ثقافة الرسائل الالكترونية

ثقافة الرسائل الالكترونية

علي الرشيد

[email protected]

أحدث التواصل الرقمي والالكتروني تغيرا مهما في سلوكنا، وتأثيرا عميقا في حياتنا، رغم عمرهما القصير، ويكفي أن نقول أن التهاني بالأعياد والمناسبات بدلا أن تكون ببطاقة مكتوبة، أو اتصال هاتفي أو زيارة حية خاصة ، صارت تصل إلى أصحابها برسالة رقمية (SMS)، من طبيعتها الاختصار، والسرعة، وجفاف الروح العاطفية، والتعميم ( نسخة واحدة تعمم على جميع المُهَنَئين)، وتناقل الرسالة من شخص لآخر، فقد يصادف أن تستلم نفس النص من عدة أصدقاء تعرفهم بآن معا.

وإذا انتقلنا إلى الشبكة العنكبوتية ، فقد ظهر ما يعرف بالبريد الالكتروني، وهو ما اعتاد الناس ـ في الغالب ـ  على فتحه بشكل يومي أو شبه يومي وربما في اليوم عدة مرات،  قبل إنجاز أي مهمة أخرى، مستفيدين من خدمة الانترنت التي اتسعت مجالاتها في شتى العلوم والفنون، حتى صار لا يستغني عنها الطفل الصغير أو الشيخ ، وطالب الابتدائية وأستاذ الجامعة، والحرفي ورجل الأعمال، والمهندس والفنان، كأداة للمعرفة والاتصال.

لم تعد للبريد الالكتروني نكهة البريد العادي، حيث كان الناس يتلهفون على الرسائل البريدية التي تصلهم من عزيز شطّ به المزار، وباعدت بينه وبين مرابع أهله وأحبته المسافات والحدود ، وفصلته عنهم ماء البحار والمحيطات، يستقبلونها بروح المتلهف، فتذرف الدموع، لفرط ما فيها من تباريح الشوق، والحنين إلى الديار، والأهل والخلان والصحاب.

رسائل البريد الالكتروني، رغم أنها قد تضمن رسائل يطمئن فيها أخ عن أخيه، وصديق عن صديقه، إلا أن تحتل نسبة عادة ما تكون ضئيلة جدا، بينما ظهرت رسائل أخرى احتلت النسبة الغالبة وهذه تتوزع بين الرسائل الدعائية العامة، و الرسائل المعلوماتية التي غالبا ما تمرر من شخص لآخر، أو يجري اقتباسها من شخص أو موقع أو مركز، وتتضمن قصة، أو قصيدة،  أو خبرا أو معلومة، أو بلاغا، أو عرضا تقديميا، أو صورة ، أو رسما ، أو مقالة، أو نكته، أو تحذيرا، أو تنبيها .. ولأن الواحد منا قد يستقبل عدة رسائل على هذه الشاكلة يوميا، قد تصل إلى عشرة، وأحيانا تزيد عن العشرات، بحسب اتساع شبكة أصدقائه ومعارفه، وحجم تواصله مع الآخرين، صار من الممكن القول إنه أصبحنا وأصبح جيلنا الجديد يتعرض لثقافة الرسائل الالكترونية، التي يمكن القول إن لها وعليها ، أي أن لها جوانب إيجابية، وجوانب سلبية، ولا نعني بذلك الرسائل الالكترونية اليومية أو الدورية المفيدة التي تصلك من مواقع إخبارية أو علمية ، وتتضمن جديدها لتتابعه مباشرة أو خلال الروابط التي تصلك بمواقعها، كما أننا لا نركز هنا على الرسائل السيئة كالتي تنشر الرذيلة، وتخاطب الغرائز، وتدغدغ العواطف بطرق مثيرة ومسفة، فهذه سيئة من رأسها حتى أخمص قدمها.

ملاحظاتنا السريعة على هذه الرسائل الالكترونية ـ التي نخصص حديثنا عنها ـ  والتي صارت أحد روافد الثقافة والإطلاع اليومي أو شبه اليومي، في واقعنا وواقع شبابنا، شئنا أم أبينا، أنها في أغلبها اختيار ، أو نسخ ، أو نقل عن أشخاص أو مواقع آخرين، وليست إبداعا أو جهدا لمرسلها أو مرسليها،وهو ما يخلق مع الأيام سلوك الكسل والاتكال على الآخرين، حتى لو كان معزوّا لمصدره، أما إذا كان بدون الإشارة إلى الأصل ، فإن ذلك يعزز من سلوك قديم جديد عرف بـ " السرقات الأدبية"، أو عدم احترام الحقوق الفكرية للآخرين.

ويضاف إلى ذلك أن الاختيارات قد تكون غير موفقة، أو تكون فيها معلومات مغلوطة ومضللة، أو غير موثقة، أو دقيقة، لذا فإن عمليات ( القطوف والشذرات) التي عرفت منذ القدم تحتاج إلى شخص عليم وخبير في المجال الذي يصطفي منه، وذو قدرة على التذوق وحسن الانتقاء، وإلاّ فإن ذلك قد يسهم بمرور الزمن إلى تدني الذوق العام، والهبوط بمستواه.

ويغلب على الرسائل الالكترونية الاختصار (ميني مقال أو موضوع) ، وهو ما يسهل على المتصفح للبريد قراءتها أو المرور عليها سريعا، وهو ما من شأنه برأينا قتل روح المطالعة، وعدم القدرة على الصبر عليها، خصوصا عندما يتعلق الأمر بكتاب أو رواية، لاسيما عند الأجيال الجديدة الذين عاشوا في أكناف الثقافة المرئية ( البصرية) ـ التلفاز والكمبيوتر ـ .

ويتصل بهذه الرسائل ما يعرف بظاهرة (التمرير) للأشخاص الآخرين، وهو ما أوصى الدكتور طارق سويدان بضرورة لزوم الحيطة والحذر إزاءه ـ  رغم أن الأصل في المؤمن تعميم الخير على الآخرين، وعدم لجم العلم  ـ  لأن بعض هذه الرسائل تحتوي أحيانا أخبارا كاذبة، أو غير دقيقة، ومعلومات غير موثقة، وهو ما يقتضي التثبت من المعلومات والحقائق والأخبار التي فيها قبل تعميمها أو تمريرها.

ثقافة الرسائل الالكترونية تستحق كظاهرة آخذة في الاتساع دراسات من الباحثين في المجال الثقافي والإعلامي، للوقوف على جوانبها الإيجابية والسلبية، وتوجيهها نحو المسارات النافعة للشباب، والاستفادة من سهولة وسرعة الوصول إليها، وميزة انتشارها الواسع، وطريقة عرضها الجذابة، على أن يتضمن ذلك تشجيع التعليق والتعقيب على المواد المقتبسة والمنقولة، والتعود على إبداء المواقف إزاءها، وتبادل الخبرات الشخصية كل في إطار ملكاته وقدراته العلمية والإبداعية، وتحفيز قدرات الكتابة سواء في مجال الموضوعات أو الخواطر أو المقالات.