جدارية قبر منسي

عيسى ادريوشي

[email protected]

هذا هو المكتوب على شاهد قبر منسي لأحد فراعنة العصر الحديث

...أيها المارون من هنا ...لأخذ صور تذكارية تفنى ولا تعود...

إنكم عابرون إلى طريق الخلود...

قد سبقتُكم إلى هنا...

ولكنكم لاحقون بي عما قريب...

لم يعد في لغتي قريب ولا بعيد..

فقد غادرت عالمكم، عالم الأقيسة والأطوال والمسافات والمعابر...إلى عالم ليس فيه حدود...

مقاييس العالم الجديد ليست بلغة اللحم والدم بل بلغة الروح ...

إن المجد الذي تتصورون أنفسكم تكتبونه وأنتم فوق مراكبكم الفارهة، لهو مجد منسي تماما كسطور الماء فوق صفحات الرمال...

وإن البحر الذي بلا حدود ليمحو ما يتساقط من أسمائكم واحدا واحدا...وإنه لا انتصار في النهاية إلا لصوت البحر الهادر الذي لا يكف عن الصراخ بفراغكم...

إن الحياة التي تتصورونها طويلة جدا، لهي أقصر من لمحة عين خاطفة، ولكنه البريق يُعمي أبصاركم عن رؤية الحقيقة الساطعة...

الحقيقة التي تختبئ وراء جدران شهواتكم، والتي أثقلتها كلماتكم المترهلة، وجعلتها مثل طفل يسير بعكازين في طريق مظلم ذات ليلة شاتية

إن عواء الذئاب ونباح الكلاب لهو أهون من كل صوت مرير يبحُّ حناجركم عندما تهتفون رياء بحياة الزعماء

كل هذا يُـــنسى

لأنه مكتوب بلغة غير ما تعرفون...

وإنها لحقائق تحلق في السماء بكل جناح، ليس لها صوت حشرجة صدوركم عندما تحين ساعة القبور، ولا كآبة وجوهكم عندما تسقط عنكم أقنعة الزيف والكذب والرياء، وتوسمون بميسم الغبَرَة الأسود...إنها لا تسمع ولا ترى ولا تنكشف لغير عين الروح، إنها محجوبة عنكم، فعيونكم مفقوءة، وآذانكم مصكوكة، ووجوهكم مطموسة مرتدة على أدبارها، وأيديكم مشلولة وأرجلكم مبتورة، وأرواحكم مثقلة بأحمال الشهوات والرغبات.... حقائق تنكشف للأخِفَّاءِ الأحفِياءِ الذين لا يطمعون في غير المجد الأبدي، والذي يدفعون في سبيله ثمن الصبر حتى النصر.

حقائق مكتوبة بلغة الصمت، فلا تسمع في ضجيج صخبكم وعربدتكم.

ووحدهم الموتى من يصدق بوجود القبر المنسي.

ووحدهم المغفلون من يمرون ولا يعتبرون....