الفن معبر
محمد قاسم
في متابعتي لفضائيات والمطبوعات الدورية (المجلات والجرائد-خاصة..وما شابه..)
لاحظت أمرا واحدا..يلفت الانتباه بشدة..وهو: هذه النزعة الإعلانية الطاغية فيها..!!
وليست المشكلة فقط في أنها إعلانات لترويج لسلع معينة-مثلا-وهي دوما سلع مادية لا تتضمن أية قيم لها صلة بالأخلاقيات،والمنطق الإنساني المفترض ايجابيا. ومعايير التفكير والسلوك في حالتهما الايجابية (العلاقات البشرية المفترضة في حالاتها المعتبرة والمطلوبة..).
وهذا يطرح قضية الحرية..!
نتفهم فكرة أن الحرية حق لكل البشر،ومن الجمال في هذا الصدد قول الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب:"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"
لذا فإننا نرى أن الحرية قيمة أعلى ينبغي فهمها ونفهمها وتنميتها..
لكن يحق لنا أن نطرح –هنا- قضية نراها حقا أيضا. او سؤالا مشروعا هو:
ما هي الحرية؟
ما حدودها؟
متى تكون الحرية مشروعة،ومتى تتجاوز المشروعية..؟
من يحدد هذه المحددات،ومشروعيتها؟
قضايا متشابكة ومتداخلة ..منذ القديم.!
ولقد حاول الأقدمون أن يجدوا حلا،وطرحوا الكثير من الأفكار والآراء والمقترحات .. حول ذلك.. ولكن يبدو أن المشكلة لم تصل-بعد- إلى حل نهائي.. ربما كثرت المعطيات القابلة للمناقشة..!
ربما الكشف عن ذلك،يساعد على ترجيحات لبعضها ..!
ربما توصل الناس إلى صيغ أكثر مرونة –وقابلية أفضل للحوار –والاعتراف –نظريا على الأقل- بحق الآخر..وانعكس هذا الاعتراف بشكل أفضل على الصيغة العامة للتعامل...على الأقل بالنسبة لذهنية استطاعت أن تكتسب بعض مرونة في التفاعل مع الأفكار والأحداث والعلاقات عموما.
ولكن لم يتلاش دور العامل الأكثر حسما في التأثير في مسار السلوك البشري –-هذا العامل هو: عامل القوة..!
فعلى الرغم من التفنن في ابتكار المفاهيم والمصطلحات والأفكار ذات الرنين والبهرجة..إلا إنها تخفي –دائما –خلفها العامل الأكثر حسما لمن يمتلكها-كما سلف- وهو القوة بالمعنى العام..!
وظل هذا العامل-القوة- هو الذي يدير دفة الأمور في كل المجالات والميادين..بشكل ما ..بدرجة ما..على الرغم من الظن أن أنها قد أُنسنت-من الإنسانية-..
على كل نحن-هنا- نحاول البحث في دور الفن.لذا لن نغرق في البحث عن أنسنة القوة فلسفيا.إلا فيما يتعلق بالفن فحسب..
فالفن أيضا يستند دوره إلى القوة في صورة أكثر إغراء، وجاذبية، وتأثيرا-للأسف-
فإن ما يملكه الفن – بالمعطيات الإغرائية التي تتمتع بها- يفوق القوة المباشرة بالعضلات، او السيف، أو النار – بشكل عام -. باعتبار أن أثر القوة المباشرة محدودة في الزمان والمكان –مهما كان كبيرا- لكن أثر الفن ممتد في الزمان والمكان،طولا وعرضا وعمقا.. !
وهنا مكمن الخطر..ومصدر الشدة في التأثير.
لقد تسلل أصحاب الاتجاه المغلِّب للمصلحة المباشرة –المادية والمعنوية معا-إلى تسويغ إطلاق الحريات بلا حدود.فسهل ذلك التسلل إلى استقطاب مشاعر، ورغبات، وغرائز الشرائح التي لم تستكمل نضجها العقلي، والقيمي.. كالأطفال، والشباب المراهقين، والنساء بخبراتهن الأقل عن استيعاب المواضيع، والقضايا الكبرى.وكذلك الشيوخ الذين يفقدون الكثير من القدرة الطبيعية على حسن التفكير والتحكم بأعصابهم وغرائزهم...الخ.
وربما يرى البعض أنه يحق لهم أن يفعلوا ما فعلوه –بمعنى ما – باعتبار ممارسة الحرية ،وهي في الثقافة الغربية حرية فردية كأساس.ونحن لا نرى بأسا في ذلك ،لكننا نتساءل أين هي مدى هذه الحرية؟
فمنذ القديم المغرق في البعد..يغلب على المنهج البشري اعتبار الحكمة في الخبرة والتميز بالذكاء..بل والمشروعية أيضا..وفق معايير متفق عليها ..هي المعيار الذي يكوّن أساس تقييم القيم والأفكار والسلوك..!
فهل هذا المعيار مفعّل في تقييم مدى الحرية هنا،وإطارها بل وغايتها أيضا..؟!
كلمة الحق-حق الحرية- مصطلح يبدو مفهوما وواضحا ولكنه –في الحقيقة- غير واضح بما فيه الكفاية في الأذهان جميعا..خاصة في ظروف تفاوت المستويات العقلية والثقافية والعلمية...والاستيعاب الاجتماعي..وهذه تحتاج الى تكريسها في السلوك عبر تربية ينبغي ان تكون الأسرة أهم أركانها وان تدخلت الدولة عبر قوانين ما في المسألة.!