقاليم البريطانية الأخرى فصدر قرار عن المؤتمر الذي ضم وزير التعليم وكبار التعليميين البريطانيين ( إن جميع التلاميذ يجب أن يكونوا قادرين على أن يكتبوا ويقرؤوا بالإنجليزية الفصيحة كتابة نظيفة واضحة مقعدة )

( انظر السيف والعصا ، ص58)

اليابان...ولغتهم المعقدة من أسباب نبوغهم..

***

يقول المفكر الكبير د.عبدالكريم بكار : وتقدم اليابان نموذجا متقدما في التمسك بلغة يعاني المثقفون قبل غيرهم من استخدامها إذ يقولون : إن القارئ يحتاج لكي يتمكن من قراءة جريدة يابانية إلى معرفة 1850 حرفا ، وإن هذا العدد يزداد كلما زادت ثقافة الإنسان ، واتسعت معرفته . ويذكر بعض المختصين أن المثقف الياباني عالي المستوى قد يحتاج إلى معرفة ما يتراوح بين 45000 حرف و50000 ألفا من رسوم اللغة اليابانية..)( حول التربية والتعليم ، د.عبد الكريم بكار ص :248)

فانظر إلى هذه اللغة المعقدة العسرة كيف بذل أهلها الجهود الجبارة ليخرجوا من مغبة التبعية السياسية والاقتصادية ..!

إسباني عامي يدافع عن لغته

***

وهنا يحدثنا الأستاذ الدكتور/ عبداللطيف عبدالحليم عن موقف عجيب تتجلى فيه غيرة عامي أبت عليه أن يتنازل عن لغته فيقول :

في ربيع سنة 1976 كنتُ حديث عهد بالبعثة في مدريد، وَلَم أَكُنْ أعْرِفُ غيْرَ بعْضِ كلمات من الإسبانية، والإسبان لا يتحدَّثون إلاَّ لغتهم، فذهَبْتُ إلى بائعِ الخُبْزِ، وكنتُ أسكُنُ في الشَّقَّة الَّتي كان يعيش فيها الدكتور أحمد نوار بعد أن أنجز مُهِمَّته، وعاد إلى القاهرة، فذهبتُ إلى الرَّجُل، وقلتُ له بتلعْثُمٍ شديد (بان) بتخفيف الباء، فقال لي: ليس عندي، فأشرتُ إشارةَ الخُرْسِ إلى الخُبْز، فقال لي: تريد (بان) بتثقيل الباء أوِ الباء الثَّقيلة، ففي الإسبانية ثلاث باءات: الفا، والباء الخفيفة، والباء الثقيلة، ثم قال لي عبارة، لا أزال أحفظها حتَّى هذه اللَّحظة، غَيْرَ أنّي لم أَكُنْ أعْرِفُها وقْتَها، فذهبتُ إلى أحد أصدقائي وقلتُ له: ما معنَى هذه العبارة؟ فإذا به يُفَسّرُها لي بأنَّها منَ الأشياء المُستَقْبَحة الَّتي يشد عليها السيفون، وكنتُ أنا ذلك الشَّيء. ..

(المصدر: من كتاب: "الحضارة في مهب الريح" نقلا عن موقع الألوكة الثقافي )

لغة صعبة ..لكن يعتز بها

***

ويحدثنا الرحالة الكبير الأستاذ : محمد ناصر العبودي في رحلته إلى شرق أوروبا عن اعتزاز المجريين العظيم بلغتهم على صعوبتها وقبحها ، فحين تتجول في شوارعهم وأسواقهم لا ترى سوى لغتهم حتى في المناطق التي يختلف إليها السائحون.. (ذكريات من خلف الستار العقيدي ص 55 ـ 56 )

لا أحب أن أطيل فالأشكال والقصص في ذلك كثيرة ، فلك الله يا لغتنا الجميلة