الوطن والمواطنة في صحيفة المدينة

د.خالد الأحمد *

تمهيد :

يقول الدكتور يوسف القرضاوي يحفظه الله :

 قرر فقهاء المذاهب المختلفة جميعاً : أن غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، وهم الذين يعبَّر عنهم في الاصطلاح الفقهي بـ (أهل الذمة) يعدُّون من (أهل دار الإسلام). فهم من (أهل الدار) وإن لم يكونوا من (أهل الملَّة).

وفي اجتهادي: أن كلمة (أهل الدار) هذه تمثِّل مفتاحاً للمشكلة، مشكلة المواطنة، لأن معنى أنهم (أهل الدار) أنهم ليسوا غرباء ولا أجانب، لأن حقيقة معناها: أنهم أهل الوطن، وهل الوطن إلا الدار أو الديار؟

.... إن الاشتراك في الوطن يفرض نوعا من الترابط بين المواطنين بعضهم وبعض، يمكن أن نسمِّيه (الأخوة الوطنية) فكلُّ مواطن أخ لمواطنه، وهذه الأخوة توجب له من حقوق المعاونة والمناصرة والتكافل ما يستلزمه معنى (الأخوة) أي الانتماء إلى أسرة واحدة.

والأخوة الوطنية دليلها من القرآن الكريم ، عدة آيات تصرح بالأخوة في الوطن، منها قوله تعالى :{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:106]، وأمثالها كثير .

انتهى كلام القرضاوي .

إذن قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود مواطنين في المدينة المنورة ، وعقد معهم عهداً عرف باسم ( صحيفة المدينة ) تحدد مالهم وماعليهم ، ولانـجد ميزات للمسلمين على غير المسلمين ، فحرية الدين للجميع ، ولكل عبادته لله عزوجل – كما يعتقد – والجميع يدافعون عن المدينة المنورة ، إذا غـزاها العـدو

ونتابع القراءة من كتاب الدكتور محمد فارس الجميل ، بعنوان ( النبي ويهود المدينة ) ، و[ مابين المعقوفتين للباحث الحالي ] يقول الدكتور الجميل في ص ( 76- 81 بتصرف ) :

تتألف صحيفة المدينة من جزءين أو صحيفتين أولاهما المتصلة بالمهاجرين والأنصار ومن تبعهم ، والثانية تتألف من ( 24) مادة من ( 24 – 47) كلها تتعلق باليهود ، وهذه بعضها :

المادة (24) : تشترط على اليهود أن ينفقوا مع المؤمنين ماداموا محاربين ،[ أي يتوجب على اليهود الإنفاق مع المسلمين إذا تعرضت المدينة لعدوان خارجي . وهذه من الواجبات التي تساوى فيها المسلمون واليهود ، وهو واجب الإنفاق في الدفاع عن المدينة ، تساوى المسلمون مع يهود المدينة في واجب الدفاع عنها ]...

المادة (25) إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم ، [ وهذه من التساوي في الحقوق ، فيحق للمسلمين ممارسة دينهم ، كما يحق لليهود ممارسة دينهم ]، ويظهر أن المقصود بالأمة هنا أنهم أمة لها حقوقها وتعيش مع أمة المسلمين .

وتعترف الفقرة الثانية من المادة (25) لليهود بديانتهم ، وصحيفة المدينة أول دستور في العالم أقر بحرية الأديان كما يقول المستشرق ( داني فردريك ) . والمادة (37) : إن على اليهود نفقتهم ، وعلى المسلمين نفقتهم وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة . وهي تأكيد على مبدأ المؤازرة والنصرة بين الطرفين مسلمين ويهود ضد كل من أراد شراً بأهل هذه الصحيفة ، وعلى كل فريق منهم تحمل النفقة قي ذلك .

والمادة (39) تتعلق بتحريم المدينة ووضع حدود جغرافية لها يحرم فيها القتال وقطع الشجر ...والمادة (42) يعترف فيها اليهود بسلطة النبي صلى الله عليه وسلم وأن أي خلاف ينشب بينهم وبين المسلمين يجب أن يرجعوا فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ...

[ تعليق الباحث الحالي :

1-  رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وادع ) من بالمدينة من يهود وكتب بذلك كتاباً .... ومفهوم الموادعة : الصلح والسلم ، كما جاء في ( النهاية في غريب الحديث ) : أنه وادع بني فلان أي صالحهم وسالمهم على ترك الحرب والأذى . وهذا كلام واضح لالبس فيه ، من جواز الصلح والمسالمة مع غير المسلمين ، طبعاً مع الحذر ، ومع قوة المسلمين ...

2-  أقرت الصحيفة المسلمين من قريش وأهل يثرب على عاداتهم وأعرافهم القديمة التي لاتتنافى مع روح الإسلام ومبادئه ، كما أقرت مبدأ العقوبات والديات وعقود الصلح والحرب .

3-  شــددت على الجـوار وحـرمتـه : فللجوار حرمة ، سواء كان الجار مسلماً أو غير مسلم ، صحيح أن للمسلم حق الإسلام ، وحق الجيرة ، ولغير المسلم حق الجيرة فقط ، وقد عاش الشعب السوري ( مسلمون وغير مسلمون )في سوريا قبل النظام الأسـدي يحفظـون حقـوق الجيرة ، بين المواطنين ، بشـتى مذاهبهم وأعراقهم ، يحترمون بعضهم ، قبل أن ينبش النظام الأسدي الطائفية ليتخذها ســـلماً يرتقي إليه كي يتملك سوريا ،ويزكي نارالطائفية ، بالأفعال لا بالأقوال ، حتى غدت قويـة تهدد وحدة الشعب السوري ... وعلى العقلاء من السوريين ( ويجب أن تكون المعارضة منهم ) أن يعيدوا للشعب السوري حرمـة الجـوار التي كانت سائدة قبل النظام الأسدي ].

               

*كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية