في ذكرى معركة ميسلون 2
في ذكرى معركة ميسلون:
(2 من 4)
غورو نصفة خشب
شمس الدين العجلاني*
غورو: هو الجنرال هنري جوزيف أوجين غورو (Henri Joseph Eugène Gouraud) ولد في باريس يوم 17 تشرين الثاني عام 1867، تخرج في سان سير في القناصة عام 1888 م، ترقّى إلى رتبة عميد عام 1907 م، وكان قائداً للجيش الرابع في حملة الدردنيل عام 1915م هو قائد عسكري فرنسي مشبع بروح الإمبريالية الاستعمارية، هو الاسم الأكثر التصاقاً بذاكرتنا الشعبية، الذي كان نذير شؤم وبلاءً على وطننا وأهلنا، وكان وراء قتل وتشريد المئات من أبناء الوطن، ارتبط اسمه بحقبة من تاريخ سورية أكثر مما ارتبط بها أي اسم أجنبي استعماري آخر، لأنه صاحب قرار الاحتلال الفرنسي لسورية.. لأنه جزّأ سورية.. لأنه أصدر القرار رقم 318 لسنة 1920م المتضمن إنشاء دولة لبنان الكبير، وكان قلبه يمتلئ حقداً وكرهاً لبلادنا. وصل هذا القائد الشرس إلى بيروت مقر المفوضية الفرنسية بتاريخ 8 تشرين الأول عام 1919م، ودخل جيشه دمشق مستعمراً الساعة الرابعة من ظهر يوم الأحد الواقع في 25 تموز 1924م، بعد معركة ميسلون البطولية لأهل دمشق في مقاومة الجيش الفرنسي حصلت يوم السبت في 24 تموز 1920 " بقيادة الجنرال غوابية استشهد على أثرها العديد من أبناء دمشق وعلى رأسهم وزير الدفاع يوسف العظمة، ومهّد غورو دخول الجيش الفرنسي إلى دمشق بأن أصدر إنذاراً بتاريخ 14 تموز عام 1920م، إلى الحكومة السورية ممثله بالملك فيصل آنذاك ملك سورية " بحدودها الطبيعية "، وحدد مدة أربعة أيام لقبوله، اشتهر هذا الإنذار باسم " إنذار غورو " طلب فيه: قبول الانتداب الفرنسي، وتسريح عناصر الجيش السوري، والموافقة على احتلال القوات الفرنسية لمحطات سكك الحديد في رياق وحمص وحلب وحماة. ومن ثم أصدر بياناً: (بيان المفوض السامي الجنرال غورو إلى أهالي سورية ) وبعد دخول قوات الانتداب الفرنسي دمشق بساعات قليلة ألقي بالطائرات فوق دمشق وحلب وحمص وحماة، برر فيه دخوله دمشق محتلاً وقاتلاً.؟!
على ضريح صلاح الدين:
وعندما جاء الجنرال غورو إلى دمشق في الثلاثين من تموز 1920م (وقيل في الأسبوع الأول من آب 1920 (وفور دخول غورو دمشق توجه مباشرة إلى ضريح القائد صلاح الدين الأيوبي ووضع حذاءه العسكري على ضريحه وقال: "ها قد عُدنا يا صلاح الدين".
اختارته حكومته لمنصب المفوض السامي في سورية ولبنان اعتباراً من 23 تشرين الأول 1920م. وكان نذير شؤم وبلاء على الوطن السوري وأهله. فإن هذا القائد العسكري كان قد فقد إحدى ذراعيه في معركة غاليبولي التي حصلت عام 1915م في الحرب العالمية الأولى عندما حاول الحلفاء اختراق بوغاز الدردنيل في تركيا لاحتلال إسطنبول عاصمة الخلافة العُثمانيّة آنذاك ورُدّوا خائبين. فلما انتهت الحرب بانتصار الحلفاء، وجد في تعيينه حاكماً على هذه البلاد أن الفرصة سانحة أمامه لينفس عن أحقاده الخبيثة وتحقيق مطامع فرنسا العدوانيّة ضد الأمة العربيّة. على أن مهمة غورو الاستعمارية لم تكن سهلة لأن الأهالي بمختلف طوائفهم ومذاهبهم الدينيّة قاوموا الاحتلال الأجنبي ووقفوا صفًّا واحداً للدفاع عن حريتهم ووحدة وطنهم.
وتشير مجلة الاثنين والدنيا الصادرة يوم 7-10-1946 م: ( نعت أنباء باريس الجنرال غورو القائد الفرنسي الشهير الذي لمع نجمه في الحرب العالمية الأولى. فقد كان على رأس الحملة الفرنسية التي اشتركت في معارك الدردنيل خلال الحرب فأصيب بشظية قنبلة أفقدته ذراعه اليمنى، فقضى حياته بذراع واحدة ) وتتابع المجلة بالقول:( وقيل فيما بعد إن الذي كان يقود المدفعية التركية، التي أصابت إحدى قنابلها الجنرال غورو في ذراعه هو القائد السوري يوسف بك العظمة. ). وركب غورو بدلاً عنها يداً خشبية، وهذا مما جعل أهل دمشق يلقبونه" غورو نصفه خشب". توفي في باريس يوم 16 أيلول عام 1946م، وقال الجنرال كاترو عنه في كتابه " مهمتان في الشرق الأوسط ": "كانت جنازته بلا نشيد وبلا رجال دولة، وبلا جنرالات".