كلمة منير مزيد

في حفل توقيع

انطولوجيا الشعر العربي المعاصر

منير مزيد

[email protected]

لتعريف الدوافع التي دفعتني إلى اصدار هذه الأنطولوجيا.. دعوني أقص عليكم رؤياي وأحلامي وتجارب خضتها، حتى يقف الإنسان العربي على مأساتنا كعرب في الألفية الجديدة، ومنها يستنبط قصة الانطولوجيا. أنا من أسرة فلسطينية  تعتز باصالة عروبتها. وجدت في الأردن الملاذ الآمن لها فاستقرت فيه واصبحت جزء من المجتمع الأردني. لهذا نشأت وترعرت في الأردن والذي علمني المعنى الحقيقي بأن تكون عربيا. وأول درس تعلمته هو أن العروبة ليست شعارا بقدر ما تحمله من مفاهيم وقِيَم أخلاقية سامية:  الكرم والفروسية  والصّدق والحلم والأناة والرّفق والتواضع والحياء والوفاء بالوعد والوقار والرحمة والعدل والشّجاعة والصّبر والألفة والقناعة والعفّة والإحسان والسّماحة والأمانة والشكر على المعروف وكظم الغيظ وحب الخير للاخرين واغاثة الملهوف ونصرة المظلوم .. وأول بيت شعر حفظته وانا طفل :

نحن أبناء يعرب أعرب الناس لساناً    وأنضر الناس عودا

حين غادرت الأردن إلى بريطانيا ومن ثم إلى الولايات المتحدة الامريكية، لغرض الدراسة، كان أكثر ما يؤلمني صورة الانسان العربي المشوهة في الاعلام الغربي . فكنت اتسائل عن من هو المسؤول الحقيقي عن رسم هذه الصورة المشوهة ومحاولة ترسيخها في أذهان الآخرين ونحن العرب أمة تعتز بتاريخها المجيد وتجعل منه منارة أصيلة لأبنائها، وبحضارتها العظيمة التي أنارت الكون وأخرجت الناس من الظلمات إلى النور وبنفس الوقت يحاول فيه البعض سواء عن قصد او غير قصد اطفاء جذوتها وترسيخ صورة مشوهة ومغلوطة ومغايرة في اذهان البشرية . ومن خلال معايشتي للواقع ، أدركت أن فكرة استهداف الشعوب وهم ، من هنا بدأت تتضح لي الصورة جلية . فمنذ العصر العباسي وحتى اليوم لم يترجم العرب ما تترجمه إسبانيا خلال سنة واحدة، بهذه العبارة الثقيلة الوطأة يمكن استشراف ما تعانيه معرفتنا بالآخر ومعرفة الآخر بنا. كان العرب وعلى مر العصور رواد الترجمة خصوصاً إبان عهد الخليفة المأمون حين انشأ "بيت الحكمة" في بغداد عام 800م الذي أولاه عناية فائقة، ووهبه كثيرا من ماله ووقته، وكان يشرف على بيت الحكمة ، ويُختار من بين العلماء المتمكنين من اللغات. وقد استقدم المامون من قبرص خزانة كتب الروم . وبذلك كان بيت الحكمة خزانة كتب ، ومركز ترجمة ، والتاليف و مركز للابحاث ورصد النجوم ، ومن اهم ما ميز بيت الحكمة هو تعدد المصادر وهي الكتب القديمة و التراجم والكتب التي الفت للخلفاء والكتب التي نسخت مما جعلها مجمعا علميا وظل بيت الحكمة قائما حتى اجتاح المغول بغداد سنة (656هـ = 1258م)حيث تم تدمير معظم محتويات بيت الحكمة في ذلك الوقت. ومن ثم "دار الحكمة" وهي جامعة أسسها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله عام 1004ميلادية 395هـجرية في مصر وتذكر المصادر أنها حوت 1.600.000 مجلد ضمّت (6500) مخطوطة في الرياضيات و(18.000) مخطوطة في الفلسفة وكان الدخول إليها والاستنساخ والترجمة مجاناً. إلا أن واقع الترجمة ظلت وعلى مدى العقود القليلة الماضية بعيدة عن أنظار ورعاية الدول والمؤسسات العربية ، اللهم إلا بما ندر مما جعل جودة الترجمة تهبط إلى مستوى سيئ جداً .فالترجمة ركن أساسي في خدمة تنمية أي مجتمع ومفتاح لحوار الحضارات  وجسور لتبادل المعرفة والثقافات ، فهل أولتها الدول العربية اهتمامها اللازم عوضاً عن اتهام الآخرين بأنه عديم الاكتراث بثقافتنا ؟

    أذاً لا بد من عرض إرثنا الثقافي والابداعي الانساني، في أبهى صورة، فكان اتباع المشروع الثقافي ليفتح طريقا للحوار الانساني بيننا وبين الشعوب الاخرى لكي يقرأوا ويشاهدوا وجهنا من الجانب النظر، حينها نكون قد قمنا بواجبنا تجاه أبناء جلدتنا العربية، ثقافياً واعلامياً وانسانياً.

     حين عدت إلى وطني الأردن اردت وضع تجاربي وخبرتي لخدمة وطني ودفع مسيرته، ايمانا مني بشعار

" الأردن أولا"  ، حاملا مشروعا ثقافيا ، ليؤسس ارضية لحوار ثقافي إنساني من اجل ايصال الصوت العربي، لضفاف عوالم أخرى كي تلتحم بحضارات وثقافات مختلفة، من أجل كشف واعلان وجه ثقافتنا العربية، لثقتي بنقاء عرسها، خارج حدود التعقيدات التي تعمل على هدم الجمال والخلق الابداعي عند المبدع العربي الثري، وايصال صوته وتثمين جهوده من خلال إقامة مهرجان يضم التلاحم الفكري الثقافي الانساني. كنت أود بناء خيمة تضم تنوع ثقافي لم يشهده العالم من قبل ، زحفت شروخ من البشر بكل ثقلها تدك حلمي، لما تحمله نفوسهم وكهوفها الجوفاء من خوف سرى في أبدانهم.  فلم أتوقع قط تلك الهجمة من موهومين يظنون أنفسهم عقلاء، وحماة الوطن وحراس الثقافة. منذ اعلاني الشروع بالعمل في مهرجان " أوديسا" ليكون هذا المهرجان الصورة الزاهية والمشرقة أمام العالم وقد أخترت الأردن لأن تكون البذرة الأولى والانطلاقة لهذا الحوار العالمي الإنساني لأنني ادرك بأن وطننا الأردن يتمتع بانفتاحه على العالم واطلاعه على ثقافة الآخرين وكذلك استقراره السياسي والأمني وهذا بالتالي لم يرق لأعداء الحضارة والإنسانية الذين يمارسون إرهاباً فكرياً بغيضاً بالتخطيط بعقلية إجرامية وبالعمل بحملة منظمة لتدمير المهرجان .

فالثقافة هي البطاقة التعريفية لأي حضارة. لهذا اؤمن بأن الثقافة حق للجميع ، إما أن يتعامل بها أشخاص قد اعتبروها سلعة يتاجرون بها واتخذوها شعارا لتمرير مصالح شخصية. فهؤلاء اسوء من الجهلة والخطر الحقيقي الذي يهدد أي ثقافة . وللاسف هذا هو حال ثقافتنا اليوم .فالقائمون على الثقافة لا علاقة لهم بالثقافة والإبداع.. مما دفعني للهجرة مرة أخرى وقد أخترت رومانيا، هذا الوطن الجميل لاجل استكمال حلمي ومشروعي حين عجزت عن تحقيقه في وطني. وهنا وجدت الدعم والرعاية من أصدقائي الرومان وعلى الجانب الآخر وجدت حربا تدار بالخفاء  من قبل البعض من أبناء الجالية العربية هنا في رومانيا ومحاولاتهم المستمية اليائسة في منعي بشتى الوسائل من تحقيق طموحي ، تماما كما فعلوا معي في الأردن ولا أدري حقيقة الأسباب و لمصلحة من  ولماذا .. وأنا اقول لهؤلاء مثل فلسطيني : أنا اسمع جعجعة ولا أرى طحينا وبنفس الوقت ومن جانبي اقول لهم شكرا على الصورة الجميلة التي تريدون اظهارها للرومان عن العرب وبكم نتفاخر بين الأمم ..وأود أن اطرح عليهم سؤالا واحدا ، هل حقا أنتم عرب ؟ وإذا كنتم كما تدعون ، بالله عليكم ، من أي مدارس في الوطن العربي تخرجتم ؟  فأنا تخرجت من مدرسة معاوية بن سفيان في مدينة الزرقاء في الأردن وهناك تعلمت قيمة العلم وأحترام الادباء والمعنى الحقيقي لمفهوم العروبة كما أشرت سابقا ... أذن أين أنتم من تلك القيم والأخلاق... ؟ فالعروبة منكم براء...!

والعروبة ، ايها سادة تتجسد فيما قاله المتنبي:

الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والسيف والرمح والقرطاس والقلم ..!!!

   أما الطامة الكبرى، تجاهل أبناء الجالية العربية لأصدقائنا الرومان الذين يعملون بصدق وأخلاص ، وايمانا منهم بغنى ثقافتنا والدفاع عن قضايانا ، وعلى سبيل المثال الشاعر والباحث الكبير ماريوس كيلارو والذي اعتز بصداقته وفوق كل ذلك أتشرف بمعرفته. فقد اصدار العديد من الكتب والدراسات الهامة عن الثقافة العربية ورفضة لربط الأسلام بالارهاب وقيامه مؤخرا بترجمة أنطولوجيا الشعر العربي إلى الرومانية والتي نحتفل اليوم بحفل اصدارها.وهذه الأنطولوجيا تعد أول انطولوجيا للشعر العربي المعاصر فقد اعتبرها الاعلاميون العرب ، احد اهم الاحداث الثقافية لعام 2007 . والسؤال : ماذا قدمنا له ؟ للأسف لا شيء، ولا حتى كلمة شكرا. وبعدها نستغرب لماذا صورتنا كعرب بهذا التشويه في الإعلام ، حقيقة ، نحن كعرب نتحمل مسؤلية الجزء الاكبر ، لأننا ببساطة لا نعرف كيف نحافظ على أصدقائنا ولا نتواصل معهم ونشجعهم ونشعرهم بأنهم في قلوبنا مثل  أبناءنا.  كنت اتحدث مع شخص من ابناء الجالية العربية ، وبحكم أنه يعرف رومانيا جيدا ويعرف قدر ماريوس كيلارو على المستوى الثقافي ، ليس فقط في رومانيا بل على المستوى الاوروبي والعالمي.. معربا له عن خيبة املي بابناء الجالية ، ليس اتجاهي ، لأنني أعتبر ما اقوم به اتجاه ثقافتنا واجب وطني ولا انتظر المقابل  من احد ،  وبنفس الوقت مجد شخصي ، وايمانا بحلم جمال عبد الناصر ورسالة العندليب الاسمر عبد الحليم. فأنا نشأت وترعرت على خطابات جمال وعلى صوت عبد الحليم . لهذا السبب كتبت قصيدتين لهما ، ووضعتهما بهذه الانطولوجيا حتى تتذكر الأجيال العربية بأن حلم الوحدة العربية ما زال موجودا . ويوما ما سنرى تلك الحدود بين المغرب واليمن تنهار ومعها ستنهار كل الحدود والحواجز بين البشر ، ويصبحوا امة واحدة بكل اختلافاتها اللغوية والثقافية والدينية ويجمعها عامل مشترك واحد " حب الإنسانية " .فأنا وضعت مع اسمي، رومانيا كوطني ، اشارة ، بأن الحدود التي تفصلنا قد انهارت بالشعر والثقافة . واذا دخلت رومانيا مؤخرا كعضو في الاتحاد الاوروبي، فبهذا الكتاب أكون قد ادخلتها الجامعة العربية . اما أنا مستاء من تجاهل أبناء الجالية العربية لمبدع كبير بحجم ماريوس كيلارو ، وبدلا  من تأييدي ، أعطني عذرا أقبح من ذنب. حيث قال : ماريوس كيلارو مقيم في ياش وليس في بخارست، ولا يعرف اللغة العربية ... ايعقل ان يخرج مثل هذا الكلام من شخص عمل فترة طويلة في الإعلام .

    شعراء هذه الانطولوجيا تحمل عقولهم التقديس لمفاهينا العربية وخطانا التاريخية وحضاراتنا الباسقة، مسلحين بأدواتهم الواعية في قضية مصير انساننا العربي، يبحثون عن طريق تحفه الليالي المضيئة والنهارات المشمسة والساعات الغدية بروائح السعادة والمحبة، ذاكرين مواضيهم الحانية باتنصاراتها، هم الشعراء الذين يرسمون على ريش الصقر حكايات النعمان بن المنذر، ناحتين على جلود الغزلان فروسياتهم، يبسملون الايام بآيات رسولهم العظيم ، يشهقون لعرس بطولاتهم، يسهرون تحت شبابيك أقمارهم، ينسجون قبعات أطفالهم من  براءة سنابلهم، يعلنون الفرح قائداً لهم حين يشع الفجر مع تلألأ الندى على وجوه خطواتهم في سيرهم وترحالهم، هم أبناء هذا الكوكب، أينما حلوا واستقروا، روح الانسان تسكنهم وحب المودة شرعهم، لا يعرفون سياسة غير النهوض بالامل والسعي وراء الخير من أجل جنين يولد والبسمة تشرق على محياه، ورغبة تنغرس في قلب ربيع صباه، لا يسعون وراء إرث أو جاه مكبل بالضحايا، أوسلطان لا خلاص فيه من ذنوب العباد، يتغذون على الكلمة، ومنها يملكون عالمهم، يجلسون على كراسي الاثر الطيب ويدخنون عطور مشاعرهم من عبير الحب، ناسين ومتذكرين بأن العالم لن يدوم لأحد غير خالقه، والجميع مسبح بحمده.  لذا أقول: ما دام ثوب الموت يلاحقنا منذ اللحظة الاولى، حين تلقح بذرة في رحم أنثى من نطفة رجل أتت من انسجام الطبيعة، وتمت لها الحياة، إذاً القبر جاهز قبل الولادة، فلماذا التغالي والتعالي في التعامل مع بعضنا البعض؟!

وأخيرا لا يسعني الا أن اتوجه بالشكر والعرفان الجزيل  إلى الشاعر والباحث ماريوس كيلارو والبرفسور عبد الستار الاسدي الذان عملا معي من اجل اخراج هذا الكتاب . ومن خلال هذا المكان اود توجيه الشكر إلى الصحفي المصري الكبير محمد البحيري  إلى تبني قضيتي اعلاميا ووقوفه إلى جانبي .

وكذلك للصحفية الجزائرية عقيلة رابحي ولجريدة الاحرار الجزائرية وجريدة القاهرة المصرية وجريدة الرياض السعودية وجريدة دار الحياة اللندنية وجريدة العرب الاسبوعي وجريدة الراية القطرية   وهناك شكر خاص إلى صحيفة ميدل إيست أونلاين الإلكترونية التي بذلت جهود كبيرة في خدمة الحركة الإعلامية والثقافية وانا أقول بصدق انها منارة إعلامية علينا أن نعتز بها.. وهناك مواقع اليكترونية ساهمت بتعريفي واتقدم بالشكر لهم وهم : صحيفة المثقف، الفوانيس ، دنيا الوطن ، دروب ، نور الدجى، ادبيات ،منبر الحوار و الابداع ، مركز النور ،عراق الكلمة ، مركز الحارس للدراسات والإعلام ، التجديد العربي ، دروب ، مجلة أوتار ، الندوة العربية ، حيفا لنا ،رابطة أدباء الشام ،النخلة والجيران،جريدة زمان الوصل الالكترونية ، الركن الأخضر ، بيتنا ، تللسقف ،بيت الشعر اليمني، اصوات الشمال - جماليــــا ،صوت العروبة ، ميدوزا ،

 وفي الختام اشكركم جميعا