أدوات الزينة.. وأدوات الإقناع
أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر
ليس من شك في أن الجـَمال والزينة، وأدواتهما، هما للمرأة حاجة فطرية غريزية، تـنشأ عليها، وتنال الكثير من عنايتها منذ أن يشب عودها، وعلي مدار مراحل عمرها، وتعزيزا إيجابيا لهذا الجانب.. نال جَمال المرأة وزينتها، ووصف محاسنها، الحسية والمعنوية، من اهتمام الأدب العربي ـ قديمه وحديثه ـ شعرا ونثرا، رسالة ورواية، قصة ومسرحاً، أعمالا فنية وإبداعات تشكيلية، ما يصعب حصره.
حتى "صار جمال المرأة "سلاحها" ومغفرها، وهو في يدها كالسيف في يد الرجل، وكثيرا ما صارع الجمالُ السيفَ فثلمه، وفلّ حده، وليس من عارٍ في الانهزام أمامه.. فهو انتصار للفطرة والمهزوم أمام سلاح الفطرة غير مغلوب"(بتصرف من عباس العقاد:"مجمع الأحياء"، 1978م، مكتبة غريب بالقاهرة).
نعم قد لا تجد المرأة نعمة تسرها كما يسرها جمالها، فالمرأة الجميلة لا تخلع جمالها، ولا تتنازل عنه في زحمة الحياة وصراعاتها، مهما استبدلت به مُـلك الدنيا، فهي لا تريد أن تفرط في كينونتها، وحب الرجل وشغفه بها، بيد أنه في الآونة الأخيرة، وقد تغيرت المعايير،وتحولت الصور، وتبدلت الأسلحة.. قل أو اضمحل ذلك التأثير، فتمرد الرجل علي سلاح الجمال لدي المرأة، أو عافه، فلم يعد يركن إليه طويلاً، ومن ثم وجدنا تنامي "صيحات النيولوك"، وهي تتعاقب علينا، وتطلع علينا كل يوم، لتبدل ما كان بالأمس من يُعد من "معايير الجمال والزينة"، محاولات ومحاولات لتعيد الرجل إلي ذلك "الأسر الجميل"، والذي ما عاد يحتويه، فهرب منه، ربما إلي " قبح" قد يراه "جميلا"، مُـرددا: ما الجمال إلي أمر نسبي!.
إن المرأة تربح وتربح عندما تضيف إلي مزيتها الفريدة ـ أي جمالها وزينتهاـ مزية أخرى تزيدها جمالا وزينة، وتضيف إلي جوار أدوات زينتها.. أدوات إقناعها، وملامح ثقافتها، وهي تمتلكها كامتلاك الرجل لها، ولكنها قد لا تستعملها، من حيث يجب أن تستعملها، مكتفية بسلاحها الأول، فيفوتها في بعض الأحيان اجتماع السلاحين معا.
إنهما ليسا سلاحين فقط لكن "الرافعي" يجعلهما ثلاثة، فهو يزيدها سلاحا ثالثا، يزيد من قيمتها، فيقول:"خير النساء من كانت علي جمال وجهها، لها أخلاق كجمال وجهها، وكان عقلها جمالا ثالثا، فأجتمع لها الثلاثة )راجع:" من وحي القلم، مكتبة الأسرة 1995، ص 163ـ187).
إذا ما كانت أدوات الزينة قد صنعت لتستميل العين والوجدان، فإن أدوات الإقناع..أدوات تواصل تستميل العقل أولا، وقد تجتمع المشاعر والعاطفة معه في بعض الأحايين، مما يجعل الآخر موافقا علي ما تحمله رسالتك ووسيلة إقناعك.
وكما أن أدوات الزينة متعددة.. مرآة وأمشاط ومكاحل وألوان وأصباغ وعطور وحلي ومجوهرات وملابس.. وتدخلات جراحية تجميلية (للتكبير والتصغير والتضخيم والتنحيف، والشفط والحقن الخ).. نجد أن عملية الإقناع لها عناصرها: مصدر ومستقبل وقضية وهدف ووسائل للإقناع، كما ولها أدواتها من منطق سليم، وحقائق جلية، وفهم جيد، وعقل مستنير، وهي لا تعتمد أساليب الأسر والقهر والغلبة، وإن كان اسر الجمال، وقهر الحسن، وغلبة الزينة الحسية، ففي مواطن الإقناع والجمال والحُسن المعنوي ـ وهي كثيرة ـ لا ينفع "سلاح" الجمال الحسي، ولا أدواته ولا تدخلاته الجراحية وإن تعددت.
والمرأة لا تستطيع إقناع الآخرين بأمر ما قبل أن تكون هي مقتنعة به، واثقة فيه، بل وتبدو عليها آثار ذلك الاقتناع وتلك الثقة،( فمن ترفع لواء الاعتدال في الطعام والشراب ومحاربة السمنة وعللها، لا نجدها منهمكة ومنغمسة ليل نهار فيما تقول أنها تحاربه)، والداعية إلي أخذ مكانتها ودورها وريادتها الثقافية الاجتماعية، لابد وأن تعمل جادة، وتضحي من أجل ما تهدف إليه، لا أن تتخاذل في بدايات الطريق. ولعل معظم المدافعين عن المرأة، والمقتنعون بقضاياها ليسوا من جنسها.
وما تحاولين الإقناع به يلزمه جهد في توفير المعلومات المؤيدة له، لتقتنعي بها أولا ومن ثم تُـقنعين الآخرين، كما يلزم تلك المعلومات وعاء لغوي مع الكلمة المألوفة المفهومة البليغة المنطقية فتلك أداة أساسية في تلك العملية الإقناعية.
لا غني لك عن الاهتمام بسلم للأولويات في القضايا المهمة المثارة، واستمرار تناولها رغم المعوقات التي تحول دون الاقتناع بها، والتركيز عنها موضوعيا، بعيدا عن تناول الأشخاص ذاتيا، مع تلازم الشكل والمضمون في القضية محور الإقناع، وأهمية مستقبلها.. يشجع استمرارها.
عليك تهيئة الآخرين للاقتناع برأيك.. بحماسة ملحوظة، ومعاملة حسنة بشوشة رقيقة، تـنم عن حقيقة ناضجة، لا عن زخرف من القول معسول.
والتواضع من أهم أدوات الإقناع، فبه تنالين احترام الآخرين، وتكسرين حواجز ممانعتهم للاقتناع برأيك، وتأثرهم به، وعليكِ مراعاة فروق العمر والجنس والثقافة في أدوات إقناعك، فما يـُقنع أطفالك من وسائل توضيحية عملية، قد لا يفيد النسوة التي ينبغي تلامس الحجج عاطفتهن وعقولهن، بينما المنطق والبرهان العلمي سبيل من ازدادت ثقافته، وعليك دوماً التمييز بين الذين يقتنعون بالمحسوسات، دون المطلقات المجردات.
والتجرد الخالص والنظر بمنظار الآخر، وإثارة الرغبة للوصول إلي الحقيقة المجردة البعيدة عن الأهواء والمصالح الذاتية والآنية.
الاهتمام بهوايات الآخرين وما يهتمون به، ما يهمهم وما يقلقهم، وما يعيشونه من مشكلات.. طريقك للنجاح فيما تقدمين عليه، أنهم سيستريحون إليك، ويتقربون منك ويقتنعون برأيك.
اجعلي الآخرين يشعرون بأهمية آرائهم دون تحقيرها، مع عدم احتكار الحديث، ودعي الآخرين يشاركونك بعرض آرائهم في الموضوع، فيعرضون كل ما لديهم، مع استماع جيد لهم، حتى إذا ما فرغوا.. أضيفي إليها أو غيريها بوجهة نظرك، مع احترام ما تم عرضه من أفكار.
التدرج في توضيح الحجج، قارني ودعيهم يقارنون، فربما الآخرين علي صواب، وادحضي الحجج الواهية ليس بأسلوب جاف بل عبر مخاطبة العقل والوجدان معا. وتجنبي الجدل العقيم والنقد والمناقشات غير المجدية، والهجوم، والتحد، والغضب، بل تحلي برباطة الجأش، فالغضب قد يفسد عملية الإقناع.
وكما يكون تنوع وتغير أنماط الزينة الحسية..ادفعي الملل بتنوع أساليب الإقناع، وترديد أسم من تحاورينه، تكتسبي ثقته، وتمهد كثيرا لتقبل الناس لرأيك، واللين والابتسامة من أدوات الإقناع الفعالة، وجربي العبوس والتوتر وأنت تعرضين أمرا ما (أمام زوجك وأبنائك وأقربائك)، وانتظري النتيجة؟.
اقنعي بأسلوب مباشر وغير مباشر، كسرد قصة نجاح أو تفوق أو حكمة أو قصيدة مما يحض حضا غير مباشر للأبناء عل سلوك نفس الطريق، والتأكيد علي استعمال الصوت المناسب ، واستخدام الحركات التعبيرية بالوجه واليدين.
ولتعلمي أن لعملية الإقناع معوقات سببها تشويش علي إدراك من تحاورينه، فلابد من تكرارك لترسيخ رسالتك، وتجديد نمطها، ولكن بنفس المضمون، وإلا قد تخطيت القضية المثارة، مع تجديد الصدق والعزم والإرادة تفوزين بما تريدين الإقناع به.
- وأخيرا وليس أخرا: أنت اجمل وأجمل عندما تكوني أيضا مقنعة، لكن عليكِ بالصبر في عملية الإقناع، وعدم التعجل بجني الثمار قبل أوانها فذلك ضار ومحبط، كما أن بعض عمليات التجميل،( والنيو لوك) قد تأتي بعواقب ليست مرغوبة.