صديقتي في القبر... !!!
صديقتي في القبر... !!!
هنادي نصر الله
توضأتُ بالأمس لأصلي المغرب؛ وبينما أُنهي صلاتي؛ لأستعد لوجبةِ غداءٍ دعاني إليها والدي؛ وإذ بأشقائي يقولون" لقد تُوفيتْ قبل قليل صديقتُك ابنة آل الحصري"..
وكأن خنجرَ دخل قلبي وقتها؛ لم أخلع ثياب الصلاة؛ بل صليتُ فورًا ركعتين؛ أسأل فيها المولى عز وجل أن يثبتها عند السؤال، أن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة، أن يعوضها خيرًا من الدنيا ومن فيها..
أنهيتُ الصلاة وبكيتْ.. بكيتْ.. بكيتْ.. لكنني لم أكنْ أشعر في بكائي إلا بالراحة، تلك الراحة التي طالما تطلعتْ إليها صديقتي المرحومة..
هي ليستْ صديقة الطفولة والدراسة بل أيضًا ابنة حارتي، كنا نذهب إلى المدرسة سويًا، وعند انتهاء مرحلة الثانوية العامة؛ دخلتْ كلية التجارة وكان حلمها أن تكون مديرة لكبرى الشركات، كما كان يقولُ الأجداد دومًا كان عقلها نظيف، وكانتْ مثابرة..
في العام الثالث لدراستها الجامعية، تقدم لخطبتها ابن خالتها " سائد" وافقتْ عليه وكانتْ البنت البكر لأهلها؛ أنجبتْ منه طفلين، ثم أصيبتْ بمرض السرطان ذلك المرض الخبيث..
ألقى زوجها مهمة علاجها لأهلها؛ فما بخلوا عليها بشيء، ذهبوا بها إلى كل مكان، فلسطين المحتلة عام ثمانية وأربعين، مستشفى المقاصد في القدس، لكن المرض أبى إلا أن يستبد بها..
أعوامٌ وهي تُعاني مع المرض؛ حُرمتْ خلاله زوجها وطفليها، دراستها، وأهلها، وكل بيئتها المحيطة..
كانتْ حديث النسوة في مجالسهن، يا حسرة على شبابها وعلى أمومتها الضائعة، على زواجها الذي لم تنعم به..
وفجأة وأنا أستذكر كل ذلك وأبكي.. وإذ بي أسمع خطوات المارة وألسنتهم تقول " قولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله".. فتحت النافذة وإذ بصديقتي محمولة على أكتافهم..
صعدتْ بجنون إلى سطح المنزل؛ لأتتبع خطواتهم؛ وقفوا أمام مسجد الأبرار؛ دخلوا هناك، صلوا عليها، ثم واصلوا المسير، وأنا واصلتُ تتبعهم بشغفٍ غير عادي..
تأملتها وهي تُحمل في موكبِ التشييع، وكانت قبل أعوام تُزف في موكبِ فرحٍ إلى بيت عريسها..
ودعتْ كل شيء، وذهبت إلى ربها، لستُ حزينة لأنها تُوفيتْ، فقد ارتاحتْ من ألمها، هزا هو الشعور الذي منحني إياه ربي؛ بعد أن دعوتُ لها..
عهدًا صديقتي لن أنساكِ وسأبقى أدعو المولى أن يرحمكِ عسانا نلتقي في جنات الخلد..
والحق يُقال كانتْ طيبة يعزُ عليها أن يُسيء إليها أحدْ، كانتْ تسردُ لي الموقف المؤلم الذي تعرضتْ له مرات ومرات، أقول لها" أرجوكِ انسي أو تناسي" تقول لي" لا فقط أنا أقول لكِ"..
وكم مرةٍ قالتْ لي ذات الموقف، ذلك يدلل فقط على مدى تأثرها، على طيبةِ قلبها التي ذبحتها في حياتها ألف مرة..
لن أنسى أبدًا حديثنا البريء، طفولتنا الجميلة، حبيبتي آية.. أول ليلة في القبرِ لها هولها، أسأل الله أن تكون سهلة عليكِ..
اللهم ارحمها، واجعل الفردوس الأعلى مثواها، وألهم أهلها عظيم الصبر والسلوان...
بدموع قلبي أُشيعكِ.. وأشعرُ بالراحة لأنني أشعرْ بأنك مماتكِ أراح قلبكِ وتوجعكِ..
سأفتقد طيبة قلبكِ التي تُشبه طيبة قلبي؛ ستفتقد حارتنا طيبِ أخلاقكِ، ولن ننساكِ
وإنا لله وإنا إليه راجعون..
ويبقى مساء الثلاثاء 28/10/2014م يوم لن تنساه ذاكرتي..