نازك الملائكة.. سيمفونية العراق الحزينة
نازك الملائكة
ليلى زيرق
[email protected]
فقد الأدب العربي بالأمس إنسانة وشاعرة من العراق؛أصيلة كنخله رائدة من رواد الشعر
العربي الحر،مثقفة من طراز رفيع،تتقن لغتها الأم ولغات عدة،ولدت عام 1923 لتكون
شاعرة في سن مبكرة.
رغم ثرائها الثقافي وما أضافته للشعر العربي ،إلا أن اسمها كان مغيبا وحضورها في
وسائل الإعلام كذلك.من يريد أن يعرف من هي نازك فليسمع صوتها في ديوانها"
للصلاة والثورة".:إني أنا عاطرة البر عمة/إني أضيئ مثلما تشتعل الأقمار/أنير
للثوار/درب الليالي المعتمة/افتح في عيونهم نافذة النهار/ أرش في أنفاسهم طعم ضياء
سائل/أذيب فيه نكهة البهار..
..
ومن يسأل أين كانت تسكن هذه المرأة فنحنى ندله على عيادتين.وطبيبين ؛الأول للنفس
المستسلمة للحزن العميق الذي سكنها لأسباب وأسباب،والثاني للجسد الذي ترهل بعد أكثر
من ثمانين سنة ألم ومشاق.
ويرى الكثيرون أنها الشاعرة العربية الوحيدة قديما وحديثا من أفضل الشاعرات الوطن
العربي لأنها شاعرة الإبداع والتجديد،وناقدة في قضايا الشعر العربي.
قال عنها نزار قباني:"
إنها شاعرة تساوي ثروة " لكنها في وطن اسمه " الوطن العربي " لا يكرم فيه أنبياؤه
ويموتون وهم أحياء ؛يموتون من النسيان والتهميش لدوره كما نازك.
غامرت ونافست في مجال الحداثة -وهي امرأة - أصحاب المجال عبر أزمان أمثال :صلاح عبد
الصبور وبدر شاكر السياب وأحمد عبد المعطي حجازي..
وشعرها جاء كحجر رمته في بحيرة راكدة ومنذ أن كتبت غيرت تاريخ القصيدة العربية.كانت
لها رؤية بخصوص حال اللغة العربية والشعر:"ما
زلنا نلهث في قصائدنا ونجر عواطفنا المقعدة في سلاسل الأوزان القديمة وقرقعة
الألفاظ الميتة..وكأن الشعر لا يستطيع أن يكون شعرا إن خرجت تفعيلاته على طريقة
الخليل"
"...والعربية
ابتلت بأجيال من الذين يجيدون التحنيط وصنع التماثيل،دون أن يدركوا أن شاعرا واحد
قد يصنع للغة ما لا يصنعه ألف نحوي ولغوي مجتمعين..."
الألم
في حياتها:لا
ننكر
على
امرأة وشاعرة أن الوضع السلبي المدمي بالإحباط والخيبات هو ما أدى إلى أمراضها
ومعاناتها النفسية وتوتراتها الدائمة.
وما آلمها أكثر هو الاعتداء الإسرائيلي السافر على فلسطين منذ سنوات طويلة دون أن
ينتهي.لذلك وصفت الوضع السيئ في عذاباتهم وناجت الله في ذلك:
مليكي،طالت الرحلة،طالت،وانقضت أحقاب/ وبين عوالم مقفلة أبحرت أسأل أسأل الأبواب
/
حملت معي جراح الفدائيين/ وطعم الموت في أيلول،طعم الطين/ حملت معي هموم
(القدس)
يا
مليكي و(جنين).
وكأن الحزن الذي كان في عينيها سوى موروث جاء من قيثارة العراق التي تعزف ألما
وحزنا لا ينضبان عبر العصور
كما أن للحياة قبل أن يأتينا الموت سيد يحكمها ويلقي بأوامره على أنفسنا الضعيفة
الواهنة من هموم نتلقفها جراء الظلم
اللإنساني
للإنسان؛هذا ما قالته نازك عن سيد النفوس وهو "الألم
":"أليس
في إمكاننا أن نقلب الألم؟نرجئه إلى صباح قادم وأمسية.
نشغله نقنعه بلعبة بأغنية بقصة قديمة منسية النغم؟
وأن تبسمنا وغنينا له ينم/سوف نشربه سوغ نأكله/ ونقفوا شروط خطاه،وإذا نمنا كان
هيكله هو
أخر شيء نراه/ ونحن شيدنا لك المعبد جدرانا شذية/ثم صلينا لعينيك وقربنا ضحية/
يا حنانا قاسي يا نقمة تقطر حنانا..."
أطلق عليها بعض الدارسين لقب "الموجة القلقة".وهذا لأنها عاشت حزينة تبعث الشجن في
النفس وكآبة ملازمة للقلق ،ونظرة متشائمة كما عرف عنها أنها أبحرت في الشك والإيمان
في بعض مراحل حياتها وفي الأخير "هدم إيمانها ما شيده الشك"
لطالما عاشت تخاف الحياة لا تفهم طلاسمها ،كذلك الموت الذي تخاف من مجهوله ،وكأن ما
بداخلها وافق بأن الكون كله يأس وألم ورموز معقدة لا تفسر،يظهر من بعض عناوين
دواوينها ذلك
(عاشقة
الليل/ شظايا ورماد/ مأساة الحياة وأغنية الموت)
:"هل
فهمت الحياة كي أفهم الموت..."في كل مكان يبكي صوت / هذا ما قد مزقه الموت
/
الموت الموت الموت
.
ابنة العراق هي وكأنها كانت تتنبأ له بالموت في كل مكان كصدأ صوت لعين.وهذا ما هي
العراق الآن.عاشت لا ترى في الدنيا سوى جانبها السيئ الآثم ولا ترى في الأزهار سوى
قاطف الأزهار وفي النور ديجور وفي الجمال تشوه النفوس الخائفة من المجهول ..وجود
ملؤه شك ..وبشر ليسوا سوى أكفان متنقلة وسائرة إلى اللحود..لأن هذا العالم الذي
نعيش فيه ليس سوى بؤرة شر لا تنتهي
:"
هي هذه الحياة ساقية سم/كئوسا يطفوا عليها الرحيق/أومأت للعطاش فاغترفوا/منها ومن
ذاقها فليس يفيق.
ماتت نازك وحملت الملائكة روحها وهي تنشد
:"هكذا
الآدمي يسلم أحبابه/للتراب والديدان/ رب لا كانت الحياة ولا كنا/ هبطنا هذا الوجود
الفاني...هذا الوجود الفاني.