مريم عليها السلام في الإسلام
مريم عليها السلام في الإسلام
ربيع شكير
طالب بالدراسات العليا
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبيه الأمين وعلى آله وأهله.
سورة آل عمران
قران كريم
«إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ {3/33} ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {3/34} إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {3/35} فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {3/36} فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ {3/37} هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء {3/38} فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ {3/39} قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء {3/40} قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ {3/41} وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ {3/42} يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ {3/43}»[1].
1-النسب والاصطفاء
قال تعالى: «إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ {3/33} ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {3/34}»[2].
هنا سؤال: هل معنى هذه الاية: أن الله اصطفاهم فكانوا طائعين من أجل هذا الاصطفاء؟ أم انه سبحانه علم أزلا أنهم سيكونون طائعين فاصطفاهم؟
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي[3]-رحمه الله-: ان علم الله علم ازلي، وليس علما مترتب على غبره. اذن فاصطفاء الله لال عمران مع آدم ونوح وآل ابراهيم انما كان لأنه علم أزلا أنهم سيكونون أخيارا، أو أنهم كانوا أخيارا في نفس العامة، وسيكونون أخيار حين يكلفون في نفس الخاصة..هم أخيار قبل التكليف لو تركتهم لعقولهم لكانوا أخيارا.
جاء في القرآن الكريم أن مريم هي ابنة عمران؛ قال تعالى: «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {66/12}»[4].
فقد بين سبحانه في هذه الآيات أن آل عمران أسرة مختارة ومفضلة مع من فضل من العالمين، ومريم هي من آل عمران؛ فهي من عائلة كريمة في النسب والدين، عظيمة في الخلق لا يمكن لقادح أن يتعرض لها بسوء، والآية الثانية أكدت هذا المعنى المقصود من الطهر والعفاف.
2-الحمل والنذر
قال تعالى: «إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {3/35}»[5].
والحديث هنا عن أم مريم الحامل، وقد نذرت بأن يكون ما في بطنها خالصة لله، ورجت القبول من الذي يسمع الدعاء ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولم يذكر القرآن الكريم تفاصيل هذا النذر لحكمة الله أعلم بها.
3-الوضع والتسمية
قال تعالى: «فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {3/36}»[6].
وضعت امرأة عمران حملها فإذا بالمولود أنثى، فتعجبت من أمرها ونادت ربها قائلة: «وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {3/36}»4.
4-القبول والكفالة
قال تعالى: «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ {3/37}».
تقبل رب العزة النذر بقبول حسن وأبعد عنها كيد ابليس وجنده؛ قال صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدام يطعن الشيطان في جنبيه باصبعه حين يولد، غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب».
وفي رواية: «كل بني آدام يمسه الشيطان يوم ولدته أمه، الا مريم وابنها».
وكفلها زكريا عليه السلام لأنها كانت يتيمة الأب، وكان عليه السلام يدخل عليها بين الحين والآخر ليطمئن عليها ويؤمن لها حاجتها وكان «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ {3/37}»[7].
وباختصار فان المتأمل في نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية، يلحظ- بخصوص قصة مريم عليها السلام- الأتي:
1-ليس في القرآن الكريم سورة باسم امرأة سوى سورة مريم عليها السلام.
2-لم يذكر في القرآن الكريم اسم امرأة صراحة سوى مريم عليها السلام.
3-مريم مصطفاة: مرة لانجاب عيسى عليه السلام ومرة على نساء العالمين؛ قال الله تعالى: «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ {3/42}»[8].
4-مريم مؤيدة بالمعجزات: «فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا {19/24} وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا {19/25}»[9].
5-مريم مصدقة بكلمات ربها وكتابه: «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {66/12}»[10].
6-سيدة كاملة: قال صلى الله عليه وسلم: «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا: مريم بنت عمران، وآسية امراة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».
7-مريم من أفضل نساء أهل الجنة: قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امراة فرعون».
ويكفي لمعرفة قيمة ومكانة مريم عليها السلام في الاسلام أن يقرأ هذا المقطع من سورة مريم؛ قال الله تعالى: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا {19/16} فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا {19/17} قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا {19/18} قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا {19/19} قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا {19/20} قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا {19/21} فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا {19/22}
فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا {19/23} فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا {19/24} وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا {19/25} فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا {19/26} فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا {19/27} يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا {19/28} فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا {19/29} قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا {19/30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا {19/31} وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا {19/32} وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا {19/33} ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ {19/34} مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ {19/35}»[11].
تلك هي الصورة الكريمة الوضيئة لمريم الطاهرة العفيفة البتول في القرآن الكريم، وفي الاسلام بصفة أعم.
-سورة آل عمران؛ الآيات:33-43.span>[1]
-سورة آل عمران؛ أية: 33-34.[1]
-م-مريم والمسيح: الشيخ متولي الشعراوي؛ جمع وإعداد وترتيب: عبد القادر احمد عطا؛ مكتبة التراث الإسلامي-القاهرة.ص:7.[1]
-سورة التحريم؛ الآية: 12.[1]
-سورة آل عمران؛ الآية: 35. لمزيد من التفصيل حول الحمل والنذر؛ يرجع إلى تفسير ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة.[1]
-سورة آل عمران؛ الآية:36.[1]
سورة آل عمران؛ الآية: 37.[1]
.سورة آل عمران؛ الآية: 42.[1]
-سورة مريم؛ الاية:24-25.[1]
-سورة التحريم؛ الآية: 12.[1]
.سورة مريم؛ الآية: 16-35.[1]