زواج المرأة في الجنة
د. نعيم محمد عبد الغني
زواج المرأة في الجنة مسألة قديمة جديدة، تشغل بال الكثير من الناس، في أكثر من صورة فالبعض يسأل عن المرأة التي لم تتزوج هل تظل على حالتها في الجنة من عدم الزواج الذي هو متعة للذكر والأنثى على حد سواء؟ والتي تزوجت تتزوج زوجين وثلاثة وأربعة ثم تموت فتدخل الجنة مع أزواجها، من يكون زوجها منهم؟ ومسألة غيرة النساء من الحور العين هل هن أفضل وأجمل من بنات حواء الحور الطين؟
والجواب عن هذه الأسئلة جاء صريحا وضمنيا في القرآن والسنة، فأما ما جاء صريحا فقد تمثل في إجابة الرسول – صلى الله عليه وسلم- على السيدة أم سلمة في الحديث الذي ورد في كتب السنة واللفظ للطبراني عن أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله المرأة منا تتزوج زوجين والثلاثة والأربعة ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجها قال يا أم سلمة: إنها تخير فتختار أحسنهم خلقا فتقول أي رب إن هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا فزوجنيه يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة.
إذا فالمرأة التي يتعدد أزواجها في الدنيا، ويدخلون الجنة معها يخيرها الله في أن تختار بين هؤلاء الأزواج فتختار أحسنهم خلقا، هذا طبقا لهذه الرواية، لكن في رواية أخرى أن المرأة في الجنة تكون لآخر زوج توفي عنها، ففي الحديث أن معاوية -رضي الله عنه- خطب أم الدرداء فأبت أن تتزوجه وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المرأة لآخر أزواجها ولست أريد بأبي الدرداء بدلاً، فنصحها معاوية بالصيام. وفي رواية: أيما امرأة توفي عنها زوجها فتزوجت بعده فهي لآخر أزواجها، وروى البيهقي في سننه أن حذيفة قال لزوجته: إن شئت تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا. فلذلك حرم الله على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده، لأنهن أزواجه في الجنة. فعن قتادة أن رجلا قال: لو قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت عائشة، فأنزل الله تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً) الأحزاب 53.
وأرى عدم التعارض بين هذه الروايات، فنكاح أزواج النبي بعد وفاته حالة خاصة بالنبي؛ لأن أزواجه أمهات المؤمنين، وأما رواية أن المرأة تخير بين أزواجها فتختار أحسنهم خلقا، فيكون ذلك عند تفاوتهم في المرتبة والمكانة والمعاملة عند المرأة وهي ضرب من الراحة، والله يريد أن يجمع لها كل متعها، فتختار أكثر زوج كان حسن الخلق معها استكمالا لمتعتها، وإن كان الأزواج لديها سواء في حسن الخلق والمنزلة والمكانة فإنها في ذلك الوقت تختار آخر أزواجها، ومن ثم فلا تعارض والله أعلم.
أما المرأة التي لم تتزوج مطلقا أو كانت مطلقة مثلا فإنها تزوج في الجنة؛ حيث إن الجنة لا يوجد فيها عزب؛ لما ورد في بعض روايات مسلم: "وما في الجنة عزب"، والعزب لفظ يطلق على الذكر والأنثى، كما في كتب اللغة، ويعني من لم يتزوج.
ولما كان الزواج شهوة مشتركة بين الرجل والمرأة، وقد قال القرآن عن الجنة: (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) فإن الزواج يكون في الجنة أيضا للتي لم يكتب لها الزواج في الدنيا.
والمرأة المحبة لزوجها تغار عليه -كما بينا في مقال سابق- وتمتد هذه الغيرة إلى التفكير في حور الجنة اللاتي جعلن للمؤمن، تلك الحور التي وصف جمالهن في القرآن بأوصاف عدة، منها كأنهن بيض مكنون مثلا، وتسأل السيدة أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم فتقول له: (يا رسول الله أنساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة، قلت يا رسول الله وبم ذاك؟ قال بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله ألبس الله وجوههن النور وأجسادهن الحرير، بيض الألوان خضر الثياب صفراء الحلي مجامرهن الدر وأمشاطهن الذهب، يقلن ألا نحن الخالدات فلا نموت أبدا، ألا ونحن الناعمات فلا بؤس أبدا، ألا ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا، طوبى لمن كنا له وكان لنا).
وبعد فهذا موجز عن زواج المرأة في الجنة وغيرتها من الحور العين، والله الموفق.