بل: "تكالبت الضباع علي يزيد"

بل: "تكالبت الضباع علي يزيد"

أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر

E.mail:[email protected]

فالضباع من الحيوانات الثديية اللاحمة التي تعيش في مجموعات تسيطر عليها الإناث. ورغم أن الضباع تفضل الصيد ليلاً؛ فإنها تهاجم الفريسة الضالة والضعيفة نهارًا، مخالبها قوية، ورغم جهده المبذول أثناء المطاردة فإن الضبع ـ الذي يتميز بقوة فكيه ـ الجثة ويمكنه سحق العظام بأنيابه، ويفعل ذلك فورًا بعكس الأسد أو الفهد الذي يحتاج للراحة قبل أن يشبع شهيته. ثم تجتذب تلك الجثة كل الحيوانات آكلة الجيف، وتنتظر دورها على مسافة آمنة من الضباع، لكن الضباع تتجاهلها، وتسرع في إنهاء وجبتها؛ قبل أن تأتي الحيوانات الأقوى لسرقة تلك الغنيمة. ومن صفات الضبع أنه حيوان جبان فهو لا يتورع عن مهاجمة القرى النائية محاولاً افتراس الحيوانات المنزلية كالخراف والماعز والأغنام. وتطلق الضباع أصواتا غريبة تتراوح ما بين العويل والنباح، وأحياناً تكون أصواته مشابهة للضحك البشع ولذلك فإنها تكنى بالضباع الضاحكة وأحياناً أخرى فإنها تصدر أصواتاً رفيعة حادة تكون في غاية الإزعاج.

-  سعي ضباع الغرب، ومن لف لفهم، عبر عقود من الاحتلال إلى "نهش" وتفتيت زسحق عظام دول العالم العربي والإسلامي, وتوزيع تركة الرجل ـ ليس المريض ـ بل الُمجهز عليه, قاضيا على وحدته وعوامل توحده ، واتحاد كياناته مستقبلا, بزرعه لرأس حربة له, ويد طولى له، وترسانة متقدمة لأسلحته,وتعبئة مستدامة لجنده. وباصطناعه الحدود, وإبقائه لمواضع توتر وتنازع بين كيانات تتناحر لا أن تتكامل.

- مادامت مطامعه يتم المحافظة عليها فهو يساند مناخ وصور الاستبداد والفساد ـ وكلاهما لا ينفصلان. وكأن الحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان والتمنية الحقيقية وقفٌ فقط عليه دون أن ينعم بها غيره. فنراه يغض الطرف بل يساهم في تزوير إرادة الشعوب وسرقتها.

- إبقاؤه الدول العربية والإسلامية ضمن منظومة (العالم الثالث.. المتخلف/النامي) تتناوشها الأمراض والعلل التي في أغلبها هو مسببها: فقرا.. وتكريسا له, وديونا وتراكما "لفوائد" تستحيل على السداد, وعبر مؤسساته البحثية المختصة, وتمويله لتقارير ترصد معدلات التنمية يشيع مناخًا "بحتمية" العجز والتخلف على هذه الدول.

- مشكلات الاقتصاد والتنمية وتعثراتها، والتعليم والإعلام ووهنهما، والصحة والبيئة وتلوثاتها، والأمن الغذائي والقومي وجدلياتهما. لقد فرضت " الضباع" الهيمنة والارتهان والإلحاق الثقافي والاقتصادي عبر الشركات المتعددة الجنسية, وصندوق النقد والبنك الدوليين واتفاقيات تجارية عالمية تُبقي على أسواقنا مفتوحة ـ فقط ـ للأقوى، وفق نظرية الخمس أو 20/80 (فالغرب خمس العالم يتحكم ويسيطر ويستغل ويحتل أكثر من 80% من ثروات العالم).

  - تصدير نزاعاته الداخلية للخارج عبر اصطناع عدو تلو آخر.. وهو بذلك يحافظ على تماسك نسيجه الاجتماعي الفسيفسائي الهش, وجلبا للمزيد من التنازلات ضمن الهيمنة والعولمة التي تعمل علي سحق الهويات المحددة والمتماسكة وغطائها الحيوي والهام, (فالعدو الأخضر بعد العدو الأحمر), و(الإرهاب العربي/ الإسلامي العالمي بعد الحرب الباردة).. ولبدء (حربه الساخنة) سبقها بمقولات مثل: (صدام الحضارات) و(نهاية التاريخ) و(نهاية الأيديولوجيا), إلخ.

- هذه الأمة العربية الإسلامية هي الوحيدة التي ليس لها "حق تقرير المصير " (حسب قول د. عزمي بشارة). وعلى الرغم من الضعف والوهن الحضاري والغثائية التي يعانيها العالم العربي والإسلامي: (فلماذا يتكالبون علينا ويعادوننا؟), هل لمعرفتهم بما نحن غافلون عنه من إمكانات ثقافية واجتماعية واقتصادية للنهوض؟, والذي إذا ما حدث فسيتراجع هو بعد نجاح وسيادة, وربما يصل إلى التفتت والتشرذم, الأمر الذي يكرسه في الآخرين خشية أن يصيبه!(راجع د. ناصر أحمد سنه: "ولماذا لا يحسن الغرب صورته أيضاً؟" مجلة العربي، العدد:559، يونيو 2005م، ص168ـ 169، الكويت).