في ذكرى معركة ميسلون 1
في ذكرى معركة ميسلون :
أدق التفاصيل عن الانتداب الفرنسي
غورو لم يحتل دمشق ..؟
1 من 4
شمس الدين العجلاني*
* دخل غورو دمشق في 30 تموز 1920 بسيارة مكشوفة.
*الجيش الفرنسي دخل دمشق يوم 25 تموز .
قيل الكثير عن معركة ميسلون البطولية التي دخل على أثرها المستعمر الفرنسي دمشق ... و قيل ان دخول الجيش الفرنسي إلى دمشق كان يوم 24 تموز عام 1920 م ، و ان غورو كان قائد الجيش الفرنسي الذي قاد المعركة و دخل دمشق ... و ان السوريين لم يستطيعوا تكبيد المستعمر الخسائر في هذه المعركة ... و قيل الكثير عن هذه المعركة ... و شاءت الظروف ان تقع بين يدي مجموعه من الوثائق و الصور الأجنبية و العربية عمرها عشرات و عشرات السنين تروي بأدق التفاصيل قصه معركة ميسلون ، و من رواة هذه التفاصيل ضباط سوريون و فرنسيون شاركوا في معركة ميسلون التي كانت معركة بطولية سطر من خلالها رجالات سوريه أروع الملاحم :
أمر احتلال دمشق :
عينت فرنسا الجنرال غورو مفوضاً سامياً لها في بيروت، وصل غورو إلى مرفأ بيروت في 8 تشرين الأول عام 1919 م ( تشير بعض الدراسات انه وصل يوم 21 تشرين الثاني 1919 ) ، فجرى له استقبالا فخما إلى أبعد الحدود : ( بعد ان نزل من مدرعة فرنسيه في مرفأ بيروت ، و مر في شوارع المدينة يمتطي جوادا ابيضا و الجنود على جانبي الطريق ، و كانت الطائرات تحلق في السماء حين وصل موكبه إلى ساحة البرج ، و عرض القوى البرية و البحرية ، ثم ركب سيارة مكشوفة يواكبه الفرسان ، و في المساء أقيمت في قصر الصنوبر ، حفلة استقبال أطلقت أثناءها المدافع و الأسهم النارية ، و القى المركيز جان دي فريج ، و هو احد الوجوه البيروتيه ، خطابا عدد فيه مناقب الجنرال غورو .؟ - موقع يا بيروت ) و بدخول الجنرال غور إلى بيروت توترت العلاقات بين فرنسا و سورية ، حيث كان الملك فيصل قد جلس على العرش سوريه " بحدودها الطبيعية" يوم 8 آذار عام 1920 م ، بقرار من المؤتمر السوري آنذاك " هو أول برلمان لبلاد الشام " ، لم يلبث أن وجه الجنرال غورو إنذارا إلى الملك فيصل بدمشق ظهر يوم 14 تموز 1920 م ، حيث حضر الكولونيل نيجر و الكولونيل كوس من بيروت إلى القصر الملكي بدمشق و سلما الملك الإنذار الفرنسي و الذي طلب فيه غورو : قبول الانتداب الفرنسي ، وتسريح الجيش السوري، وإلغاء التجنيد الإجباري، والموافقة على احتلال القوات الفرنسية لمحطات سكك الحديد في رياق وحمص وحلب وحماه وقبول تداول ورق النقد الفرنسي السوري ... وطلب غورو من الملك فيصل قبول هذه الشروط جملة أو رفضها جملة ، وحدد مهلة لإنذاره تنتهي بعد أربعة أيام ، فإذا قبل الملك فيصل بهذه الشروط فعليه أن ينتهي من تنفيذها كلها قبل الساعة الرابعة و العشرين من يوم 18 تموز ، وإذا لم يقبل فإن العاقبة لن تقع على فرنسا ، و تشاور فيصل مع أركان حكمة في الأمر ، و طلب من غورو تمديد مدة الإنذار فمدده إلى صباح يوم (21 تموز 1920م) ، قرر فيصل و حكومته قبول شروط الإنذار بصورة نهائية .؟ فأرسل رده عليه ، و في عصر يوم العشرين من تموز صدرت أوامر الملك فيصل بتسريح الجيش ..؟ فقامت المظاهرات و الاحتجاجات بدمشق ، واتهمت الحكومة بالرضوخ، وهاجم الأهالي قلعة دمشق يريدون الحصول على السلاح للمقاومة، وتبعتها المظاهرات في جميع انحاء سورية.
وصل رد الملك فيصل الى غورو بعد ساعتين من الموعد الذي
حدده القائد الفرنسي ، فقال غورو : لقد فات الوقت ! و أصدر أمره إلى جيشه بالزحف
إلى دمشق.
و كان
عدد
رجال الجيش السوري قبل تسريحة من قبل الملك فيصل و بتاريخ أوائل شهر تموز 1920 ما
يقارب 8 آلاف جندي و 500 ضابط
.
غوابيه احتل دمشق و ليس غورو :
أقام الجنرال غورو في بيروت ، و في منطقه صوفر " عين صوفر " صيفا ، و في احد الأيام من شهر تموز دعا الجنرال غوابيه إلى مقر إقامته في صوفر ، و ابلغه عزم الحكومة الفرنسية على احتلال دمشق و إنهاء عهد الملك فيصل ، و ابلغه أمره انه عينه على رأس الجيش الذي سيدخل دمشق .؟ و انه عين له العقيد باتلا رئيسا لأركان حرب الفرقة الثالثة التي أوكل إليها مهمة احتلال دمشق ، و زين الأمر له بأنه بسيط ، لا يتعدى ترتيب و تنظيم الفرقة الثالثة و ثم الزحف إلى دمشق بعد احتلال الممرات الجبلية في وادي الحرير و وادي القرن ، و الفرقة الثالثة هذه من الفرق العسكريه المهمة لدى الاحتلال الفرنسي فقد سبق لها ان شاركت في المعارك الفرنسية التي خاضتها على جبهات كيليكلية و الأناضول و شمال إفريقيا ، و كان مقر تجمعها في لبنان من شتوره إلى مداخل مجدل عنجر . و طلب غورو من الجنرال غوابيه الاستعداد و تهيئه الفرقة الثالثة للمسير إلى دمشق فور تلقي الأمر بذلك .
صباح يوم 20 تموز من عام 1920 م ، تبلغ الجنرال غوابيه من الجنرال غورو أمر المسير لاحتلال دمشق ، و تحركت قطعات الفرقة الثالثة ، و المؤلفة من :
- لواءان للرماة السنغاليين بقيادة الجنرال بوردو .
- فوجا مشاة من اللواء 415 بقيادة العقيد ريو كروا .
- لواء الفرسان المراكشيين بقيادة العقيد ماسيه مع كوكبة من الخيالة الخفيفة.
- فوج مشاة من الرماة الإفريقيين بقيادة المقدمين آبوت و باولتي .
- بطارية مدفعية من عيار 155
- بطاريتان و نصف من عيار 65 جبلية .
- سرية دبابات .
- فوج هندسة .
- سرية طائرات .
أما القوات السورية من الأهالي و بقايا الجيش السوري فقد كانت مؤلفه من :
- فرقة مشاة مجهزة ببطاريتين تشتملان على عدد من المدافع من 105 و على 25 مدفع رشاش .
و قد عرفنا من الضباط الفرنسيين المشاركين في الفرقة الثالثة كل من : " العقيد دوزاك ، مينيان ، العقيد ماسه ، فور كار ، كلو بنانستين ، الجنرال بوردو ، الكولونيل سوسلبية ، الكولونيل ديكرين ، العقيد ريو كروا ، المقدم آبوت ، المقدم باولتي) و من الضباط السوريين كل من : ( حسن تحسين الفقير ، صبحي العمري ، المقدم حسن الهندي ، محي الدين البغدادي ، أبو الخير الجابي ، المقدم توفيق العاقل ، جميل البرهاني ، الملازم ذهبي الدهني ، النقيب تحسين العنبري ، العقيد احمد صدقي الكيلاني ، النقيب عزت الساطي ، المقدم الفخري مرزوق الخيمي ، النقيب محمد علي العجلوني ، محمد الترك ، الملازم منيب الطرابلسي ، ياسين الجابي ، لطفي الرفاعي ) . و من المتطوعين المدنيين : ( الشيخ عبد القادر كيوان خطيب الجامع الأموي ، الشيخ كمال الخطيب ، الشيخ محمد توفيق الدرة ، ياسين كوان ، صلاح أبو الشامات ، عمر الصباغ ، صادق هلال ، احمد الموصلي ، محمد نوري الحصري ، عبده الصباغ ، احمد القحف ، عبد الله الكلاس)
تحركت هذه القطعات باتجاه جديدة يابوس و خيمت هنالك يومي 22 و 23 تموز ، بينما كانت تجري المفاوضات مع الملك فيصل و التي انتهت بتوجيه الإنذار له و الذي عرف بإنذار غورو .
في الساعة الخامسة من صباح يوم الرابع و العشرين من تموز عام 1920 م ، تقدمت القوات الفرنسية ، و التي كان من المقرر لها أن تقذف نيران مدفعيتها زهاء ربع ساعة لتمهيد الطريق أمام قوات الاحتلال للتقدم نحو دمشق ، و يقول الجنرال غوابية " شرعت البطارية 155 بقذف المدفعية السورية و لكن نيران المدفعية السورية سلطت عليها بشدة مما شل حركتها فأصبح تقدمها بطيئا و أوقعها في خسائر في المعدات و الأرواح . ... توقف الهجوم اثر هذه المقاومة السورية الضارية . " و هذه المقاومة للقوات السورية دعت الجنرال غوابية لاستقدام فوج من الرماة السنغاليين التابع للواء الحادي عشر ، و في منطقة وادي الزرزر انهالت نيران المدافع الرشاشة و المشاة بشده على قوات الاحتلال و فقدت البطارية الجبلية 65 الفرنسية عددا من خيولها و دوابها دون أن تستطيع إحكام الرمي أو التمركز ، و استطاع الفرسان المراكشيين المشاركين في قوات الاحتلال من تطويق القوات السورية مما جعلها في وضع حرج اجبرها على الانسحاب ، و كان ذلك حوالي الساعة العاشرة صباحا ، و استؤنف الهجوم الفرنسي على مجمل الجبهة الساعة الحادية عشرة .. و كان ما كان و استشهد بطل سورية و وزير دفاعها ، و انسحبت القوات السورية بغير انتظام ، و أصبح طريق دمشق مفتوحا أمام قوات الاحتلال .؟
خيم معظم أفراد و معدات الفرقة الثالثة الغازية في منطقة خان ميسلون و ذلك مساء يوم 24 تموز ، و في اليوم التالي يوم الأحد الخامس و العشرين من تموز ، و في الساعة الرابعة من بعد الظهر والمدينة مقفلة الأسواق ، دخل الجنرال غوابية دمشق محتلا . وفي صباح 25 منه وقع الملك فيصل وهو في الكسوة مرسوما بتعيين علاء الدين الدروبي رئيسا لوزارة جديدة تحل محل الوزارة الاتاسية المستقيلة ، وقد اختار أعضاءها من عناصر عرفت بتأييد الانتداب الفرنسي وموالاته علها تكون واسطة للتفاهم بين الفرنسيين والملك .؟! فكان يوم الخامس و العشرين من تموز من عام 1920 م اشد هولا على سورية من كل مصائبها ، و قد عانى السوريون الكثير من الأهوال .. حتى غسلوا يوم العار هذا فقدموا قوافل الشهداء ، و بذلوا الغالي و النفيس في سبيل ذلك حتى تحقق الجلاء ، و لن ينسى السوريون هذا اليوم العار الذي التصق بالملك فيصل و أركان حكمة ، حين لم يستطع الدفاع عن دمشق ، و تركها لقمة سائغة للانتداب الفرنسي ، دخلها على جثث الشهداء و في مقدمتهم البطل يوسف العظمة ، أما الملك فيصل بعد طرده من دمشق " يا للعار " نصبه البريطانيون ملكا على العراق .؟
و عن خسائر قوات الاحتلال الفرنسي فيقول الجنرال غوابية : " أما خسائرنا فقد بلغت في يوم 21 تموز 76 قتيلا و مائتين و اثنين و خمسين جريحا و أربعة و عشرين مفقودا و قد تناولت الخسارة بنوع خاص المدفعية و فوج كلو بنانستين الذي واكب الدبابات ." و بذلك يتضح أن الجنرال غوابيه هو من دخل دمشق مستعمرا يوم 25 تموز من عام 1920 م ، و استعرض قواته في شارع النصر و مرّت هذه القوات من شوارع دمشق الرئيسية قبل توزعها على الثكنات ، بينما دخل غورو إلى دمشق في الثلاثين من تموز عام م 1920 دخلها بسيارة مكشوفة و ذهب مباشرة إلى ضريح القائد صلاح الدين الأيوبي ، وترجل إلى الضريح ، وقال قولته المشهورة: (ها قد عدنا يا صلاح الدين) .
* صحفي وكاتب