ما كان من الإقامات الإبداعية
ما كان من الإقامات الإبداعية،
ما تبقى، وما سوف يدوم
منيرة سعدة خلخال/ قسنطينة/ الجزائر
في الطريق إلى عنابة، إنتشى الوقت قليلا ، تداعى الحال في أوان اللحظة ، ترتب عنه هدوء ضليل.. تفطن المستقر لمحض الصدفة ، تناول بيمناه العبارة الملفوفة بحديد الفلاح و ألقى عن يسراه أساور الرتابة ، شديدة التعلق باليوميات التي توقفت عن ابتكار النهارات.. و لم يزل الحكي مقرونا بالتؤدة و حيطة التكور الحذر في ردهات البال.. حتى دخلنا عنابة..
عندما أخبرني الشاعر جيلالي نجاري عن إقامتي الإبداعية التي ستكون بها ، لم أبتهج كثيرا لماء المكان ، في صحراء المعنى ، المعنى بالحضور و الشوشرة .. فقد انتعشت لعذوبته في عصير البرتقال بساحة قصر الثقافة و الفنون ذات أمد ، و قرأت فيوضاته في فتوحات " شكيل" المنغمسة في التجلي ، الإنبجاس و سحر الرؤى.. كما أنني استطبت تودده ل"القطارة" و هي تعد الناس بممكنات المستحيل في جفون الأماني الماطرة.. فكيف لي -بعد- أن أعود لعنابة و "اللي يولي ع الجرة يتعب"..هكذا قيل ، فلا شيء سيتعب، ولا شيء بمستطاعه أن ينبئ براحة الممكن..
لكن ، مهلا يا الروح الكبيرة التي ما عاد الجسد / اللغة/ يوافق وسعها ، و أقفرت عن بوحها الحدود ، الورود في غنج رواية أخرى.. وما ضر أن نفتتح شرخا آخر للصمت ، ينساب في رحيق الموعد ، يداعب طيب الرفقة و يستأنس مجددا لأسئلة الماء..
كانت -منال- صامتة عن سبق إصرار و فجيعة ، مستاءة لضياع حقيبتها بعدما شاخت فكرة الضياع بالقلب المهترئ .. تناهى إلى الروح مطلق أوجاعها ، لم أجزع و رحت أقلب شذرات البداية.. تناصبنا المحبة ، والمكان منسرحا فينا ، متدفقا بحنو اللقاء ، "خالد درويش" ، " ميداني بن عمر"، "حكيم ميلود" و"محمد مظلوم" .. كان " السيبوس" عامرا بنا ، خال من وصلات الغياب الهزيلة ، التي تثاءبت مرة واحدة و أقفلت راجعة إلى غيابها . و جاء البحر إلينا دفقة متصلة ، إجتاح شرود الجدب في أوصال المرايا الكاظمة للحلم ، هلل له الكلام الرطيب حتى نهاه الصمت عن سبيل الثرثرة ، لكنه انبرى سائحا في ترانيم المساء ، هناك عند "الكور" حيث تربص بنا الأصدقاء و جلسنا على مقاعد من وفير التواصل وجميل المؤانسة .. و بدت -عنابة- بهية، شهية الحضور ، ماضية في سحرها تعرض علينا عليق "سرايدي" و هي تدعونا إلى " سيدي عكاشة" في غفلة من السانكلو، ذلك، حين تدير ظهرها للتعب في مفازات " شطايبي" ..
تأخر الوقت و كان علينا أن نعود.. إلى قواعدنا غير آبهين بالسلامة ، يشد على أيادينا الفرح الغامض.