الصحافة الإلكترونية الفلسطينية
الصحافة الإلكترونية الفلسطينية
والغرق في التقليدية
محمود خلوف
صحفي وطالب دكتوراه إعلام
على هامش دورة تدريبية تحدثت والزميل خالد أبو عكر مدير عام شبكة أمين الإخبارية، عن النمط السائد في الصحافة الإلكترونية الفلسطينية، وهو التقليدية في الشكل والمضمون، وكان أبو عكر متفهماً لوجهة نظري كباحث في هذا الموضوع، رغم نقدي اللاذع المستند إلى الواقع.
ولم يكن أبو عكر سوى من القلائل الذين اقتنعوا بهذه الفكرة، الأمر الذي دفعني لكتابة هذا الكلمات، وبخاصة بعدما انتهيت من إجراء دراسة استطلاعية على ستة من أبرز وأقوى المواقع الفلسطينية الصحفية على شبكة الانترنت.
ولا أخط هذه العبارات سوى لتقديري الكبير للدور الريادي الذي تؤديه المواقع في توصيل رسالة الفلسطيني المقهور ومسلوب الحقوق في ظل احتلال متغطرس متواصل منذ ستة عقود، وكذلك لجلب انتباه القائمين عليها لبعض الحقائق على أمل الأخذ بها، دون إنكار مدى القلق والإزعاج الذي تسببه للحركة الصهيونية وأنصارها، الأمر الذي فرض على أبناء الشعب الفلسطيني بعد تعرض العديد من المواقع للقرصنة والتخريب، الخوض في معركة الكترونية كانوا متفوقين بها.
قد يتبادر إلى ذهن الكثيرين أن العمل في المواقع الصحفية الالكترونية لا يختلف عنه في الصحافة الورقية، وبخاصة فيما يتعلق بالإخراج والتحرير، وهذا بحد ذاته جوهر المشكلة، فالصحافة الإلكترونية وحتى لو كانت لا "تحشر" القائم بالاتصال بقيود المساحة، فهذا لا يعني أنه بإمكانه الكتابة كما أراد، وبنفس الأسلوب المتبع في الصحافة التقليدية.
واللافت أن الغالبية العظمى من المواقع الصحافية الإلكترونية هي اشبه بمواقع الهواة، وهذا يظهر من خلال الإخراج التقليدي، والإفراط في استخدام الصور الشخصية، وإغفال أهمية الوسائط المتعددة، وعدم استخدام المواد السمعية والبصرية، التي تعطي مصداقية للمتلقي، وتجعله أكثر استمتاعاً في الإبحار داخل الموقع.
فالواضح أن المواقع الصحافية الإلكترونية الفلسطينية سواءً أكانت تابعة لصحف ورقية، أو مواقع إخبارية أو تابعة لمحطات راديو وتلفزيون، أو صحف الكترونية ليس لها نسخة ورقية، أو تابعة لوكالات أنباء تندرج ضمن النسخ «الصماء» للوسيط التقليدي، وذلك يعود لعدم استخدام هذه المواقع الإمكانات التي تتيحها شبكة الانترنت، وبُعدها كثيراً عن النمط السائد في الصحافة الالكترونية المتميزة التي تتحلى بها المواقع المتطورة، كـ"الجزيرة نت"، و"العربية نت"، و"إيلاف"، وموقع هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية (BBC).
وبما يتعلق بالمضمون فالأصل بأن تتسم الكتابة في المواقع الصحفية الإلكترونية بالاختصار، والتكثيف والربط الرقمي التشعبي، على طريقة النص الفائق المترابط، في الكتابة الإلكترونية.
فالقصة الخبرية في الصحافة الإلكترونية كما ذكرت دراسة الدكتور خالد الفرم، نائب رئيس تحرير صحيفة «عكاظ»، عن الصحافة الإلكترونية وتطبيقاتها يفترض ألا يتجاوز 24 سطراً على شاشة العرض، ومتوسط الامتداد يفترض ألا يتجاوز 500 كلمة، مع ضرورة استخدام الوسائط الإعلامية المتعددة في القصص الطويلة، وليس كما نجده على المواقع الالكترونية الفلسطينية من طول مخل في الفقرات والمواد، وعدم استعمال ألـ(ملتيميديا).
فقد أثبتت البحوث أن مستخدمي الانترنت لا يحبون النصوص الطويلة المنشورة على أكثر من صفحة ويفضلون أن تكون قصيرة ومُرَكزة، لأن القراءة من شاشة الكمبيوتر تكون أبطأ بنسبة 25% تقريباً عن القراءة من الورق العادي، ولكون القُراء يعانون بسبب شاشات الكمبيوتر من إجهاد العين ونقص الصبر عندما يقرأؤن نصوصاً الكترونية طويلة.
ويظهر أن المواقع الصحفية الفلسطينية بشكل عام تغفل تقسيم القصة إلى فقرات، تتراوح كل فقرة منها من 2: 5 سطور، كما يغب إلى حد كبير استخدام الوصلات والتي يمكن أن تكون كلمات مفتاحية أو أيقونات أو صور توجه المستخدم.
وفي سياق الحديث عن مضمون المواقع الصحفية الفلسطينية، فلا بد من الإشارة إلى أن غالبيتها لا تعمل على مدار ألـ24 ساعة، فعادة ما يقفل دسك التحرير أبوابه في الساعة 24 ليعود الطاقم للعمل في السابعة والنصف صباحاً، باستثناء حالات طارئة ونادرة، وبذلك إخلال في ميزة أساسية للعمل بالمواقع الالكترونية التي تتسم بالفورية، والتميز بالسبق الصحفي.
وبما يتعلق بالقوالب المستخدمة في المواقع الفلسطينية فغالبيتها تعتمد على النمطين المقلوب والمعتدل، وقليل على قالب الساعة الرملية Hourglass Structure: الذي يتكون من مقدمة ملخصة، ثم معلومات خلفية عن الحدث، فإبراز أهم وجهات نظر أطراف الحدث، يليهم عرض زمني متتالي للأحداث الفرعية في الخبر.
ولكنها تغفل استخدام الكثير من القوالب التي فرضتها طبيعة الموقع الصحفي الإلكتروني، وكذلك إمكانات الانترنت مثل:-
* نمط لوحة التصميم Storyboard: ويتم هذا النمط بإدخال كل الإمكانات التي تتيحها بيئة العمل على شبكة الانترنت وبخاصة الوسائط المتعددة التفاعلية، من خلال دمج الصوت والصورة، ورجع الصدى بالقصة الخبرية.
* نمط المقاطع Section Technique: الذي يناسب الأخبار المركبة والمعمقة والقصص الخبرية، ويقوم على تقسيم الخبر إلى مقاطع، والتعامل مع كل مقطع على أنه خبر مستقل له مقدمة وجسم وخاتمة، وتقسيم الخبر إلى أجزاء وفقاً لترتيب وقوع الأحداث، أو وفقاً للتطور الزمني للحدث.
* نمط القائمة Technique List: ويفيد في تحرير الأخبار عندما يكون لدى المحرر عدة نقاط مهمة يجب تأكيدها، ويقوم على وضع معلومات الخبر في شكل قوائم (علبة المعلومات) داخل الخبر أو في خاتمته، ويمكن استخدامه في الأخبار التي تتعلق بدراسات، ونتائج بحوث وبرامج الحكومية والتقارير الاقتصادية.
* نمط الدائرة Circle Technique: ويتم تحرير الخبر في شكل دائرة النقطة الرئيسية فيها الاستهلال، وكل النقاط المساندة يجب أن تعود إلى النقطة المركزية في الاستهلال، وهو على عكس الهرم المقلوب الذي ترتب فيه الوقائع حسب تدني درجة الأهمية، مع مراعاة أن كل جزء من الخبر متساو في الأهمية، وقد ترجع الخاتمة إلى نقطة الاستهلال.
* النمط غير الطولي Nonlinear، وهو عكس القالب الطولي الذي يقوم على بناء الأخبار من البداية إلى النهاية كما لو كانت في خط مستقيم وفيها لا يسيطر القاريء على تتابع الأحداث داخل الخبر، ويقوم على وجود وصلات متعددةhyperlinks تسمح للقراء باختيار الترتيب الذي يريدون من خلاله الوصول إلى المعلومات التي يتضمنها الخبر.
وبالنظر إلى وظيفة المحرر في المواقع الصحفية الالكترونية الفلسطينية، فمع التطور النسبي الذي طرأ على عمله من خلال استخدام بعض إمكانات التكنولوجيا بالتحرير والبعد عن نمط القلم والورقة في العمل، إلا أن هذا المحرر لم يصل بعد إلى مرحلة المحرر المنتج، لأن دوره لازال يقتصر على انتقاء المحتوى المنقول من النسخة المطبوعة للصحيفة، أو إعادة تكييف المحتوى المنقول من النسخة ذاتها، أو التعامل مع المادة التي يرسلها المراسل الميداني، دون القيام بوظيفة دعم المادة الصحفية بالمواد الصوتية والمصورة، ودون إقامة الروابط التشعبية للموضوعHypertext Links، وهذا ينعكس سلباً على مستوى الموقع وقدرته على الجاذبية، فمثلاً عند نشر قصة صحفية أو تقرير يتعلق بالحفريات التي نفذتها إسرائيل بالقرب من الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك، فان المحرر لم يصل إلى مرحلة تجعله يُدعم المادة بوصلات تدخل الجمهور إلى مختلف أركان الحرم القدسي، أو حتى إلى بعض أرجاء البلدة القديمة من القدس.، أو إلى موقع الحفريات ذاته.
وبما يتعلق بالجمهور فيعيب المواقع الصحفية الالكترونية تركيز رسالتها على الجمهور الداخلي، وإغفال حقيقة أن جمهور الموقع هو محلي وإقليمي دولي، فالأصل بأن يجد المتلقي همومه وقضاياه داخل الموقع، من خلال طرح القضايا التي تهمه، ويفترض أن تتنبه المواقع الفلسطينية إلى ضرورة منح هامش معقول من التغطية للقضايا الدولية والإقليمية، وإتاحة الفرصة للمتلقي التعليق على المادة.
وفي ضوء ما سبق آمل أن يضع القائمون على المواقع الإلكترونية الفلسطينية عل أجندتهم مسألة التدريب على استخدام الأنماط الحديثة في التحرير والإخراج، واستخدام الأسس العلمية للعمل الصحفي في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، والمنافسة على تقديم ما هو أفضل، والخوض في إمكانية البحث في ما يهم الجالية الفلسطينية في الشتات، والاهتمام بزيادة الكوادر المتخصصة.